في العقود الأخيرة، انتشر مصطلح “الإسلاموفوبيا” بشكل واسع، والذي يشير إلى الخوف أو العداء المبرر أو غير المبرر تجاه الإسلام والمسلمين، يُعد هذا النوع من الفوبيا ظاهرة مركبة تتداخل فيها الجوانب الاجتماعية، السياسية والثقافية.
وفي عام 2022 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بتخصيص يوم 15 آذار بالإجماع يوماً عالمياً لمكافحة رهاب الإسلام “الإسلاموفوبيا” وكان هذا الاقتراح جاء من باكستان وتم تقديمه باسم منظمة التعاون الإسلامي التي وافقت مسبقاً على تبني قرارٍ مماثل.
حيث تمثل الإسلاموفوبيا مزيجاً من الأحكام التي ذكرت مسبقاً التي تُسبغ على الدين الإسلامي وأتباعه، هذا النوع من الخوف يمكن أن يؤدي وقد أدى بالفعل، إلى تشريعات متحيزة، يرافقها أحياناً الاعتداءات الجسدية، والتميز العنصري، وتقويض حقوق الإنسان للأفراد والجماعات.
تلبّس الوهابية للإسلام مهّد الطريق أمام تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا
إن الظلم المتجذر في الإسلاموفوبيا ينبع من نقص في الفهم والتقدير للتنوع داخل الثقافة الإسلامية نفسها، وهو ما كرس الصورة النمطية السلبية المرسخة في الأذهان، وما سببته من تعمق الانقسامات وتفاقم من التوترات الاجتماعية.
ومن المؤسف أن كرّست السعودية بما تملكه من ثروات ونفوذ وملاءة مالية كبيرة من تسويق نفسها على أنها الوجه الحقيقي للإسلام، وعمدت عبر تحالفها السياسي والديني بين بني سعود وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تكريس حكمها ونفوذها في شبه الجزيرة العربية عبر تصدير الوهابية كنموذج إسلامي تمارس من خلاله اختراق المجمتعات تحت قوة التأثير الديني.
وما حققته السياسة السعودية على مدى تلك السنوات جر على الإسلام ويلات الكراهية والتشويه، بدءاَ من جعلها الدين الإسلامي ذخيرة عسكرية في ترسانة الولايات المتحدة الأمريكية لمقاتلة خصمها اللدود آنذاك الاتحاد السوفيتي على أرض أفغانستان تحت راية ما اسمته الجهاد في أرض أفغانستان؛ في الوقت الذي كان يتجرع فيه أبناء القبلة الأولى مرارة الاحتلال الصهيوني البغيض، دون أن تتجاسر السعودية على تحويل بندقية أولئك المقاتلين إلى صدر المحتل الصهيوني.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل عمدت السعودية إلى نشر تعاليم الوهابية في مجتمعات الدول المجاورة عبر رحلات شيوخها إلى تلك الدول، واستقطاب بعض الأشخاص المؤثرين إلى السعودية، وفتح الباب أمام نوعيات معينة من الشباب العربي والإسلامي للدراسة في جامعاتها الإسلامية وفي المراكز الدينية الخاضعة لسيطرتها؛ لإعدادهم وتهيئتهم ليكونوا دعاة لتلك الأفكار التي تم غسل عقولهم بها.
الربيع العربي مناخٌ ملائم لخروج التنظيمات الإرهابية
بالنظر إلى تلك المجموعات الإرهابية التي شهد ما يسمى بالربيع العربي خروجها من أوكارها مع بدء تراخي الدولة المركزية في الدول العربية، وهو ما نجم عنه تفاقم التشظي لتلك المجموعات التي خرجت من عباءة الوهابية والإخوان المسلمين؛ لتمارس الطقوس التي تم تغذيتها بها، وهي ترتدي المسوح الدينية، ومع كل قتل أو تفجير كان يتم تعمد توجيه خطاب ديني يوحي أن ما تم القيام به من إجرام هو جزء من رسالة الإسلام الذي يزعمون.
