أخبار حلب _ سوريا
يشهد الصراع في المنطقة مزيداً من التصعيد على مستويات متعددة، وبما يعمق دور محور المقاومة الذي أخذ من مسألة دعم القضية الفلسطينية خطاً محورياً يعتمد على مناهضة العدو الصهيوني فكرياً وسياسياً وعسكرياً، وما تعيشه المنطقة من عدوان صهيوني على غزة لا يتوقف عند حدودها، بل يدرك الكيان الصهيوني أن معركته تمتد إلى خارج حدود فلسطين حتى تصل إلى طهران التي رسمت لنفسها استراتيجية “مناهضة الوجود الصهيوني” في المنطقة عقب ثورتها الإسلامية عام 1979، وهو ما جعل الكيان يدرك أن تنامي قوة هذا البلد يشكل خطراً وجودياً بما يحمله من مقومات بناء دولة قوية في المنطقة قادرة على خلق تحالفات إقليمية تهدد بقاء الكيان.
وهذا ما دفع الكيان الإسرائيلي لاستنفار دول الغرب الداعمة لفرض عقوبات شاملة على طهران تتعلق ببرنامجها النووي؛ الأمر الذي أدخل طهران في مفاوضات مع دول الغرب هي الأطول بين المفاوضات امتدت لأكثر من خمسة عشر عاماً حتى عام 2015 انتهى بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1
حيث تضمن توقيع الاتفاق شروطاً متكافئة تحقق لإيران امتلاك التقنية النووية للاستخدام السلمي، وتضمن للغرب عدم سعي طهران لامتلاك السلاح النووي، وهو ما يتفق أساساً مع التزامات طهران بعدم السعي إليه استناداً للبعد الديني في عدم امتلاك أسلحة دمار شامل.
لكن حتى مع هذا الاتفاق لم يهدأ الخوف الإسرائيلي من النووي الإيراني وما أن أفرغ الناخبون الأمريكيون أصواتهم في صناديق الاقتراع عام 2017 ومجيء “دونالد ترامب” للحكم في أمريكا بكل ما يحمله من إرث صهيوني وعداء تجاه إيران؛ كان من أول قراراته بخصوص إيران وتنفيذاً لوعوده الانتخابية إلغاء الاتفاق النووي معها في أيار 2018 بشكل منفرد من قبل أمريكا دون الرجوع لمجلس الأمن او الاحتكام للشروط الناظمة لحل أي خلاف يتعلق بتنفيذ بنود هذا الاتفاق.
فقد شكّل إلغاء الاتفاق النووي الإيراني مكافأة مجزية للكيان الصهيوني الذي عادت لغة التهديد بضرب المنشآت النووية لتصريحات قادته؛ ملمحّة في أكثر من مرة عزمها القيام بذلك ولو بشكل منفرد، على غرار ما قامت به عام 1981 من قصف المفاعل النووي العراقي في تموز قبل يوم واحد من افتتاحه رسمياً لتقضي بذلك على حلم العراق في الحصول على هذه التقنية.
لكن…. إيران 2024 ليست عراق 1981
إيران تعي جيداً حجم التهديدات التي تتعرض لها وتدرك أنها أمام عدو غاشم يمتلك عبر أذرعته الطويلة إمكانية الوصول بشكل أو بآخر لبعض مواقعها إن لم تمتلك من أدوات الدفاع ما تحمي به تلك المنشآت التي يتطلب تأمينها أن تكون محصنة كما يجب، وهو ما عملت عليه إيران في بناء مفاعلاتها النووية التي تعد مكسباً علمياً في تحقيق تطورها وتقدمها وقوتها.
لا يمكن مقارنة المفاعل النووي العراقي بمنشآت إيران النووية كون المشروع العراقي كان تحت رقابة تامة من المفتشين الأمميين والخبراء الفرنسيين، والذين كانوا أحد نقاط الضعف في الاختراق الصهيوني له، وهو ما يختلف الحال فيه في المنشآت الإيرانية التي تعتمد العنصر الإيراني بشكل رئيسي آخذة بعين الاعتبار المآل الذي وصل إليه المفاعل النووي العراقي.
ما هي أهم المنشآت النووية الإيرانية؟
1_ مجمع أصفهان التكنولوجي النووي
يقع مجمع Esfahan”” قرب مدينة أصفهان، وافتتح عام 1990 بمساعدة الصين وهو مركز بحثي تابع من الناحية الإدارية إلى جامعة أصفهان، ويعتبر المجمع قلب البرنامج النووي الإيراني وأهم المنشآت النووية الإيرانية لأنه يضم عدد من مراكز البحوث والإنتاج.
2_ مفاعل آراك لإنتاج الماء الثقيل
باشرت إيران بناء المنشأة منذ عام 1996م لإنتاج الماء الثقيل بالقرب من مدينة آراك، وفي عام 2004 بدأت إيران إنشاء مفاعل آخر بقدرة 40 ميغا واط بالقرب من منشأة آراك؛ ويعتمد المفاعل في تشغيله على الماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران دون الحاجة لتخصيب اليورانيوم الذي تطالب الدول الكبرى طهران بوقف عمليات إنتاجه.
