أخبار حلب _ سوريا
على الرغم من أهمية الحوار سواء كان على شكل مؤتمرات أو جلسات أو لقاءات إلا أنه يفقد كامل أهميته بحيث لا يمكننا تسميته بالحوار إذا لم يكن فاعلاً ومؤثراً ومساهماً في التغيير المنشود بخطط وبرامج وآليات عمل واضحة.
من هنا انطلق الرئيس “بشار الأسد” في اجتماع اللجنة المركزية الموسع لانتخاب أعضاء القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في معالجة أسباب ترهل العملية الحوارية وفقدانها فاعليتها ضمن الحزب وأكد بالقول: “لا يجوز أن تبقى مؤتمراتنا على تلك المستويات، هي مؤتمرات أو هي ظواهر صوتية، نأتي لكي نعبر وننفذ ونخرج من دون أي نتيجة، هي مؤتمرات للحوار وللنقاش وللقرار وللمحاسبة”.
تحديد المهام والمسؤوليات وتفعيل المحاسبة
لقد كان تفعيل عملية المحاسبة أحد أهم المحاور التي تناولها الأمين العام في الاجتماع حيث أسس لها أهم مقومات نجاحها وهو تحديد المهام وتوضيح المسؤوليات ورسم السياسات، وتفعيل الحوار من خلال المؤتمرات وتفعيل أيضاً دور اللجنة المركزية.
حيث طرح الأمين العام سؤاله على المجتمعين وهو: “إذا تحدثنا عن المحاسبة والتغيير، فهل يمكن أن نحاسب من دون أن نحدد المهام؟ يعني على أي أساس نفترض بأن هناك رفيقاً معيناً في قيادة على مستوى ما هو مقصر؟ ماهي المهام المطلوبة منه لكي نقول له بأنك قصرت؟”، وبذلك أراد أن يحفز الأفكار والرؤى والنقاشات نحو تحديد المهام بدقة داخل الجهاز الحزبي ولم يرد أن تكون هذه المهام منفصلة عن عملية الحوار على كافة المستويات ليكون تطبيقها وتنفيذها ممتزجاً بالمشاركة في صناعتها مما يجعلها أكثر قدرة على التطبيق.
وكذلك المحاسبة حين تكون وفق أطر شاركت كل المستويات في تحديدها وفق استراتيجيات ومعايير واضحة تكون عملية المحاسبة أكثر قدرة على التقويم.
“الوضع المعيشي” طروحات جديدة لتحسينه
باعتبار الوضع المعيشي قضية ملحة يفرضها واقع الحرب التي دامت 13 عاماً وما خلفته من تدمير البنى التحتية والحصار الاقتصادي وضياع الثروات والتهجير والفقر والبطالة وغيرها؛ أراد الأمين العام أن يشير إلى ضرورة التوجه لابتكار حلول تواكب حجم الازمة وتغير الزمن مع ضرورة المحافظة على الأصالة، يعني بعبارة أخرى أراد من الحزب المرونة والتطور وديناميكية المواجهة للعقبات دون الانسلاخ من هويته وهي الاشتراكية وأيديولوجية النهج الاقتصادي ليبحث الحزب عن خط رفيع يرسم عملية التوازن بين القواعد العلمية الاقتصادية والنهج الإيديولوجي باعتباره حل وسط يحقق التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي بحيث لا يكون الجانب الاقتصادي مجرداً على حساب المجتمع، فيتحول الحزب إلى حزب رأسمالي، ولا يسير باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد، فتكون الدولة مفلسة.
وانطلاقاً من هذا التوازن فنّد الأمين العام اللغط الحاصل بين الاشتراكية واقتصاد السوق الاجتماعي منذ العام 2005 حيث شرح معنى الاشتراكية على أنها نظرية وليست عقيدة، وفسر اقتصاد السوق الاجتماعي بأنه عملية تطوير للاشتراكية لا أكثر ولا أقل، قائلاً: “لو أبقينا كلمة السوق لوحدها فهذا يعني أننا تحوّلنا إلى اقتصاد السوق المتوحش، فكلمة الاجتماعي هي التي تحافظ على النهج الاشتراكي مع الحفاظ على المنافسة بالنسبة للسوق، هناك من سيقول لا يمكن أن يكون هناك سوق مع اشتراكية، هذا الكلام غير صحيح، لأن النموذج الصيني واضح بالنسبة للعالم، الصين تحولت باتجاه اقتصاد السوق وهي دولة شيوعية اشتراكية مركزية منذ عام 1978”.
كيف ينظر الحزب إلى الطبقة الفقيرة في المجتمع السوري وما دوره تجاهها؟
وضح الأمين العام في اجتماعه على ضرورة تحديد الرؤية الحزبية للطبقة الفقيرة لأنه على الحزب يقف دائماً مع تلك الطبقة باعتبارها الشريحة الأوسع والمتأثرة أكثر من غيرها بالأزمات.
ورأى الأمين العام أن النظرة إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة يجب أن نظرة اقتصادية قبل أن تكون نظرة اجتماعية، لأن النظرة الاجتماعية تحول الحزب إلى العمل الخيري، أما النظرة الاقتصادية فهي تحوله إلى العمل الاقتصادي الذي يحقق مصلحة هذه الشريحة ويحقق مصلحة المجتمع بشكل عام ويحقق مصلحة الدولة بنفس الوقت.
