أخبار حلب _ سوريا
الكيان المنهك بحرب طويلة ليس معتاداً على خوضها استغرق أكثر من سبعة أشهر لقطع مساحة لا تزيد عن 300 كلم مربع رغم استخدامه سياسة الأرض المحروقة، ورغم تمتعه بالضوء الأخضر من المجتمع الدولي المختل إنسانياً الذي سمح له فيها بتدمير الشجر والبشر والحجر للوصول إلى تخوم منطقة رفح التي تكدست بالنازحين من كل أرجاء غزة.
رفح التي لا تزيد مساحتها عن 55 كلم مربع، وبعدد سكان قبل العدوان لا يتجاوز 120 ألف نسمة؛ باتت بعد جرائم الحرب والإبادة الصهيونية جهة الهاربين من آلة الموت الصهيونية، ليغدو عدد الموجودين فيها قرابة المليون ونصف مليون إنسان، في مشهد مرعب لكثافة سكانية في بقعة صغيرة تهددهم المجاعة من جهة، والتلويح باجتياح القوات الصهيونية من جهة أخرى.
دوافع الكيان في العدوان على رفح
ينظر قادة الكيان إلى مسألة اجتياح رفح كفرصة للإفلات من الضغط الدولي للقبول بمقترح وقف إطلاق النار الذي فاجأتهم حركة حماس بقبوله رامية كرة اللهب في أيدي هذا الكيان الذي بات في ورطة أمام رد يكون الخاسر فيها في كلا الحالتين.
لذلك نتنياهو المحشور في زاوية الهزيمة منذ السابع من أكتوبر يعتقد أن الهروب إلى الأمام هو طوق النجاة الذي يؤمن له الإفلات من تبعات هدنة بطعم الهزيمة فشل فيها من تحقيق أي من أهداف عدوانه.
الكيان القائم على نظرية هيمنة القوة بعد أن تبخرت يهرع إلى رفح علّه يستطيع بها تسويق صورة نصرٍ ولو مزيفة يبني عليها وهم قوته التي تبرر بقاء كيانه القائم على نظرية القوة والرفاهية للمستوطنين.
وهو ما يفسر الصورة الاستعراضية لدبابة الكيان التي دخلت معبر رفح حاملة علم الكيان بعلم صهيوني بطول 25 متر؛ في تعمد واضح من إيصال صورة نصر كاذبة للداخل الصهيوني بأن نصر ما قد تحقق.
في حين يرى نتنياهو في موافقة حماس على وقف إطلاق النار بمثابة حبل مشنقة تهديها إياه المقاومة لمواجهة مصيره في الملاحقات القضائية التي تطارده داخل الكيان جراء فساده السياسي والمالي، وخارج الكيان بالملاحقة الدولية له على جرائم الإبادة التي ارتكبها في غزة.
كما أن التوجه نحو عملية عسكرية في رفح هو دليل على مدى رضوخ نتنياهو لهيمنة اليمين الأكثر تطرفاً كون جميع قادة الكيان متطرفين، وهو أيضاً محاولة للخروج من حالة الانقسام الداخلي الذي يعيشه الكيان على المستوى الشعبي وعلى مستوى السياسي بل وصل الانقسام للمستوى العسكري وهو وصفة جيدة لحرب أهلية قادمة قد تعصف بما تبقى من هذا الكيان.
الضغوط الدولية وهم أم حقيقة؟!!
تباين الموقف الدولي في تعاطيه مع العدوان الصهيوني على غزة بين مؤيد أعمى ومؤيد معارض وجميعهم يتفقون على دعم الكيان وإن اختلفت طرق دعمه، فالولايات المتحدة الأمريكية أظهرت معركة طوفان الأقصى مدى انخراطها في دعم الكيان إلى درجة اتضح فيها أن الكثير من أوراق الكيان بيدها وإن كانت تتيح له مرونة الحركة، لكن بدا للجميع أن الكيان مجرد مشروع أمريكي استراتيجي في المنطقة.
أمريكا لا تعارض أي عمل عسكري صهيوني على أي مكان في غزة لكن الاختلاف في الطريقة والنتائج، أمريكا تريدها كعمل جراحي في مواقع معينة في حين الكيان يريدها استئصالية لكل ما هو موجود في رفح، وهو ما ينذر بكارثة قد لا يتحملها العالم وهو يرى مذبحة إنسانية يعجز عن لجم مرتكبيها، وهو ما ينعكس سلباً على صورة أمريكا التي اهتزت أمام الرأي العام العالمي.
