أخبار حلب _ سوريا
لو لم يكن في التقويم عيد لاخترعه السوريون في روزنامتهم وأكملوا له هيبة طقوسه وأعرافه، فسوريا التي أنتجت أول أبجدية في العالم قادرة حتماً على إنتاج الفرح وتصديره للعالم أيضاً، فهذا الشعب الذي قضى أكثر من عشر سنوات في الحرب بات ينظر إلى العيد على أنه نافذة للخروج من مفرزات الحرب و آثاره السلبية.
العيد قبل الحرب السوريّة
لم يخطر ببال السوريين يوماً أن تنال منهم الحرب بهذه الطريقة، فقد كان العيد بطقوسه المعتادة قبل الحرب يبدأ عند الأمهات قبل صلاة الفجر حيث “طبخة العيد” هي الحدث الأبرز لدى العائلة؛ لكسر روتين الصيام المعتاد بينما العيد لدى الأطفال كلن يبدأ منذ اللحظة الأولى التي يحتضن فيها ثيابه ويغفو على أمل أن يأتي الصبح قريباً.
وعلى صوت التكبيرات يدلف المصلين نحو المسجد مرتدين ثياباً تليق بالمسجد والعيد معاً وتتجه النساء نحو زيارة القبور ويتجه الأطفال نحو مراجيحهم وألعابهم، وبعد انتهاء صلاة العيد يزور الرجال قبور من فقدوهم، وهنا تبدأ طقوس العيد من زيارات ومعايدات مع صنوف من الحلويات والأطعمة ما لذ منها وطاب في تمرين قاسي للمعدة على صيام شهر طويل وعلى مدى ثلاثة أيام يستمر العيد كمكافأة للصيام.
العيد خلال الحرب على سوريا
كل هذه الحرب القاسية والتي وزعت خبز حزنها بالتساوي على هذه البلاد لم تكن تفرق بين صغير وكبير، وبين عيد ويوم اعتيادي فقد كانت تعد لنا الجنائز بما يتناسب مع عظمة هذه البلاد، ومعنى العيد كان جزئياً كما لو أنه خجول؛ فأغلب البيوت كانت على أهبّة الحزن دوماً يملؤها أهلها ويبقى مكاناً فارغاً لشهيد غاب عن العيد.
أما طقوس العيد فكانت بسبب الحصار المفروض من الإرهابيين على حلب، هي ناقصة فكان من الصعب أن تتوفر الفواكه وحلويات العيد ولا حتى المواد الأولية بسبب الحصار المفروض على المدينة، حيث عمد الإرهابيين إلى خلق معبر واحد أصبح فيما بعد يسمى “معبر الموت”؛ لتبادل الزيارات في الأعياد بين الطرفين وكأننا في دولتين، لكن كل هذا التضييق لم يثني أهالي حلب عن طقوس عيدهم فكان الأهالي يمارسون أعيادهم ورمضانهم ضمن المتاح والمتوفر من المواد اللازمة تحت رصاص القنص و قذائف الهاون و أسطوانات الغاز التي يعرفها أهالي حلب جيداً.
العيد بين فرح الأبناء و الأعباء
في عام (2024) وعلى مسافات ساعات قليلة من إطلاق آخر آذان رمضان يعلن الشهير الفضيل رحيله، معلناً قدوم العيد ؛ لم يمر على الحلبيين عيد كهذا العيد فترى الأسواق ممتلئة عن بكرة أبيها بما لذ وطاب، ولكن الجيوب فارغة فالقوة الشرائية للمواطن باتت شبه معدومة يحاول جاهداً أن يسد رمق أولاده ويثقل كاهله شراء ثياب العيد لأطفاله الذي بات أقل قطعة ثياب بجودة قماش متوسطة يبلغ سعرها ما بين ال 250،000 إلى ال 300،000، عدا عن حلويات العيد التي باتت فوق المستطاع فراتب الموظف يشتري 6 أو 7 كغ من كعك العيد أو أي نوع معجنات آخر، وما بين العيد وفرحة الأطفال وما بين الأثقال التي تثقل كاهل الآباء يمر العيد على مضض الفقر وقلة ذات اليد اللهم إلا بعد الناس الذين يوزعون زكاة أموالهم يتصدقون على الفقراء والمحتاجين، وأيضاً الحوالات المالية من المغتربين سواء كانوا أبناء أو أخوة أو آباء أو حتى أزواج اضطرتهم الحاجة للهجرة بحثا عن دخل أفضل لعائلاتهم.
لقد كان العيد وما زال متنفس السوريين الخارجين من حرب طويلة، والذين ما زالوا يعانون من حصار أمريكي ظالم وقوة شرائية هزيلة؛ بسبب ما خلفته الحرب من دمار واستنزفته من أموال و ثروات، ولكن السوريون عامة والحلبيون خاصة هم صنّاع فرح حقيقين لا تقتلهم الحروب ولا يثنيهم الاحتلال عن الاستعداد للفرح كما يليق بهم.
تابعنا عبر منصاتنا :