أخبار حلب _ سوريا
إلى جانب معارك الخنادق والبنادق هناك معارك سياسية يخوضها الفلسطينيون في المحافل السياسية الإقليمية والدولية لانتزاع الاعتراف الدولي بفلسطين دولة مستقلة.
وقد كان الاعتراف الدولي بدولة فلسطين هدفاً لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي أعلن قيام دولة فلسطين في 15 تشرين الثاني 1988 في العاصمة الجزائرية “الجزائر” في جلسة استثنائية في المنفى للمجلس الوطني الفلسطيني، وقد تم الاعتراف بها عقب هذا الإعلان من قبل عدد من الدول، وصل بحلول نهاية العام، لأكثر من 80 دولة.
لكن الآن وصل عدد المعترفين بفلسطين كدولة مستقلة لـ 144 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ 193، تشمل معظم دول جنوب العالم إلى جانب “روسيا والصين والهند”، إضافة لعدد محدود من الدول الأوروبية ممن كانت ضمن ما يعرف بدول أوروبا الشرقية إضافة إلى السويد التي اعترفت بفلسطين دولة مستقلة عام 2014 وكذلك قبرص.
وخاضت الدعاية الصهيونية حملة دعائية شرسة لمواجهة هذا الاعتراف بفلسطين بحملة تشويه وتضليل لم يكن لها تأثير سوى لدى دول الغرب الأوروبي وأمريكا وهو ما دفع الكيان التي تغير حملته بالقول أنه يمتلك ما يزعم أن الدول ذات البعد الديمقراطي وهو ما يسميه “الأغلبية الأخلاقية” بأنها هي من تقف معه وترفض هذا الاعتراف.
لكن لماذا الاعتراف بدولة فلسطين من ثلاث دول أوروبية خطوة مهمة؟!
أثار إعلان كل من “إسبانيا وإيرلندا والنرويج” الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة حفيظة الكيان الصهيوني لعدة أسباب أهمها إن اعتراف دول مثل “إسبانيا وإيرلندا والنرويج” بفلسطين كدولة مستقلة له أهمية كبيرة؛ كونه يعزز من الموقف الأوروبي الداعم لحقوق الفلسطينيين، وكون أوسلو عاصمة النرويج هي من احتضنت اللقاءات السرية بعد فشل مؤتمر مدريد للسلام عام 1993، وهو ما يمكن أن يشجع دولاً أوروبية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، مما يعزز من الوزن الدبلوماسي لفلسطين في الساحة الدولية، عدا عن ما يمكن أن يُضفي عليه هذا الاعتراف من مزيد من المصداقية على الحق الفلسطيني من وجهة النظر الأوروبي نحو الاستقلال، ويعزز الجهود الدبلوماسية الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويحمل هذا الاعتراف رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بضرورة إعادة النظر في السياسات الحالية تجاه الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” ويدعو إلى مزيد من الجهود لحل هذا النزاع، إضافةً لتشجيع دول من مناطق أخرى على الاعتراف بفلسطين، مما يعزز من الموقع السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية، وهو ما يوفر دعماً معنوياً قوياً للشعب الفلسطيني في سعيه لتحقيق حقوقه المشروعة ويعطي زخماً لحركات التضامن العالمية مع فلسطين.
ماهي الأهمية القانونية للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة؟
إن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كدولة مستقلة له عدة آثار قانونية مهمة في الساحة الدولية، حيث يعد أداة من أدوات السياسة الخارجية التي تستخدمها الدول، ويحمل جملة من التداعيات القانونية والدبلوماسية، وها هي بعض النقاط الرئيسية:
1_الشرعية السياسية والدبلوماسية: الاعتراف يمنح فلسطين الشرعية الدبلوماسية ويسهل تواصلها مع الدول الأخرى ككيان سياسي مستقل يعزز هذا من مكانة فلسطين في العلاقات الدولية ويمكنها من إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء.
2_عضوية المنظمات الدولية: يؤهل الاعتراف فلسطين للسعي للعضوية في المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، الأمر الذي يوفر منبراً للتأثير في السياسة الدولية وتعزيز مصالحها، وشكّل انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو اعتراض أمريكي أخفق في منعها، مما دفع أمريكا والكيان إلى الانسحاب من عضويتها، لكن أمريكا اضطرت للعودة إليها عام 2023
3_الحقوق القانونية والإقليمية: يمكن للدول المعترفة باستقلال فلسطين أن تعترف أيضًا بسيادتها على حدود معينة، مما يعطي فلسطين حقوقاً قانونية تستند إلى القانون الدولي والعلاقات الدولية، بما في ذلك حقوق تقرير المصير والدفاع والأمن.