من هنا أراد الأمين العام بصفته أميناً عاماً للحزب الحاكم ورئيساً للدولة أن يعالج مشكلة تحول مؤسسات الدولة في بعض الأحيان إلى العمل الخيري، فالعمل الخيري مهم لكن كحالة إسعافية كما في ذروة الحرب والدمار وكذلك حين كارثة الزلزال، ولكن بعد الخروج من الحالة الإسعافية علينا التفكير بنظرة تجعل الطبقة الفقيرة تعيد بناء نفسها بنفسها والمدن المنكوبة أيضاً تعيد بناء نفسها فليس حلّاً أن تعطي الطبقة الفقيرة معونات شهرية لا تخرجها من حالة الفقر والعوز دون أن تسعى في تأمين فرص عمل لتلك الطبقة بحيث تعتمد على نفسها في تأمين احتياجاتها وتساهم في دوران عجلة الاقتصاد وإعادة الإعمار فتتحول من اليد المستهلكة إلى اليد المنتجة ومن هذه الضرورة الحتمية طرح الأمين العام سؤاله حول البرنامج أو النهج الذي يمكن أن يتبناه حزب البعث ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح، وليس تناقضاً، بحيث تربح تلك الشرائح مع بعضها البعض، وليس شريحة تربح على حساب الأخرى، سواء الشريحة الفقيرة التي تعتبر قوة شرائية أو الشريحة الوسطى التي إن لم يكن وضعها جيداً لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك، أو ميسورو الحال وأصحاب رؤوس الأموال القادرين على خلق فرص عمل في البلد.
إلى متى سيحمل المصرف المركزي مسؤوليات غيره؟
رفض الأمين العام في خطابه أن يبقى المصرف المركزي يتحمل عناء الدعم منذ عقود وهي ليست من مهامه، فقد كان هذا الأمر اضطراري في البداية لأن الدعم ضروري للمواطنين بشكل عام وخاصة للشرائح الفقيرة فكان لا بد من إيجاد طريقة، لكن استمرار المصرف المركزي بحمل هذه الأعباء أدى لنتيجة سلبية، فالمصرف أصبح أقل قدرة على التعامل مع حالة التضخم فضلاً عن إيقاف التضخم.
التحدي الأكبر “مكافحة الفساد”
يشكل الفساد أحد التحديات الكبرى التي برزت خلال الحرب منتشراً بصورة حادة لا يمكن التغاضي عنها.
إن هذا العنوان تناوله الأمين العام بعمق وشفافية مطلقة كونه أولاً نتيجة طبيعية للحرب، وثانياً أن تشخيص المرض أولى خطوات التعافي منه ولكنه بنفس الوقت رفض الامين العام النظرة الضيقة والانتقامية والسطحية لقضية مكافحة الفساد، فالأمر لا يتعلق بنتائج الفساد بل بالمسببات لذلك تكون المعالجة باستئصال مسببات الفساد وأول خطوات مكافحة الفساد من وجهة نظر الأمين العام هو إيجاد البيئة الصحيحة والمنظومة السليمة لكي لا يكون العمل مجرد مضيعة للوقت، وضرب مثلاً على ذلك بقوله: “لو كلّفنا الكادر الصحي بوزارة الصحة بكل طواقمها أن تذهب إلى مدينة لكي تعالج الأوبئة المنتشرة فيها لأن البلديات لا تقوم بجمع القمامة، والحشرات منتشرة والأوبئة منتشرة، ونطلب منهم أن يعيدوا الوضع الصحي إلى الشكل الطبيعي، سيقولون لنا منذ البداية لا يمكن أن نفعل أي شيء، لا مشافي ولا أطباء ولا أدوية قادرة على مكافحة الأوبئة، ابدؤوا بجمع القمامة، هكذا يجب أن ننظر إلى عملية مكافحة الفساد، إن لم نقم بجمع القمامة التي هي الخلل الإداري الموجود لدينا لا يمكن أن نصل إلى أي نتيجة في موضوع مكافحة الفساد”.
الخلاصة
الأسئلة الجوهرية الكثيرة التي طرحها الأمين العام في الاجتماع الموسع تفتح الأفق وتستثير الرؤى نحو نقلة نوعية كبيرة جداً ليس فقط في مسيرة الحزب بل تنعكس أيضاً على سوريا عموماً بشكل إيجابي ومنعش للحياة الاقتصادية بشكل خاص ولكافة الأصعدة بشكل عام.
هذه الأسئلة التي لم يرد الرئيس الأسد الإجابة عليها كي لا تتحول عملية التطوير إلى تعليمات بقدر ما تكون إرادة وقناعة وأيديولوجية تحملها عزيمة مخلصة نحو الإصلاح والتصحيح من خلال جهد جبار يبدأ بجلسات الحوار والنقاش البناء البعيد عن الظواهر الصوتية لتصل إلى وضع برامج وانطلاق العمل نحو حركة تصحيحية جديدة.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News