وما نشهده من خلاف بين بايدن ونتنياهو ناجم عن تضخم الأنا لدى الأخير حين شعر أنه حاكم دولة تستطيع أن تواجه العالم بحجة الدفاع عن وجودها؛ لتأتي التسريبات من البيت الأبيض بتأخير شحنات أسلحة دقيقة إلى الكيان بمثابة رسالة أن نفاذ مخازن الأسلحة لدى الكيان لن تجد من يمدها به، وأن على الكيان ألا يغدو عبئاً على البيت الأبيض المقبل على انتخابات استنفذ فيها رصيده جراء دعمه اللامحدود لحرب الكيان على غزة.
رفح.. هل هو امتحان صعب للجارة العربية مصر؟!! أم تواطئ مخزي منها؟!!
قرار نتنياهو المضي قدماً في عدوانه على رفح وهو يعي أنها من أكثر المناطق حساسية في الوقت الراهن ليس لتكدس النازحين بها، أو لما قد ينتظره فيها من كمائن الموت التي أعدها لها لواء رفح الذي لم يدخل معركته مع الكيان بعد؛ حساسية هذه المنطقة يكمن في مجاورتها للحدود المصرية التي تربطها اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979 وفيها نصوص تتضمن تنظيم التواجد العسكري في المناطق الحدودية وأي خرق لذلك يعد انتهاكاً قد يؤدي إلى سقوط هذه الاتفاقية، وهو تهديد يمثل عنصر قوة لدى مصر لكن هل مصر قادرة على تفعيله؟!!
رغم تصريحات مصر ورسائلها للإدارة الأمريكية وتحذير الكيان العلني من أي مقامرة تهدف لاجتياح رفح، واعتبار ذلك مساساً باتفاقية السلام بينهما إلا ان جيش الكيان باشر فجر يوم الثلاثاء عدوانه على رفح مقتحماً معبرها الوحيد الذي يربطها مع مصر وسط صمت مصري وربما تواطؤ تبين من خلال تصريحات لمسؤولين مصريين لهيئة المعبر أن إسرائيل لا تنوي احتلال المعبر، وهو مؤشر على أنها كانت على علم بالعدوان ولم تحرك ساكناً وهو ما يعد تواطئاً يضاف على موافقة مصر على فتح ممر شحن بحري مع الكيان يعوض ما خسره من قطع طريقه البحري عبر باب المندب.
عملية رفح …والتطبيع العربي
كما جاءت عملية طوفان الأقصى كطلقة تحذير من التمادي العربي بالتطبيع مع الكيان والذي كانت تلوح بوادر اقتراب السعودية من ركوب موجة التطبيع، فإن عملية اقتحام رفح ستكون الطلقة التي يجب أن تقتل فكرة التطبيع في مهدها.
فالشعب العربي بعد كل ما رأى لن يستسيغ أي مبرر يتم تسويقه لدمج هذا الكيان الغاصب ضمن المنطقة العربية، وأن المطبعين معه شركاء في الدم الفلسطيني، وأن سقوط الأنظمة العربية في فخ التبعية والعمالة يجعل الشعب العربي يتجه نحو محور المقاومة أكثر كونه يجد في مواقفها تطابقا مع ما يحمله لفلسطين من تضامن وتعاطف ووحدة حال.
رفح عنصر قوة لا عنصر ضعف
المقاومة الفلسطينية لا ترى في عدوان الكيان على رفح عامل ضغط عليها وإن كانت لا تريد رؤية مآسي جديدة يتعرض لها الشعب الفلسطيني النازح إليها، لكنها من حيث القوة لا تزال تمتلك مخزون من القوة أذهلت الجميع، وهي تعلم أن الكيان لن يجني من دخول رفح سوى الخيبة، فكل معاركها الحالية لم تنطلق من رفح، وقد فضحت الهدنة السابقة زيف الانتصار الصهيوني بعد وصوله إلى خان يونس حين تم الإفراج عن الأسرى من مواقع في شمال غزة من مناطق خاضعة لسيطرة جيش الكيان عسكرياً، كذلك لا يزال إطلاق الصواريخ التي تستهدف مستعمرات غلاف غزة تنطلق من خلف مواقع الكيان في غزة وهو ما أفقد “هاليفي” رئيس أركان جيش الكيان ما تبقى من عقله.
سياسة عض الأصابع هي آخر لعبة بيد نتنياهو وهو يدافع عن مستقبله السياسي المهدد بالملاحقة، وهو يسعى أيضاً لمحاولة إعادة ما تبقى من صورة الردع الصهيوني التي بعثرتها صواريخ المقاومة وعملياتها النوعية.
الخلاصة
إن الكيان يعزز خسارته الميدانية والشعبية عالمياً حيث باتت شوارع العالم الغربي تعج بالمعارضين للكيان رغم حملات القمع والتلويح لهم بشماعة معاداة السامية، ويأتي قرار تمدد العدوان إلى رفح ليضاف إلى سلسلة القرارات الغبية التي انتهجها قادة الكيان بصب الزيت على نار المظاهرات الغاضبة ضدهم في عواصم الغرب وخاصة في جامعاتها.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News