4_التقاضي الدولي: يمكن لفلسطين باعتبارها دولة معترف بها، أن ترفع قضايا وتتقدم بمطالبات في المحافل القضائية الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وهو ما أغضب الكيان والإدارة الأمريكية، كونه يعطي الحق لفلسطين بالملاحقة القضائية الدولية للكيان على جرائمه بحق فلسطين.
5_الحماية القانونية للسكان: يوفر الاعتراف بفلسطين إطاراً قانونياً لحماية حقوق إنسان الفلسطينيين ويتيح المزيد من الآليات لمحاسبة الانتهاكات.
6_المعاهدات والاتفاقيات الدولية: أصبحت فلسطين أكثر قدرة على الانضمام إلى المعاهدات الدولية وإبرام الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تطوير إطارها القانوني والتنظيمي.
7_النزاعات وحلها: يسهم الاعتراف بفلسطين في تغيير ديناميات الصراع الإسرائيلي_الفلسطيني، مما يتيح آفاقاً جديدة للتفاوض والبحث عن حلول سياسية تحت مظلة القانون الدولي.
الموقف الأمريكي من مسألة الاعتراف بدولة فلسطين
أمريكا في تناولها للقضية الفلسطينية رغم ادعائها بأنها وسيط، إلا أن رؤيتها لأي حل للقضية الفلسطينية ينطلق من الرؤية الصهيونية لمستقبل المنطقة، ولذلك تضع إدارة البيت الأبيض شرط الوصول إلى تلك المرحلة هو الاتفاق عبر المفاوضات الثنائية، تلك المفاوضات التي ولدت في أوسلو وترعرعت في مدريد وداستها دبابات الميركافا الصهيونية في شوارع فلسطين.
وفي تشرين الثاني 1989، اقترحت جامعة الدول العربية قراراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف رسمياً بمنظمة التحرير الفلسطينية كحكومة لدولة فلسطينية مستقلة، غير أن المشروع تم التخلي عنه عندما هددت الولايات المتحدة مرة أخرى بوقف تمويلها للأمم المتحدة في حالة إجراء التصويت.
ورغم الفيتو الأمريكي الذي كان آخره في 20/5/2024 في مجلس الأمن برفض العضوية الكاملة لفلسطين كدولة في الأمم المتحدة، فقد حقق النضال السياسي اختراقاً منذ عام 2012، حين منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين مركز دولة غير عضو لها بصفة مراقب في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفي 17 كانون الثاني 2012، قرر رئيس بروتوكول الأمم المتحدة “يوتشول يون” أن تستخدم الأمانة اسم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية”.
المكاسب السياسية ثمرة الكفاح المسلح في الخنادق لا تلك الحروب الناعمة في الفنادق
لم يأت أي إنجاز تحقق في القضية الفلسطينية لاعتبارات أخلاقية أو قانونية أو إنسانية، وأن كل تحرك دولي لحل القضية الفلسطينية كان مبعثه حالة الحراك الفلسطيني من انتفاضة الحجارة إلى السكاكين وحملات الاستهداف لقطعان المستوطنين الصهاينة، وكانت أهداف تلك التحركات العالمية هو محاولة إنقاذ الكيان من الغرق في مواجهة خاسرة مع المقاومة الفلسطينية.
وقد كان لعملية طوفان الأقصى وما خلقته من إعادة للقضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي دوراً كبيراً، بل واستطاعت تعديل المزاج لدى الرأي العام الغربي بعد كسر الاحتكار الإعلامي التابع للكيان في الترويج للسردية الصهيونية للأحداث، وهو ما خلق حالة تعاطف دولي عجزت معه حتى الدول الداعمة للكيان من السيطرة على الشارع المؤيد لفلسطين وحقها في إقامة دولتها المستقلة، وهو ما تجلى واضحاً في وصول الدعم للقضية الفلسطينية إلى المنابر العلمية في أرقي الجامعات العالمية.
نستطيع القول إن موجة الاعتراف الأوروبي المحتملة بفلسطين، قد تقود إلى تحول نوعي في النظرة الدولية للقضية الفلسطينية، بحيث لم تعد مجرد نزاع سياسي أو إنساني بل قضية تصفية استعمار بامتياز وفق القانون الدولي، مما يتطلب تطبيقاً كاملاً لمبدأ حق تقرير المصير وإقامة الدولة، وليس مجرد حكم ذاتي أو سلطة انتقالية محدودة الصلاحيات.
وتبقى المقاومة الفلسطينية هي الحارس الأمين على هذه الحقوق التي لا يملك أي أحد حق التنازل عن أي شبر منها، وعلى رأسها القدس الموحدة عاصمة فلسطين كل فلسطين.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News