أخبار حلب _ سوريا
في أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، وعلى مقربة من سورها الذي أوقف زحف جيوش بكاملها وتكسرت على أعتابه حضارات عريقة؛ يقع حي “المشارقة” العريق كعراقة حلب، والأخبار التي وصلت عن هذا الحي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة وسحر شهرزاد وحكاياتها الملاح التي لم يسكت عنها كلامنا المباح لكل عشاق هذه المدينة؛ كذلك حي “المشارقة” يأتيك بنبأ لم تسمعه من قبل عن تاريخ حلب وأحيائها التي ما زالت تحتفظ بنسختها العمرانية إلى الآن.
تقول الأخبار يا سادة يا كرام أن حي المشارقة يقع وسط مدينة “حلب” عند نقطة تلاقي الطريق الدولي القادم من “دمشق” مع أحياء “الفيض” و”الإسماعلية”؛ الذي يتميز بصبغته الشعبية الحلبية الخالصة المتمثلة في مرافقه العامة، وبمنازله وساكنيه التي تختلط مع ضجيج الحداثة وورش المحلات التجارية والتي تعتبر مركزاً للجملة ونصف الجملة وأيضاً الصناعية لإصلاح وزينة السيارات التي لا تهدأ على مدار الساعة.
نشأ الحي في عام (1600) ميلادي وكان فيما سبق خارج أسوار حلب القديمة وهذا ما جعله محط القوافل القادمة والذاهبة من وإلى حلب، ويعود سبب تسميته للأرض التي كان يقيم عليها عرب الشرق الذين كانوا يأتون إلى “حلب” من الجهة الشرقية ومن البادية الشامية والعراق للتسوق والتبضع وتبادل المنتوجات”.
حيث كان أغلب سكان الحي في السابق يمتهنون الحرف اليدوية والتجارية والزراعية والحيوانية لقربهم من مجرى “نهر قويق”؛ لسهولة إرواء حيواناتهم من الأبقار والأغنام والماعز، وتميزت المنطقة بوجود بساتين خضراء وكان ذلك النهر مصدراً هاماً لحياتهم الزراعية والتجارية، وعمل أهل الحي على طحن الحبوب لاستخراج النشاء وبيعه في الأسواق الرئيسية للمدينة وأسواق المدن الأخرى.
ومن الحكايات المروية عن هذا الحي أن بعض سكانه كانوا يربون القرود وهذه جاءت من مصر مع جيش “إبراهيم باشا بن محمد علي” كان غايتها تسلية الجند والعسكر خلال تعسكرهم أو تنقلاتهم وفيما بعد طرد العثمانيون جنود “إبراهيم باشا” وبقي البعض من مربي القرود ومعهم بعض الجند الذين لم يغادروا حلب وسكن البعض منهم في مناطق ضواحي حلب وربما نزل البعض بحي المشارقة أو توزعوا في أطراف المدينة، وظلوا يمتهنون تربية القرود ويعرضوها على الناس للمشاهدة لقاء أجر وهذه الرواية لم تذكر كثيراً في كتب التاريخ وإنما مصادرها هم رواة من كبار السن في هذا الحي.
وأهم ما اشتهر به هذا الحي وتميز به عن باقي أحياء وحارات حلب وأبوابها هو صناعة النشاء فقد عملوا بالزراعة والمدار وهو طحن الحبوب لاستخراج النشاء منه وأيضاً الاستفادة من قوة جريان ماء النهر في السقاية عن طريق النواعير وتدوير المطاحن لطحن الحبوب.
أما تجميل المشارقة فهو عبارة عن شوارع عريضة ومحالٍ تجارية وعماراتٍ تتكون من خمسة طوابق ضمن نظام العمران الحديث المتبع بسوريا في الخمسون عام الأخيرة.
ويبقى حي المشارقة الحلبي شاهد على نمطين من الحياة:
النمط الأول: هو نمط حلب القديمة بحاراتها الضيقة والمرصوفة بالحجارة السوداء وأبوابها الحديدية التي تغزوها المسامير وترى الزي الحلبي القديم الذي بات محصوراً بكبار السن من الجنسين؛ فعلى سبيل المثال ترى بعض الرجال يرتدون (الشروال ـ السمنية ـ العرقية ـ قميص الملس ـ الصدرية ـ الملسان ـ الكمر ـ المنتوفة الحمراء أو السوداء حسب المناسبة وأخيراً الشالة، أما المانية والجزدان فهما عبارة عن قطع ثانوية وارتداؤها يعني الكمال والفخفخة ليس أكثر) واللباس النسائي المحصور ب (الدراعة والطرحة)
أما النمط الثاني الشائع فهو ما غزاه العمران والحداثة فترى البيوت التي تتألف من خمس طوابق وشوارع عريضة المزفتة والمنارة ليلاً.
والجدير بالذكر أن هذا الحي قد عانى كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب الحرب التي فتكت بالبلاد وخاصة بما يسمى “معبر الموت” المواجه للمشارقة.
وهكذا نسدل الستار عن حكاية حي من أحياء حلب العريقة وعلى موعد حي آخر.