أخبار حلب _ سوريا
خاص لموقع أخبار حلب
بقلم: عادل حداد
في 8 آذار 2024؛ أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن الجيش الأمريكي سيقوم ببناء ميناء مؤقت على ساحل قطاع غزة على البحر المتوسط.
هذا القرار كما تزعم الإدارة الأمريكية يهدف إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر، وهو كما أشارت مصادر البيت الأبيض هدفه هو التخفيف عن معاناة أهالي غزة، خاصة بعد أن أقر بايدن أنهم عانوا أهوالاً فظيعة.
الميناء سيتم إنشاؤه على مساحة 6 كيلومترات مربعة في عرض البحر مقابل شواطئ غزة، وسيضم مشافي عائمة تعالج نحو مليوني فلسطيني في غزة؛ بالإضافة لبيوت إيواء عائمة، كماأنّ عمق الغاطس للسفن بالرصيف لن يقلّ عن 17 متراً، لاستيعاب جميع سفن المساعدات.
لكن لماذا الآن؟ وكيف سيعمل الميناء؟
الرواية الأمريكية المعلنة تقول إن هذه الخطوة تأتي وسط تحذيرات دولية من تفشي الجوع في غزة؛ حيث يعيش حوالي 2.3 مليون نسمة، وبعد خمسة أشهر من العدوان الصهيوني العسكري على غزة، والتي دمر فيها كل أوجه الحياة في القطاع، وتسبب في كارثة إنسانية لا يمكن تحملها.
وعن طريقة عمل الميناء، فسيتولى الجيش الأمريكي بناء الرصيف البحري قبالة سواحل غزة، حيث سيتصل باليابسة عبر جسر مؤقت، ومن المقرر شحن المساعدات إلى الرصيف البحري من قبرص، حيث سيتم فحصها أولاً من قبل مسؤولين “إسرائيليين”؛ علماً أنه سبق وأن رفض الكيان إدخال شحنة مساعدات طبية الى غزة عبر معبر رفح لتضمهنا مقص طبي، وهذا مؤشر على ما هو نوع تلك المساعدات التي يمكن للكيان السماح بها عبر هذا الميناء المزعوم؟!!
كم من الوقت سيستغرق إنشاؤه؟
لم يتطرق الرئيس الأمريكي لهذا بشكل محدد، ولكن أكد مسؤول أمريكي أن الأمر سيستغرق “بضعة أسابيع للتخطيط والتنفيذ”؛ علماً أن مصادر البنتاغون أكدت يوم الثلاثاء أن الأمر سيستغرق 60 يوماً، وهو وقت ليس كافياً فقط لتشييد أرصفة الميناء بل كافياً لمزيد من جرائم الإبادة بحق أهالي غزة بمنح الكيان وقتاً إضافياً لتجريب ما لم يجربه من ترسانته التدميرية، وهو وقت كافي لكي يموت الأبرياء من المرضى والجوعى حتى وإن لم تطالهم رصاصة العدو الصهيوني.
هل كان هذا المشروع وليد فكرة بايدن فقط؟!!
بالعودة إلى الأطروحات التي تتعلق بهذه الفكرة سنعود إلى الوراء أكثر من قصة طوفان الأقصى إلى عشر سنوات مضت حين طرح وزير خارجية الكيان “يسرائيل كاتس” فكرة شبيهة بما يتم التخطيط له الآن.
حيث كانت فكرته ترمي إلى إقامة جزيرة اصطناعية قبالة سواحل غزة، لنقل السكان إليها؛ تتضمن ميناء وأبراجاً سكنية ومطاراً مدنياً، لكن فكرته تلك لم تلقى تجاوباً في ذلك الحين، لكن على ما يبدو تم تحويلها إلى مطبخ التخطيط الصهيوني ليتم إعدادها للوقت الذي يجدونه أكثر ملائمة لتقبلها ولو مع شيء من التعديل عليها.
كما أوردت مصادر أمريكية إن فكرة الميناء الصناعي سبق وأن أثارها “النتن ياهو” مع بايدن عقب عدوانه على غزة دون أن يتفاعل معها بايدن في حينها، لكنه أيضا أدرجها ضمن أوراقه التي يعمل على دراستها حتى وقت لاحق.
لكن … ما الهدف الحقيقي من إنشاء ميناء صناعي لإدخال المساعدات إلى غزة؟!
