أخبار حلب _ سوريا
في كانون الأول/ 2023 كشفت وزارة الخارجية البريطانية عن وثيقة من الأرشيف تحمل جداول المعاشات التي كان يتقاضاها أمراء الخليج من الحكومة البريطانية في عشرينيات القرن الماضي، وتحديداً من وزارة الخزانة والوثيقة تحمل أرقام واضحة وصريحة بالجنيه الإسترليني وبالأسماء الحقيقة دون مواربة ابتداء بحاكم البحرين و مروراً بحكام أبو ظبي و دبي وعسير ونجد والحجاز حين كانوا طوائف ولم يتحولوا إلى دويلات، وكان كل أمير يسعى نحو مصالحه الشخصية ومصالح العشيرة التي يسوقها والمقابل كان واضحاً وهو أن يلتزم كل أمير بكل ما تطلبه بريطانيا من هذه العشائر.
العجوز بريطانيا والأهداف البعيدة
معروف عن بريطانيا البخل الشديد ولكنها كانت ملتزمة مع أمراء العشائر ولكن ليس بشكل مجاني؛ فقد كان على أجندتها أمرين أساسيين كان لهما تأثير كبير على المنطقة وما زلنا حتى الآن نعيش تحت تأثيرهما:
الأول: هو تقسيم المنطقة وخاصة بعد انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وهو ما كشفته اتفاقية “سايكس بيكو” بين بريطانيا وفرنسا
الثاني: اكتشاف النفط في المنطقة وهو ما عمل الإنكليز على تأجيل إعلانه إلى أن اتضحت معالم المنطقة وتوضحت الزعامات والتقسيمات والصلاحيات، وهذا ما يفسر أن الإنكليز اكتشفوا وجود النفط في عام (1910) ولكن انتظروا (22) عام حتى أعلنوا عن أول بئر نفط في البحرين عام (1932) بعدما تأكدوا أن التركيبة هي بيدهم تماماً.
وبعد الحرب العالمية الثانية انتقلت السيطرة من يد الإنكليز إلى يد الأمريكيين، والتي من أهم أسبابها هي تمرير ما يسمى اليوم ب “إسرائيل” والتي كان الإنكليز قد أخذوا قراراً فعلياً من هؤلاء الحكام من خلال اتفاقيات سرية سابقة بتمرير مشروع تأسيس الكيان المحتل ك (عبد العزيز آل سعود، الشريف حسين، سعيد بن مكتوم، راشد النعيمي، سلطان القاسمي، شخبوط بن سلطان، فهد الهزال….) وكل أولئك الذين أصبحوا فيما بعد حكاماً ل (الحجاز، نجد، الأردن، دبي، الشارقة، أبو ظبي، البحرين…)
زبدة الكلام أو نفط الكلام!!؟
قد يتساءل القارئ عن مغزى حديث كهذا يكلف رقاباً ودماً في زمن الحرية المبينة على التصفية للآخر الذي يخالف.
الجواب أبسط من الماء وأعقد من النفط، لكل إنسان يعتقد أو يبني آماله على السعودية أو الإمارات او الأردن أو البحرين أو هؤلاء الدول الذي ماضيهم هو عبارة عن اتفاقيات والتزامات مع الإنكليز سابقاً والأمريكيين فيما بعد والكيان حالياً أن يخرجوا بموقف واحد يكون حاسماً ولو قليلاً، سيكون انساناً لا يفقه معنى فلسطين ابداً.
ولو أمعن النظر قليلاً وقرأ التاريخ الحديث بالحد الأدنى سيعلم تماماً ان هؤلاء الجماعات مستحيل أن تخون الغرب بأي قضبة استراتيجية كقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلحم أكتافهم من خيرات الغرب، وعقيدتهم الاستراتيجية والسياسية والأمنية والمالية وحتى الثقافية هي عقيدة غربية بحتة، مزينة بقليل من الزخارف والطقوس الإسلامية، والغرب ملتزم للنهاية بحماية هذه الممالك، والإمارات واستبدادها وظلمها ليس من أجل سواد عيون هذه المشيخات بل من أجل سواد مزاريب الذهب الأسود “النفط” الذي ينبع من أرضهم
النفط الذي ينشأ إمارات ومشايخ!!