3_محطة بوشهر النووية
بدأت عملية بناء هذا المجمع “BNPP” عام 1975، ويقع على الساحل الشرقي للخليج، كما يعتبر من أهم المنشآت النووية الإيرانية. حيث كانت شركة “سمينز” الألمانية قد أنهت 85 % من العمل فيه عام 1979، ليحدث التوقف الأول.
4_محطة نطنز
تقع محطة Natanz”” بين أصفهان وكاشان؛ قرب قرية تدعىDeh-” “Zirah وهي عبارة عن منشأة نووية كبيرة جداً وكما تحتوي المحطة على عدد من الوحدات الهامة.
5_ مركز طهران للبحوث النووية
يقع مركز “TNRC” في ضاحية أمير آباد بالعاصمة طهران، ويتبع لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية؛ يهتم المركز بالفيزياء النظرية، ومنها التي تتعلق بالطاقة العالية والإشعاعية، وفيزياء الجزيئات، والفيزياء الفلكية والنووية، والرياضيات والإحصاء، والفيزياء النظرية للبلازما.
إضافة إلى تلك المنشآت النووية الرئيسية هناك عدة منشآت نووية فرعية أهمها منشأة “فوردو” النووية التي تقع في منطقة جبلية على بعد 160 كم تقريباً جنوب طهران، وهي منشأة نووية محمية بشكل كثيف تم تشييدها لتخصيب اليورانيوم في حالات الطوارئ في حال استهداف منشأة “نطنز” لتخصيب اليورانيوم وتم الكشف عنها لأول مرة في أيلول 2009.
لكن.. ما هي حدود التهديدات الإسرائيلية لهذه المنشآت النووية؟!
يدرك المخططون الصهاينة مدى الخطورة والتهديد التي يمكن أن تشكلها إيران النووية بما تحمله من فكر وعقيدة تقوم على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وأن تحرير المسجد الأقصى واجب ديني يتحتم على كل المسلمين العمل على تحقيقه؛ ولذلك وضع الصهاينة حركة التطور العلمي في إيران تحت الرصد والمتابعة وعملوا لفترات سابقة على القيام بجرائم اغتيال متعددة تختبئ خلفها ايادي صهيونية لعدد من العلماء لعل منها على سبيل المثال:
في كانون الثاني 2010 خسرت إيران أحد أساتذة فيزياء الجسيمات بجامعة طهران باستشهاد مسعود علي محمدي، وفي ذروة أزمة المفاوضات النووية مع القوى العالمية تم اغتيال خمسة علماء إيرانيين في طهران، واتهمت إيران وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد “الإسرائيلي” بالوقوف وراء عمليات الاغتيال؛ كما تم في العام الذي يليه اغتيال من تم وصفه بأبو القوة الصاروخية في إيران الشهيد “حسن طهراني مقدم” الذي ارتقى شهيداً في انفجار مستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري الإيراني في إحدى ضواحي طهران تشير التقديرات لتورط الموساد في جريمة اغتياله.
كما شهد العام 2020 استشهاد العالم النووي “محسن فخري زاده” بعملية اغتيال صهيونية تهدف للقضاء على الكوادر العلمية على أمل وقف التقدم العلمي في المجال النووي.
كما حدث في أيار 2021 استهداف لمنشأة “نطنز” النووّية وأدى ذلك لوقوع مشاكٍل واضحة في منظومة توزيع الكهرباء في المنشأة وعلى ضوء ذلك تم اتخاذ قرار الرد، مع أنه لم يتم تبني ذلك الاستهداف من قبل أي جهة؛ رغم أنه تم كشف أحد عملاء الموساد المتورطين بالحادثة وذلك في فشل استخباري واضح للعدو رغم تمكن العميل من الفرار خارج إيران.
ختاماً
لم تكن حرب الاستخبارات وحدها هي المعركة التي يخوضها الكيان ضد هذه المنشآت، فقد وصلت الوقاحة بقادة هذا الكيان للعمل على إحباط أي عودة للاتفاق النووي، في الوقت الذي يتم فيه التحضير لمخططات عدوانية لضرب هذه المنشآت ولو بشكل منفرد.
حيث أوردت صحف الكيان أن رئيس أركان العدو أخبر نظيره الأمريكي “مارك ميلي” ووزير الدفاع “لويد أوستن” ورئيس جهاز المخابرات الأمريكي “وليام بيرنز” بأن “إسرائيل” اتخذت قراراً نهائياً بإحباط البرنامج النووي الإيراني، وأن القرار أصبح محسوماً بالنسبة لها منذ نهاية عام 2019، وأن الجيش “الإسرائيلي” أعد ثلاث خطط عسكرية تفصيلية للهجوم على المنشئات والمواقع ذات العلاقة بالبرنامج النووي الإيراني.
تابعنا عبر منصاتنا :