أخبار حلب _ سوريا
بقلم: زهراء مهنا
مجزرة عنوانها “الطحين”، أعادت الزمن إلى الوراء في ذاكرة الحرب لدى أهالي مدينة حلب؛ تلك المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والتي أودت بحياة أكثر من 100 فلسطيني ذنبهم الوحيد البحث عن رغيف الخبز؛ حيث أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، يوم أمس، ارتفاع عدد الشهداء في “مجزرة الطحين” التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد تجمع لمواطنين أثناء انتظارهم مساعدات إنسانية، يوم الخميس، إلى 118 شهيداً، و760 مصاباً.
تلك الخطيئة نفسها التي كلفت أهالي مدينة حلب بذل الكثير من أرواحهم على معبر بستان القصر قبل تحرير المدينة من الإرهاب، وفتح الطرقات وفك الحصار الذي خنق المدينة عاماً كاملاً.
معبر الموت تفوح رائحته المختلطة بالخبز والدم في غزة
بدأت حكاية الحي الذي يمر به نهر قويق، والذي جمع تاريخياً بين ورشات الخشب والمفروشات في العام 2012 حين دخل المسلحون لمدينة حلب فكان حي بستان القصر آخر نقطة لتمركزهم؛ حيث يقع حي بستان القصر بالقرب من مركز مدينة حلب، ويتوسط الحي أحياء الكلاسة وباب انطاكية والأنصاري ويفصلها شارع اوتوستراد عن حيي الفيض والمشارقة.
وبعد سيطرة العصابات المسلحة بوقت قصير، تحول اوتوستراد عمر بن عبد العزيز إلى جدار الفصل العنصري؛ الذي قسم مدينة حلب إلى مدينتين شرقية وغربية حسب ما اصطلح عليه في فترة الحرب.
فقد كان الآلاف من أهالي حلب يمرون عبر المعبر أسبوعياً من أجل تحصيل مصالحهم، سواء كانوا نازحين أو طلاب جامعات أو موظفين أو عمال عاديين مرتبطة مصالحهم بمناطق الجزء الغربي من مدينة حلب؛ يقطعون المسافة الأكثر خطراً ورعباً في المنطقة هاربين من القذائف والقنص، وناجين من تسلط لجنة التفتيش المتحكمة بالمعبر إذا ما حالفهم الحظ، والكثير منهم إما سقط شهيداً أو سيق أسيراً قبل أن يبصر نور المدينة من الجهة الغربية.
كان المعبر عبارة عن شارع محاذٍ لجامع حذيفة بن اليمان، تصله من جهة حي المشارقة، ويبدأ بشارع يكسوه التراب بعض الشيء وبضعة كتل ترابية مرتفعة قليلاً موزعة بين اليمين واليسار يتم عبورها بشكل متعرج ولقّب بمعبر الموت؛ لكثرة الحوادث الفاجعة فيه قبل أن يتخلص أهالي مدينة حلب من كابوس شطر المدينة إلى نصفين بعد تحريرها من قبل الجيش السوري وعودة الخدمات العامة إلى الأحياء الشرقية.
معركة الرغيف اليومية في غزة تستشعرها حلب جيداً
يمتزج اليوم لدى المواطن الحلبي الماضي بالحاضر، ويستحضر المعاناة التي ذاق منها الأمرين على طابور التفتيش عند معبر بستان القصر الذي كان خاضعاً لسيطرة العصابات المسلحة.
فعلى طابور المعبر، يعيد التاريخ نفسه والعدو نفسه وإن تغيرت أشكاله ومسمياته؛ فكم حاول الحلبيون على هذا الطابور إخفاء ربطة الخبز متزنرين بها تحت ملابسهم، أو كيلو البندورة موزعينه في زوايا حقائبهم أو غيرها من قوتهم اليومي حين حاصرت العصابات المسلحة طريق خناصر.
والمفلح منهم من استطاع إخفاء طعام أطفاله عن أعين لجان التفتيش التي اقتبست استبدادها وغطرسها بالأمس من استبداد العدو الإسرائيلي وغطرسته اليوم، وكانت أداة لمشروعه في كسر سوريا وتحطيم شعبها والاستيلاء عليها؛ أما البائس هو ذاك الذي يلتقطه أحد عناصر التفتيش حاملاً ربطة خبز أو علبة حليب أطفال فيذيقه أشد ألوان الإذلال.
من غزة إلى حلب.. العدو واحد والمعاناة واحدة
يقبل شهر رمضان على أهالي حلب محملاً بالذكريات المؤلمة التي قضوها في رمضان عام 2013 يعانون الحصار والجوع، وكان يتحتم عليهم التوجه لمعبر الموت في بستان القصر من أجل شراء قوت يومهم وحتى البنزين والمازوت الواصل من شرق سوريا كان عليهم شراؤه من هناك.
وكان للمعبر قبل أن يفكّ الجيش السوري الحصار عن أحياء المدينة سطوته في التحكم بأسعار السلع في أحياء غرب حلب؛ فإغلاقه ليوم واحد يرفع الأسعار بنسبة 100% إلى أن رفعت اللافتة الشهيرة حينها والتي عُلقت فوق باصين للنقل الداخلي، واحد أحمر، وواحد أصفر “يمنع خروج كافة المواد التموينية والأدوية والمحروقات والزيوت ومستلزمات الأطفال والحليب ومشتقاته والخضار واللحوم والخبز… منعاً باتاً”.
ولا يخلو رمضان اليوم الذي سيطل قريباً على الحلبيين من أقساط المعاناة المختلفة التي انتهى جزء منها بانتهاء الحرب؛ لكن الأجزاء الأخرى قابعة على قلوب الحلبيين تحاصرهم في لقمة عيشهم ما دامت العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا تتجدد كلما انتهت.
وكذلك ما دام الاحتلال الأمريكي قابعاً على منابع النفط والغاز في شرق الفرات، والاحتلال التركي في الشمال السوري ينهش محاصيل السنابل والزيتون؛ ليتوحد الألم من غزة إلى سوريا بعدو يتخفى حيناً خلف ستار المسميات والرايات التي ترفعها الفصائل المسلحة، ويظهر حيناً بوجه الحقيقي كما هو ظاهر في غزة عبر الاعتداءات التي ينفذها على مختلف المناطق السورية في دمشق وحلب وحمص وطرطوس وغيرها.
يشاهد اليوم أهل حلب مجزرة الطحين في غزة بعيون تفيض بالدمع على ألم يعرفونه جيداً واختبروه طويلاً؛ الأطفال الجياع والأب العاجز عن فعل أي شيء تلك قصة يفهمها الحلبيون بجدارة، ويتحسسون شعور الأطفال الغزاويين وآبائهم بمرارة فكم تعيد لهم إلى الأذهان سنوات طويلة من الحرب حصدت منهم الأرواح، والأموال، والبيوت، والمحلات وأحلام المستقبل تماماً كما يحدث اليوم في غزة.
وإلى اليوم مازالت بعض الأبواق العبرية الناطقة بالعربية تنعق هنا وهناك على وسائل التواصل الاجتماعي؛ داعية لاستغلال انشغال سوريا بمساعدة غزة، والاعتداءات الإسرائيلية المكثفة على أراضيها من أجل الانقضاض على الصيدة التي فلتت من يد رئيس الوزراء القطري “حمد بن جاسم” ذات يوم رغم المبلغ الضخم الذي اعترف به على وسائل الإعلام والذي قارب ال “2000 مليار دولار” أنفقت على صبغ رغيف الخبز السوري باللون الأحمر وقطعه عن أفواه الجائعين.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News