بعد أن وصل عدد شهداء غزة إلى ثلاثين ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وبعد توارد صور المجازر الصهيونية بحق المدنيين الأبرياء، ورؤية العالم لحجم الدمار الرهيب الذي خلفته آلة القتل الصهيوني بأحياء غزة، والوضع الإنساني الكارثي الذي لحق بحوالي المليونين إنسان تم حشرهم في زاويا ضيقة في القطاع خاصة في رفح؛ كل ذلك جعل الرأي العام الغربي يدرك حجم المأساة التي يعيشها أهل غزة، بعد أن تمكنت عدد من وسائل الإعلام من اختراق جدار الصمت الذي فرضته أمريكا والكيان على وسائل الاعلام كي لا تنقل واقع الكارثة التي تعيشها غزة.
شكّل الراي العام الغربي حالة ضغط غير مألوفة في الشارع الغربي رغم قرارات التحذير والتجريم للمتعاطفين مع غزة إلا أن شوارع لندن وباريس وحتى ألمانيا لم تخلو من الموجات البشرية التي تنادي بإيقاف الإبادة في غزة، وهذه الموجات البشرية الغاضبة وصلت إلى شوارع أمريكا ومقراتها الرئيسية، وبات المسؤولين الأمريكيين بما فيهم بايدن عرضة لمقاطعة خطاباتهم ووصفهم بالمجرمين الملطخة أيديهم بدماء أطفال غزة.
بايدن الذي يستعد لخوض انتخابات رئاسية شرسة ضد خصمه “ترامب” وجد نفسه أمام ضغط شعبي كبير يطالبه بوقف انحيازه للكيان، وفي الوقت ذاته قناعاته الصهيونية ومصالحه مع الكيان اقوى من أن يتخذ مثل هذا القرار.
لذلك جاء إعلانه الطلب من جيشه بناء هذا الميناء الصناعي لتقديم المساعدة لأهالي غزة طوق نجاة له من اتهامه بالتورط مع الكيان بجرائم الإبادة، وإقناع ناخبيه من العرب والمسلمين والشباب الأمريكي المتعاطفين مع قضية فلسطين أنه بذل ما يستطيع من أجل مساعدة أهالي غزة.
كما تتضمن عمليته الدعائية تحسين صورة أمريكا في العالم بعد أن بدت شبه معزولة في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو حتى في مجلس الأمن الذي لم ينقذها منه سوى حق الفيتو الذي يخولها قتل مشروع القرار في مهده.
رغم كل ذلك يظهر بايدن عبر حملته متباكياً على أطفال غزة وحجم البؤس الذي يعيشونه، ومناشدته الدائمة للكيان بالحد من سقوط مدنيين في عملياته العسكرية.
فهل حقا كان بايدن صادقاً؟!!
بالتأكيد أن المتتبع لماكينة صنع القرار في أمريكا يدرك أن خلف أي قرار أمريكي يتعلق بمنطقتنا؛ هناك نوايا مبيتة، وأهدفاً خفية مغلفة بجوانب إنسانية بهدف تمريرها، وبهدف إيجاد عدد أكبر من الساذجين للتصفيق لها، وتبدو الإمارات هي أول المباركين لخطوات بايدن العرجاء في المنطقة، وتلازم المسار مع الإمارات التي وصفت عملية طوفان الأقصى بالإرهابية يثير الكثير من الشكوك ولا يبعث برسالة تطمين للأهداف الخفية من هذا المشروع.
فما هي الأهداف الحقيقة من وراء فكرة بايدن انشاء ميناء صناعي في غزة؟!!
لا شك أن قصة الإنسانية هي خارج موضوع الأهداف الحقيقة للإدارة الأمريكية، وأن الأكمة وراءها ما ورائها، وأن هناك ما تسعى أمريكا والكيان لتحقيقه من وراء هذا الطرح، وإن بدت علاقتهما مصابة ببعض الفتور ظاهرياً؛ لكن التنسيق بين كل أجهزة ومؤسسات أمريكا مع الكيان لم يتأثر بهذا الخلاف الشكلي.
ولعل أهم الأهداف المضمرة من وراء هذا الطرح يمكن اجمالها بما يلي:
أولاً: محاولة الالتفاف على ضغط الرأي العام العالمي المتصاعد حول ضرورة كسر الحصار عن غزة؛ بما خلفه من كارثة إنسانية بتحويل هذه القطعة من الأرض إلى أكبر سجن في العالم يضم قرابة المليونين وثلاثمائة ألف نسمة بداخله.
