أخبار حلب _ سوريا
في ذاكرة الأيام حكايات تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، تكتنفها البساطة والأصالة ويفوح من شذاها عبقُ الماضي، فتثيرُ في مكنونات النفس رغبة البوح عما اكتنفه الوجدان من جميل الذكريات.
وبالنسبة لأهالي حلب، هناك علاقة روحية خاصة، وعشق أزلي يتجدد في شهر رمضان، فهم ينتظرونه كل عام بشوقٍ وفرح، ولهم في هذا الشهر الفضيل العديد من الطقوس والعادات التي اجتهدوا في إحيائها.
حيث اعتاد الحلبيون على بدء صيامهم وإفطارهم خلال شهر رمضان المبارك على وقع صوت طلقات “مدفع رمضان”، وقد ذكرت كتب التاريخ بأنّ المدفع دخل مدينة حلب في أواخر القرن التاسع عشر بمدفعين وضع أحدهما فوق قلعة حلب، ووضع الآخر في إحدى الثكنات العسكرية.
وخلال بضع سنوات زادت المدافع بشكل كبير فوضع بعضها في البساتين وأطراف المدينة، وكانت تطلق ثلاثة وعشرون طلقة عند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان، ومثلها عند رؤية هلال العيد في شوال.
وأما في وقت الإفطار عند أذان المغرب فقد كانت المدافع تطلق طلقة واحدة وفي السحور طلقة واحدة أيضاً، واقتصرت تسمية المدفع على الإفطار فقط، لأن أهالي حلب لم يكونوا بحاجة لمدفع السحور مع وجود “المسحراتي” أو كما كان يعرف باسم “الطبال”.
وبقي المدفع علامة من علامات شهر رمضان طوال فترة الحكم العثماني، وبعد الاحتلال الفرنسي استبدلت الطلقات الحية بطلقات صوتية منذ فترة الثلاثينات واستمر استخدام المدافع في الإفطار والسحور بنفس الطريقة العثمانية طوال فترة الاحتلال الفرنسي، وبعد الاستقلال لم يتغير شيء أيضاً.
وكان العامل على المدفع يسمى “الطوبجي” وكان جد أسرة “الطوبجي” الحلبية الحالية هو أول حلبي يعمل طوبجياً في أواخر القرن التاسع عشر.
صدفة حولته إلى تقليد رمضاني:
أفادت المصادر التاريخية بأنّ ظهور المدفع جاء لأول مرة عن طريق الصدفة في العاصمة المصرية “القاهرة” أول شهر رمضان عام 865 هـ، وذلكَ عندما أراد أحد سلاطين المماليك أن يختبر مدفعاً جديداً وأمر بتجربته.
وقد تصادف وقت إطلاقه مع موعد أذان المغرب، فظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع بقصد إعلام الصائمين بحلول موعد الإفطار، فاستحسنوا الفكرة وشكروه على هذه البدعة الحسنة، مما شجع السلطان على استمرار تنفيذها بل وقرر إطلاق المدفع عند الإمساك.
بينما أشارت مصادر أخرى إلى أنّ مدفع رمضان، والذي يسمى أيضاً بـ” مدفع الإفطار” “استخدم لأول مرة بالمصادفة في عهد “الخديوي إسماعيل“، عندما كان بعض الجنود يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة وتصادف ذلك مع وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليداً جديدا للإعلان عن موعد الإفطار، ومنذ ذلك الوقت يستخدم المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية.
ومن مصر انتقل هذا التقليد إلى القدس ثم إلى بلاد الشام فالعراق وبلدان المغرب العربي.
غير أنّ هذه العادة بدأت في الاندثار خلال السنوات الأخيرة لأسباب عديدة كان أهمها الحرب التي شهدتها سوريا مؤخراً فمنذ ذلك الوقت تغير وجه رمضان ولم يعد يشبه ما كان عليه في السابق.