الذي يعرف أمريكا حق المعرفة يدرك أن ما يحصل من مفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني يدار من غرف أمريكية سرية؛ فأمريكا الكاذبة الأكبر في العالم سياسياً تروج عبر أبواقها عن تفاقم الخلاف بين “نتنياهو” و “بايدن” لدرجة أن المشاهد يشعر بأن حرب داحس والغبراء على وشك الحدوث بين السياسيتين اللتين تجعلنا نشعر بوجود خلاف كبير بينهما، في حين أن هذا الخلاف هو جزء من اللعبة السوداء للبيت الأبيض ضد القضية الفلسطينية والإسلام في الشرق الأوسط.
الفيتو أصدق من التصريحات
هؤلاء الذين يدّعون الخلاف هم ذاتهم يطرقون كأس نخب قتل الشعب الفلسطيني بعد الانتهاء من تصريحاتهم، فما الذي يفسر الفيتو الأمريكي المستميت عن الكيان الإسرائيلي وهل حقاً لو أراد هذا الجيش المهزوم بغزة أن يدخل رفح سيوقف “بايدن” عن ضخ السلاح و ملئ مخازن السلاح للكيان كما يكذب أمام شاشات التلفزة ويدّعي؟ التي حقاً لو أتيح لنا الوصول إليها لوجدناها لا تتسع لرصاصة جديدة.
حتماً ما لم يؤخذ في سوح المعارك في غزة لن يؤخذ على طاولات المفاوضات المشبوهة وإن فوهات البنادق هي أصدق أنباءً من التصريحات، وبات معلوماً للجميع أن الحرب الآن صارت على طاولات المفاوضات؛ ففي الجولات الثلاث الماضية هزم الكيان وضاع دعم الولايات المتحدة الامريكية الغير مشروط للكيان هباءً منثوراً وأصبح نتنياهو يرفع سقف مطالبه في المفاوضات فتارةً يتحدث عن اجتياح رفح وتارة يتحدث عن الميناء العائم الذي ما خفي من وراءه كان أعظم؛ كي يسرق وقتاً أكثر لبقائه خارج قضبان السجن، وليكتمل المسلسل الإنساني المضحك عن مناطيد تسقطها أمريكا وشراذم المستعربين في البحر ومستوطنات العدو وكأن هذه المناطيد مطبعة كأصحابها مع الكيان.
التفاوض من وراء حجاب
بعد استشهاد أكثر من (35000) فلسطيني وتشريد ما يزيد عن مليوني نازح؛ أصبح يقينياً أن “نتنياهو” و”بايدن” يتفقان في الأهداف والوسائل و يختلفون في المنبر فقط وهو منبر لا يفسد للود بينهما قضية سوى القضية الفلسطينية؛ و أظهرت المفاوضات أن ما تم نقله عبر الوسيط المصري يخدم الفكرة الصهيونية والتطلعات الأمريكية وكانت الخطوة الأولى للحل كما هو مقترح هي تبادل الأسرى المدنيين مقابل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع وتسهيل تنفيذه من قبل الكيان الصهيوني و تدفق المساعدات إلى قطاع غزة والحرية لعدد من الأسرى الفلسطينيين.
لكن بعد التدقيق في التفاصيل، تبين أن الجانب الأمريكي قدم غطاء لطلب الكيان بمنع الحديث عن طريقة انتشار قوات الاحتلال في قطاع غزة، كما وافق الأمريكيون على أن تكون قضية المساعدات لغزة دون مشاركة وحضور مجموعات معينة أو إطار مرتبط بحكومة غزة أو القوى السياسية في قطاع غزة.
وينبغي أن نضيف أيضاً أن الأمريكيين منحوا النظام الإسرائيلي سلطة تحديد السجناء الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، ولاحظت حماس ازدياد التعنت في الموقف الصهيوني فأدركت سريعاً أن الأمريكيين يفاوضونهم من وراء حجاب وأن التناغم الأمريكي الصهيوني في أعلى دراجته أضف عليه التواطؤ العربي ولهذا السبب أبلغت الوسطاء القطريين والمصريين أنها غير مستعدة للدخول في المفاوضات المقبلة دون تغيير الحقائق، والشرط الذي وضعته حماس للعودة إلى المفاوضات كان موجهاً مباشرة إلى الولايات المتحدة، وكان كالتالي: “قدمت الولايات المتحدة بشكل مباشر خطة واضحة لإنهاء الحرب، وأسلوباً مختلفاً لتوزيع المساعدات، واستيفاء شرط السلام”. انسحاب قوات الاحتلال إلى حدود قطاع غزة وضمانات شروط حماس هذه واجهت صمتاً أمريكياً لعدة أيام، ولم يكن لدى الوسطاء المصريين والقطريين ما يقولونه في هذا الشأن.
لكن بعد أيام قليلة من الغياب، عاد المصريون بـ”أفكار جديدة” على قدر أنفسهم، لكن أصبح واضحاً أن الهدف من هذا اللقاء والمفاوضات هو أكثر من مجرد “أفكار جديدة”، بل هو الضغط على قادة المقاومة الفلسطينية لقبول المطالب الأمريكية غير المشروعة، التي تعلن باسم الصهاينة، كما أن المصريين الذين مارسوا ضغوطاً غير مبررة على فريق حماس المفاوض، لم يتصوروا أنهم يريدون أن يشرحوا للشعب الأفكار المطروحة في المفاوضات، فضلاً عن سلوك المصريين الذي لا يمكن فهمه سوى الدفاع عن الكيان الصهيوني.
وختاماً
يبدو أن المفاوضات تحولت من مفاوضات تحت النار إلى مفاوضات تحت التهديد ففكرة بناء ميناء على ساحل غزة طرحها رئيس وكالة المخابرات الأمريكية لتوجيه رسالة للفلسطينيين بأن أمريكا تريد اتخاذ خطوات إيجابية. لكن هذا الإجراء لم يلق ترحيباً من قادة المقاومة، ويقال أنه بعد طرح هذه الفكرة، لم تنجح مساعي المصريين لاستدعاء قادة المقاومة إلى القاهرة للمفاوضات.