أخبار حلب _ سوريا
بقلم: يزن العبودي
لطالما شكل النفوذ والهيمنة على مصادر الطاقة والاقتصاد؛ المحرك الأساسي لمعظم الدول الكبرى والإقليمية في شن حروبها، أو زيادة دعمها لحلفائها للقيام بحرب الوكالة، لتكون الحروب والصراعات الدائرة في كافة أرجاء العالم السمة الطاغية على معالم السنوات الأخيرة.
ومع ضعف دور المنظمات الدولية في حل هذه النزاعات والصراعات بالطرق السلمية، كمنظمة الأمم المتحدة يظهر عجز كبير في أجهزة النظام الدولي الحالي في تحقيق الأهداف والمبادئ التي أقرها بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن أبرز هذه الصراعات التي قد تكون ركيزة لرسم سياسة عالمية جديدة في عام 2024 كما أشار إليه تقرير نشرته مجموعة الأزمات الدولية في نهاية 2023:
1ـ أوكرانيا:
منذ تسعينيات القرن الماضي شهدت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا أزمات متتالية حول عدة ملفات، بعضها كان نتاجاً طبيعياً لتفكك الاتحاد السوفييتي، وكانت تتم معالجته بين الدولتين، ولكن الأهم والأخطر كان المتغير الخارجي والذي لعب دوراً مؤثراً بالتصعيد ممثلاً بالسعي الغربي وتحديداً الأمريكي؛ لضم بعض من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ومنها “أوكرانيا وجورجيا” في توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً لتطويق روسيا الاتحادية، فالملفات الخلافية الثلاثة الأساسية بين روسيا وأوكرانيا هي:
الانضمام لحلف شمال الأطلسي، والشراكة مع الأوروبي، وامتلاك السلاح النووي، والتي تم التمهيد لها منذ عام 2014 باستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، وإعلان جمهوريتي “دونيتسك ولوغانسك” استقلالهما، فكانت هذه الأزمات سبباً لاندلاع الحرب في شباط 2022.
2ـ جمهورية اتحاد ميانمار “بورما سابقاً”:
إن موقعها الجغرافي المتاخم لحدود الصين الشعبية واعتبارها منفذاً للصين على خليج السنغال ومنه إلى بحر العرب؛ جعلها ساحة للصراع بين القوة العالمية خاصة الصين والولايات المتحدة الامريكية، حيث تتعاون بكين مع القيادة العسكرية في ميانمار بينما تقدم واشنطن الدعم للمعارضة المسلحة، والتي عملت على تغذية النزاع القائم على أساس التمايز الديني بين الأطراف المتحاربة؛ لإيجاد نفوذ عسكري لها متاخم لحدود الصين ويبدو ذلك جلياً من قانون /بورما/ عام 2022 والذي تبنته الولايات المتحدة، وتلزم نفسها من خلاله بتقديم مساعدات غير فتاكة للمجموعات العرقية المسلحة هناك.
3ـ أرمينيا وأذربيجان:
يعود النزاع المسلح بين الطرفين إلى الحرب العالمية الأولى، والخلاف على الحدود الطبيعية لكل منهما، وبالأخص “ناغوره باخ” التي شنت عليه القوات الأذربيجانية هجوماً سريعاً في 2020 وتمكنت من استعادته وضمه إلى أراضيها.
ما يميز هذا الصراع المعقد للغاية _لتدخل أطراف إقليمية ودولية فيه_ تشابك المصالح والعلاقات بين هذه الدول وطرفي الصراع إضافة لطول أمد الأزمة إلى ثلاثة عقود، وكون الدولتين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، فتسعى روسيا جاهدة إلى حل الخلاف الحاصل دون تدخل الأمريكان أو دول الاتحاد الأوروبي كي لا تترك لهما المجال للتواجد في مجالها الجيوسياسي، وهذا ما دفع بالروس لإرسال قوات حفظ سلام ونشرهم على الحدود بين الدولتين بمحاولة منها لحفظ السلام والأمن، إلا إن الأمريكان كان لهم مطامع أخرى إذ يرون في جذب إحدى الدولتين أو كلاهما لصالحهم فرصة كبيرة لامتداد سيطرة حلف الناتو إلى المجال الحيوي لروسيا، وهذا نراه جيداً من خلال التوتر الذي ساد على العلاقات الأرمينية الروسية، واستغلته أمريكا بجدارة وعملت على ضم أرمينيا إلى محكمة الجناية الدولية.
والجدير بالذكر أن أرمينيا لا تربطها علاقة طيبة بتركيا؛ بسبب مطالبتها بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وهذا ما ترفضه تركيا، مع العلم أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذاً كبيراً في أرمينيا باعتبارها مضيفة لنسبة كبيرة من الجالية الأرمنية الثرية من ذوي النشاط السياسي وبصفتها الداعم الرئيسي لخطوط النفط والغاز التي تنافس شبكة النقل الروسية،
إضافة لدور الاتحاد الأوروبي الذي وقع اتفاقا لمضاعفة واردات الغاز من أذربيجان والذي يسعى لكسر قبضة موسكو على إمدادات الطاقة، وفي 2022 نشر الاتحاد الأوروبي بعثة مراقبة موسعة على الجانب الأرميني والذي يعتبر مجالاً حيوياً لنفوذ الكرملين، وتجدر الإشارة إلى العلاقات الطيبة التي تربط “إسرائيل” وتركيا بأذربيجان، وسعيهما إلى تطويق إيران في المنطقة.
