أخبار حلب _ سوريا
تحتفل العراقة بذاكرة محلية عربية وعالمية في حلب، وتقرع الأجراس بعد صمودها أمام الحرب والزلزال، ويظل صوتها متسعاً بين المجرات، متسائلاً عن ذنبها في أزمنة الظلام؟ فتجيب كُتب الرحالة والمؤرخين والأدباء عن أحوالها، كما تجيب الوفود السائحة التي زارتها في الفترة المعاصرة والقديمة، لتحكي ما لا يُحصى عن مدينة أثرية أسطورية، كانت وما زالت بموقعها الاستراتيجي وحيويتها الحياتية مغناطيساً نشطاً لسكان المعمورة وتجّارها وعلمائها وأدباءها، وهم يفتخرون بتجوالهم في الشهباء كإحدى أهم محطات طريق الحرير.
ومن أهم ما يميز مدينة حلب وجود الخانات وأهمها “خان الوزير” الذي يستقبل زائره برائحة غابرة، وأشجار معمّرة، منها الكرمة التي ما زالت عناقيدها الموسمية تتدلّى حتى الآن بطعمها المميز، وحجارةٍ تسجّل في ذراتها دهشة الوفود العربية والأجنبية، وفضاءٍ متأمل يستقبل ويبثّ الأشعتين الذهبية والفضية، ويقف بشموخ ليخبر الناس كافة عن مبناه وأبوابه ونوافذه ونقوشه.
موقع خان الوزير وسبب تسميته
يقع “خان الوزير” في “سويقة علي” في الجهة الشرقية الشمالية للمدينة بين قلعة “حلب” و”الجامع الأموي” الكبير، بناه والي حلب آنذاك “قره محمد باشا” عام 1683م في الفترة التي كانت التجارة في أوج ازدهارها في المدينة، أيام السلطان العثماني “محمد الرابع”.
أما تسميته بـ “خان الوزير” فجاءت بعد أن أصبح فيما بعد والي حلب الذي بناه وزيراً في الأستانة فسمي نسبة إلى خانات حلب الأثرية ذات الشهرة الواسعة.
ومن يدخل الخان، متمعناً في بابه الحديدي الثقيل الحاضن لباب صغير، والمطرز بمسامير حديدية عملاقة، يتساءل: كيف امتلك هؤلاء الرجال كل تلك القوة في تصنيع الباب ثم في عملية فتحه وإغلاقه؟!
وبعد تجاوز الباب الحديدي يجد الزائر نفسه في فناء تحيطه المستودعات والحوانيت، وهي المستخدمة لإيداع البضائع، أما وسط الفناء فتتوضع بركة ماء للتزيين وأحياناً يتوضع مسجد صغير وسط الفناء.
وصف الخان والواجهات الأربعة
يتألف الخان في مسقطه الأفقي من صحن واسع يغطي مساحة تقريبية تبلغ 4100 متر مربع، تلتف من حوله أربع واجهات، تتألف الواجهة من مجموعة كبيرة من الغرف المسقوفة بأقبية سريرية ومحمولة على الأقواس الفارسية، فما أن يقف الزائر أمام الواجهات الأربعة حتى يسحر بالواجهات الباذخة الجمال المزينة بحرفية بنقوش ومقرنصات مميزة.
كما تحتوي على نافذتين أطرافها السفلية مزينة على شكل جديلة حجرية تعلو تلك النافذتين، طرف اليمين هلال وطرف اليسار على شكل صليب ترمز إلى دليل التسامح بين الأديان، وكانت الغرف العلوية في هذا الخان تُستخدم كفندق، والسفلية للبضائع وإسطبل للجمال والخيل.
وتبنى هذه الواجهات الجميلة عادة بالحجارة البيضاء التي يداخلها بتشكيلات متميزة الحجارة السوداء والصفراء، ويطالع الزائر على جانبي باب الخان شعار يدعى “الرنك” بيضوي الشكل محفور داخله اسم الباني وشعاره.
ويوجد فيه أيضاً قيسارية تحوي غرفاً وأنوالاً يدوية، وتؤجر غرفها للمبيت أو العمل، وفيها المطبخ العجمي وقد رمم بعد اقتطاع جزء منه مع فتح الجادة، وكان متحفاً للتقاليد الشعبية، وفيها قاعة الصقال وحمام “الواساني” وهو قديم جداً وكان قد تعرض للتخريب مع فتح الجادة.
ويتألف الخان من حوالي 80 غرفة موزعة ما بين طابقين علوي وسفلي، على طول الجوانب الأربعة للخان وتطل على الفناء بشكل مباشر دون رواق متقدم؛ يحتوي القسم السفلي منه على صحن واسع تلتف من حوله أربع واجهات، تتألف الواجهة من مجموعة كبيرة من الغرف المسقوفة بأقبية سريرية ومحمولة على الأقواس الفارسية وموضأ مسقوفٌ بقبة، وبئر للماء وصحن حجري لشرب الدواب سابقاً.
يعد غياب الرواق المتقدم في الطابق الأرضي إحدى المعالجات التصميمية التي ظهرت في خانات حلب في القرن السابع عشر واستمرت في الفترات اللاحقة، كما في خان “العبسي” وخان “الحاج موسى”، ويرجع كلاهما إلى منتصف القرن الثامن عشر.
وربما كان السبب وراء ذلك يتعلق بالحاجة المتزايدة لمساحات التخزين بسبب تغير دور حلب من “الوسيط” في تجارة القوافل إلى مركز للمواد الخام والسلع المنتجة محليّاً بدءًا من النصف الثاني من القرن السابع عشر.
كما له أكثر من واجهة حرة غير ملتصقة بالجوار فضلاً عمّا يحويه من زخارف وعناصر معمارية غنية كالأعمدة المضفورة في واجهته الداخلية، والتناوب في المداميك في الواجهة الخارجية، والمقرنصات التي تزين نوافذ الغرفة التي تعلو مدخل الخان، والتي خصصت غالباً لشيخ التجار وقد سقفت بقبة.
الصفة التجارية للخان على مر الزمان
كانت التجارة رائجة جداً في هذا الخان، وكان يوجد داخله معمل ورق السجائر لصاحبها “رباط”، وبنك “مكربنه”، ومعمل تريكو بيت “الوالي” الذي يمتلكون خمس غرف حجري ملكهم الخاص، ومحلاً لـ “شوكت عزيز” للأقمشة.
وأما في وقتنا الحاضر المعروف عن “خان الوزير” أنه أصبح مركزاً لتجارة الخيوط والألبسة القطنية إذ يقوم التجار الموجودون باستقدام بضائعهم من المعامل التي هي خارج الخان ليتم عرضها وبيعها في الخان، وأغلب التجار فيه هم أصحاب معامل، هذا بالإضافة إلى وجود مكاتب التجارة والتصدير فيه.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News