أمام كل هذا الإرهاب الذي أبرزته تلك المجموعات الإرهابية تحت راية “لا اله الا الله” قد أعطى الانطباع السيء عن فكرة وجوهر الإسلام الحقيقي الذي لا يمت بصلة لذلك الدين الذي تمت تعبئته وتغليفه في الدرعية ليصدر إلى العالم، وهو ما مكن المعادين للإسلام من الترويج لظاهرة الإسلاموفوبيا في أغلب دول العالم؛ بما فيهم الدول الإسلامية التي بات الفرد فيها يتحسس رأسه مع كل صيحة “الله أكبر” يصرخ بها شخص ما في الشارع، وذلك لاقتران عبارة التكبير _-رغم قدسيتها_ مع أعمال إرهابية لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي ارتكبت ابشع الجرائم الإنسانية باسم الإسلام.
العمليات الإرهابية تسيء للإسلام والعمل الفدائي المقاوم
إن تمادي تلك التنظيمات إلى القيام بعمليات إرهابية في عدة دول أوربية؛ جعل المسلمين في نظر الغرب محط اتهام وريبة، ويمكن القول إن هناك عدد من العوامل التي أسهمت في تشكيل الصورة النمطية للمسلمين في العقل الغربي، وهو أمر لا يمكن إلقاء اللوم فيه بشكل مطلق على المسلمين رغم الممارسات الإرهابية التي قامت بها تلك الجماعات التي جعلت من راية الإسلام مظلة لممارسة إرهابها، القليل منها عن جهل والكثير منها كان أداة تنفيذ مقصودة لتشويه صورة الدين الإسلامي وجوهر عقيدته القائمة على السلام والتسامح، ومع ذلك، يمكن القول إن هناك عوامل متعددة ساهمت _بشكل مقصود أو غير مقصود_ في تعزيز سوء الفهم والمخاوف المتجذّرة في المجتمعات الغير مسلمة، والتي قد تشمل:
أولاً: الأحداث الإرهابية: الأعمال الإرهابية التي ينفذها أفراد يدّعون انتماءهم للإسلام لها تأثير بالغ في تشويه صورة المسلمين والإسلام في أنحاء العالم.
ثانياً: التمثيل السلبي: تقديم القلة المتطرفة كممثلين للدين الإسلامي بأكمله، الأمر الذي يسهم في تنامي التحيزات والمفاهيم الخاطئة حول الدين الإسلامي ومعتنقيه.
ثالثاً: عدم مجابهة التطرف: في بعض الحالات، قد يُنظر إلى غياب المواقف الحاسمة والواضحة من المسلمين ضد التطرف كنوع من القبول الضمني، مما يعزز الصور النمطية السلبية.
رابعاً: الانعزالية: يمكن أن تؤدي الرغبة في الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية إلى بعض الأشكال من الانعزالية، مما قد يضعف التفاعل بين المجتمعات المختلفة ويدعم الافتراضات المبنية على الجهل بالآخر.
خامساً: بذخ دول الخليج المفرط: ربط وسائل الإعلام الغربية الإسلام بالعرب وتقديم صورة لهم على أنهم المتحكمون فى أسواق النفط والبترول وينفقون الأموال بشكل غير مسؤول، وأنهم أبناء وشعوب أنظمة غير ديمقراطية مع إغفال حقيقة أن الإسلام دين عالمى يدين به ملايين من الأوروبيين والأمريكيين وشعوب القارة الأسيوية ولا يرتبط بجنسية أو عرق أو منطقة جغرافية بعينها.
الخلاصة
إن كل ما يجري تجاه المسلمين والإفراط في النظرة السلبية تجاه الإسلام في أجزاء مختلفة من العالم يعد تحد كبير مثير للقلق فمهما وجدت أساليب لمكافحة هذه الظاهرة لن تجدي نفعاً طالما هناك أبواق شيطانية ممثلة بالغرب وعلى رأسهم أمريكا تنعق وترهب العالم من الإسلام.