كاذب من يعتقد أن الخليج هو من اكتشف النفط؛ فهم لا يملكون أدنى تصور عن شكل النفط أو طريقة استخراجه حتى، ولا طريقة تكريره ولا حتى خطر ببالهم فكرة التنقيب عنه، وحتى فكرة تسويقه في العالم هي خطة إنكليزية لضمان الأمن الاستراتيجي لبريطانيا آنذاك، فلا أحد ينكر أن الإنكليز هم من اكتشف النفط ونقب عنه وكرره وسوقه في العالم، ووضعوا هؤلاء المشايخ الصورية الذين هم ليسوا أكثر من “خيال صحراء” وفي أحسن الأحول هم أسماء على “البيرول” التابع لوزارة المالية البريطانية، فقط لكي يكون لسرقته ونهبه صورة شرعية جيلاً بعد جيل، لذا يجدر بنا أن لا نرفع سقف طموحنا في عبيد كهؤلاء.
دويلات جلبت للفلسطينيين الويلات
ماذا ينتظر العالم من دويلة الامارات سوى أن تستنفر لتأمن طريقاً برياً بديلاً عن البحر الأحمر لتوصل البضائع الى الموانئ الإسرائيلية
وماذا ينتظر العالم من ملك الأردن أكثر من حبس كل أولئك الذين حاولوا قطع الطريق البري القادم من الإمارات عبر السعودية؛ ليغيث الكيان بالطعام والماء والدواء وفلسطين تموت على مهل؟
وماذا ينتظر العالم من “محمد بن سلمان” سوى أن يقمع كل مظاهرة تدين الإبادة الجماعية في غزة والإعلام السعودي حتى تاريخ إعداد هذا المقال يرفض تسمية الاطفال الذين قطعت شظايا صواريخ الكيان لحمهم الطري “شهداء” ويذهب الوقاحة والصلافة أبعد ما يمكن حيث بات يستنكر على المقاومة الفلسطينية استهداف المستوطنين اليهود بالصواريخ باعتبارهم مدنيين وكأن أطفال غزة يحملون تهمة الإرهاب بمجرد ولادتهم؟
ماذا يتوقع العالم من “تركي آل الشيخ” غير محاولته التسويق ل “ماكدونالدز” وآل “ستاربكس” في موسم الرياض والاختلاط الحلال، فماذا تتأملون في هكذا طبقة ويجدر التنويه الى كلمة طبقة والمقصود بها هي الطبقة السياسية الحاكمة وأزلامهم وحاشيتهم وجلاوزتهم وليس الناس الشرفاء المغلوب على أمرهم الذين يعتنقون القدس كلما طغى حكّامهم أكثر
العروبة.. والعتب على قد مصر
العتب على مصر كبير جداً بسياسيها وجيشها ومثقفيها وناسها، ليست هذه مصر التي نعرف وليس وجه مصر ذاك الضابط الذي نجا من عملية “ماساتشوستس” التي كانت من المفترض أن يعود على الطائرة (51) ضابطًا، لكن ضابط واحد فقط بقي في أمريكا بحجة إتمام أوراقه وطلب عدم السفر وهو الوحيد الذي نجا من الموت وكان اسمه “عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي” ليصبح بعهد عشرين عاماً رئيساً لمصر بانقلاب عسكري.
وليس وجه مصر هذه العصابة التي تمنع دخول الدواء والطعام إلى غزة بل وتبيعه بثلاث أضعافه للفلسطينيين الجيران في مخيم رفح، يقيناً هذه ليست مصر “جمال عبد الناصر” و”سليمان الخاطر” و “ابراهيم الرفاعي” و “زكريا خليل” وملايين الشرفاء المصريين الذين وبعد مضي (45) عام على “كامب ديفيد” لم يسمحوا ليهودي واحد أن يفتح محلاً في القاهرة أو الإسكندرية أو غيرها من المد العريقة، العتب على بلد المئة مليون شريف، البلد الذي في عاصمته فقط ألف مئذنة، بلد قدم مئة ألف شهيد في الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام (1948) حتى الآن، العتب على مصر في قضية لم يكن الحق ظاهراً فيها كما الآن.