4ـ غزة
صراع طويل الأمد بين دول الشرق الأوسط وبين كيان فرض نفسه في المنطقة العربية بالقوة بدعم غربي وتأييد دولي، وممارسات وحشية لإلغاء دولة كاملة “فلسطين” وتهجير وتشريد شعبها، آخرها حرب تتجاوز ال 200 يوم تطال البشر والحجر في قطاع غزة وجرائم ومجازر، في ظل صمت مريب لمجلس الأمن، واستخدام متكرر لحق نقض الفيتو من قبل الولايات المتحدة ضد أي قرار يضر بمصالح الكيان الإسرائيلي، مع نشر لقوات عسكرية أمريكية في المنطقة، التي قد تشهد فصلاً جديداً من فصول الصراع.
5ـ السودان
اندلعت حرب أهلية في السودان في 15 نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع الذين تقاسموا السلطة مع المدنيين بعد سقوط الرئيس السابق “عمر البشير”، حيث دمر القتال أجزاء من السودان بما فيها العاصمة الخرطوم.
حرب لعبت فيها أمريكا وإسرائيل دوراً فاعلاً من خلال دعمهم الصريح والواضح لقوات الدعم السريع، وتزويدهم بالسلاح والعتاد الحديث، إضافة لدعم بعض الدول الحليفة لأمريكا (كينيا، أوغندا، الكنغو، أفريقيا الوسطى، تشاد، اريتيريا، اثيوبيا) واستخدامهم كقواعد لانطلاق عملياتهم العسكرية ضد الجيش السوداني.
6ـ أثيوبيا
تتميز بموقعها الجيوسياسي بمنطقة القرن الإفريقي وقربها من خليج عدن والبحر الأحمر، أما اقتصادياً فهي من أسرع 10 اقتصادات نمواً في العالم، ومن أكبر العوامل إثارة للصراع هو المجال الاقتصادي الذي يقلق الولايات المتحدة خاصة بعد دخول الصين بمشروع (حزام واحد طريق واحد) في القارة الأفريقية واعتبارها لأثيوبيا شريكاً تجارياً، إضافة للتنافس التكنولوجي والعسكري الذي هو عنوان الصراع الراهن، سيماً التفوق الصيني في مجال الاتصالات عالمياً، حيث رأت فيه أمريكا تهديداً أمنياً متعدد الابعاد لإمكانية تطوره إلى نفوذي اقتصادي وسياسي يصعب السيطرة عليه مستقبلاً.
7ـ منطقة الساحل الافريقي
تمتد من السنغال غرباً إلى تشاد شرقاً مروراً بكل من (موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، النيجر)؛ تزخر تلك المناطق بالعديد من الثروات النادرة وأهمها الذهب، اليورانيوم، الليثيوم، النفط، الغاز)، مما جعلها ساحة للتنافس بين الأقطاب العالمية، بدايةً بالاستعمار الفرنسي الذي نهج سياسيات مالية استغلالية، ونهايةً بالتواجد الأمريكي العسكري متمثلاً بقواعد عسكرية، وشركات أمنية، تمكنها من جمع معلومات استخباراتية عن كامل دول المنطقة، ودورها في تغذية النزاعات والصراعات القبلية والعرقية.
وهذا دفع الصين وروسيا للبحث عن نفوذ يواجه الهيمنة الأمريكية، وذلك من خلال شركات التعدين التي حصلت على عقود في المنطقة، وهذا ما يمهد لصراع اقتصادي وعسكري جديد.
ختاماً
بالنظر للنقاط الساخنة المذكورة آنفاً نجد أن الصراع يتركز في دول أفريقيا وشرق آسيا لما تمتلكه من ثروات طبيعية ومعدنية وموارد للطاقة، وبسبب الموقع الجغرافي المميز الذي طالما كان مطمعاً للمعسكر الغربي وخاصة الأمريكي وسعيه الدائم لفرض هيمنته عليه.
ومما لاشك فيه أن هذه الهيمنة الأحادية الجانب لن تستمر طويلاً؛ بعد تنامي الدور الروسي والصيني اقتصادياً وعسكرياً وبروزهما كقوتين فاعلتين في المجتمع الدولي، واستياء الشارع العالمي وخاصة الأمريكي من ازدواجية المعايير في السياسة الامريكية تجاه بعض القضايا، وآخرها الموقف المنحاز من القضية الفلسطينية، ودعمها للمجازر التي شنتها إسرائيل في غزة، والذي تجلى بمظاهرات واعتصامات داعمة للقضية الفلسطينية طالت العديد من الجامعات الأمريكية “كجامعة تكساس، وكاليفورنيا” واتسعت لتصل إلى أستراليا “جامعة سيدني” ثم شملت العديد من دول العالم، مما يشير إلى تحول تدريجي في النظام العالمي من الهيمنة الأحادية إلى الهيمنة متعددة الأقطاب.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News