ثانياً: تسعى أمريكا والكيان إلى محاولة عزل المقاومة الفلسطينية عن أهالي غزة؛ بحرمان رجالها من تولي مسؤولية تقديم الإغاثة إليهم، في الوقت الذي سيتم فيه زرع أدوات فلسطينية موالية للكيان لتولي هذه المهمة بالتنسيق مع الإمارات التي هي مهتمة بعودة دحلان للواجهة عبر استغلال حاجة الأهالي لما يسد جوعهم؛ بما يحمله ذلك من التحكم والسيطرة في حياة المدنيين، وابتزازهم والضغط عليهم لتغيير قناعاتهم الوطنية، باستغلال هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة جراء العدوان الصهيوني المدعوم أمريكياً.
ثالثاً: عزل قطاع غزة عن محيطه العربي، والتأثير المصري عليه، بالاستغناء عن معبر رفح وبالتالي تكون أنظار أهالي غزة باتجاه البحر دون الاكتراث بجواره العربي.
رابعاً: إن إنشاء ميناء صناعي يؤمن وصول أكثر من مليونين وجبة يومية مع تأمين خيم إيواء ومستلزمات الحياة، هو أمر يحمل في باطنه هدف تحقيق الإجلاء الطوعي للفلسطينيين من رفح تمهيداً لاقتحامها من قبل جيش الكيان بأقل الخسائر الممكنة.
خامساً: ولعل الهدف الأكثر خطورة وخبثاً في هذا المشروع هو في تحقيق الحلم الصهيوني بتفريغ قطاع غزة من ساكنيه عبر تشجيعهم على الهجرة الخارجية عبر هذا الميناء تحت دوافع إنسانية للعلاج تارة أو الدراسة أو تأمين حياة أفضل لهم، وهو ما كان يمارسه الكيان خلال الحرب بتنفيذ خطط تهجير سكان القطاع إلى خارجه بالإبادة الجماعية والمجاعة، أو حتى بوضع خطط دفع الأموال للفلسطينيين من أجل التهجير الطوعي على حد زعمهم، وهو أمر رفضه الفلسطينيون الذين يتمسكون بأرضهم بالعيش على ظهرها أعزاء، أو أن يتم دفن رفاتهم في جوفها شهداء.
هل يُعد في حال إنشائه حلاً للكارثة أم تعزيزاً لها؟!!
أمريكا التي تتباكى على وجع غزة لا تخدع بذلك إلا من يدورون في فلكها؛ فالجميع يعلم أن إنهاء هذه التراجيديا المؤلمة موجود في خزانة البيت الأبيض الذي لو كان جاداً في رفضه لسقوط المدنيين لأوقف العدوان من أسبوعه الأول.
فحجم الذخائر المرسلة للكيان هي أكبر مما تنوي إرساله من مساعدات غذائية لأهل غزة، وبايدن الخرف لا يكل ولا يمل في إعلان حق الكيان بالدفاع عن نفسه، وأن الكيان لم يرتكب جرائم حرب، وكأن المدنيين في غزة هم من يطلقون الرصاص على أنفسهم!!
لو كانت أمريكا جادة في إدخال المساعدات حتى دون إيقاف العدوان لوجدت الطريقة المناسبة لذلك بإجبار الكيان على عدم اعتراض شاحنات المساعدات التي تعبر من رفح، بل حتى وإجبارها على السماح للشاحنات بالدخول عبر الضفة الغربية الى القطاع.
لكن من الواضح أن أمريكا هي طاولة الحرب على غزة بتخطيطها وأسلحتها وغطائها السياسي للكيان ولا يمكن أن يتم تبرئة أمريكا من جرائم الإبادة الإنسانية بحق أهالي غزة.
ومن غير المستبعد أن تكون هذه الورقة الإنسانية التي يتلطى خلفها بايدن استمراراً لعدوانه على غزة، وجزء من خطة “اليوم التالي” فيها، أي اليوم الذي يتم فيه القضاء على المقاومة، بأن تضع أمريكا موطئ قدم لها في غزة.
وأن أي محاولة لغسل عار هذا الإجرام ستبوء بالفشل كما سبقتها من محاولات، والجميع يدرك أن أهالي غزة صغيرهم وكبيرهم بات أكثر قناعة الآن أكثر من أي وقت مضى إنهم يقاتلون أمريكا أولاً، وما الكيان إلا أداة تنفيذية بيدها.