أخبار حلب _ سوريا
“غزل البنات” هي ليست مجرد حلوى بل فنٌ يحكي تاريخاً عريقاً عن الصناعات اليدوية الغذائية التي تشتهر بها مدينة حلب، والتي تمثل علامة فارقة في تراث حلب الحلوياتي، وتنسج قصة فريدة من نوعها تعبر عن تفرد صناعة الحلويات العريقة للمدينة.
لغزل البنات أسماء عديدة تعرف بها ك “شعر البنات” و “دقن العجوز” “حرير الصبايا” “شعر الشايب” “حلاوة الشعر” فجميعها أسماء لصنفٍ واحد مصنوعة بشكل كامل من السكر، ومحشوّة بالقشطة والفستق الحلبي.
غالباً ما ترتبط هذه الحلوى في حلب بشهر رمضان المبارك كقيمة تراثية تعكس مدى تمسك أهلها بصناعاتهم العريقة حتى غدت موسماً أساسياً لهم في الشهر الفضيل.
ويُعتقد أنّ أصل “غزل البنات” بدأ في أوروبا في القرن التاسع عشر وقد كانت تقتصر على الملوك والأمراء؛ ربما لأن السكر في ذلك الوقت كان مكلفاً وباهظ الثمن لم يقدم إلا للملوك في أوروبا، وكان صانعو الحلويات في البلاط الملكي بأوروبا ينسجون السكر في خيوط لتزيين الحلويات الفخمة.
ويعود الفضل فى اختراع آلة غزل البنات لطبيب الأسنان “ويليام موريسون” والحلواني “جون وارتون” عام 1897، وكان اسمها آنذاك “خيط الجنية”.
ثم بدأت هذه الحلوى بالانتشار وكان لمدينة حلب سهماً كبيراً فيها حيث غدت من أشهر الحلويات التقليدية والتراثية التي برع بصنعها أهالي حلب وأضافوا إليها لمسات جديدة ونكهات مميزة.
وتحتاج “غزل البنات” لإعدادها جهداً كبيراً وإلى أيادي عاملة تتعاون لتحويل مزيج السكر المطبوخ إلى خيوط ناعمة، فيبدأ الحلواني أولاً بسكب مكاييل السكر في قدر نحاسي كبير ويمزجها بماء الورد فوق شعلة من النار ويترك الخليط حتى يغلي ويتماسك ثم يقوم بمساعدة عماله بسكب هذا المزيج فوق لوح من الرخام والذي يدعى ب “المرمرة”.
ثم يقوم بتبريده وتقليبه في الطحين المحمص، ومن ثم تجتمع الكثير من الأيدي العاملة التي تقوم بسحبه على شكل حلقات متساوية السماكة من كل الجهات ليتشكل بذلك عجينة سكرية ذات خيوط رفيعة ولون أبيض كالثلج.
وبعد تحضير خيوط الغزلة البيضاء يصنع منها العديد من الأنواع جميعها تشترك بخيوط الغزل الناعمة وتختلف فقط من ناحية الحشوة والزينة، حيث تحشى صرر غزل البنات بالفستق الحلبي أو القشطة أو القيمق أو مزيج من الفستق والقشطة والذي يعرف باسم “المغشوشة”، ويمكن أن تمتزج الغزلة أيضاً بالبوظة أو المكسرات في أنواع أخرى تختلف على حسب الذوق والرغبة.
وقبل أن يصدح أذان المغرب مساء كل يوم معلناً عن موعد الإفطار ترتصف صرر غزل البنات بتأنقٍ بالغ على صينيّة نحاسية عتيقة بأشكالها المتنوعة وحشواتها المغرية من القشطة والفستق مشكلةً بذلك لوحة فنية مبهرة تضاف لرصيد تراث مدينة حلب العريق المنسوج مع كل خيط من خيوطها التي تعكس بياض ونقاء قلوب سكان المدينة.