أخبار حلب _ سوريا
خاص بأخبار حلب
بقلم: هني الحمدان
لا يخفى على أحد قساوة المشهد المعيشي للمواطن السوري جراء بطء وتراجع عمليات النمو الاقتصادي وضعف المردود؛ بعد مفرزات الحرب والحصار الاقتصادي القاسي الذي كان له تأثير كبير على كل الجبهات التنموية مما أدى لمضاعفة فاتورة المعيشة مرات..
لكن اليوم هناك نفس جديد تجاه التوجه نحو اقتصاد جديد يقوم على تحديثات ستطول بنيانه وعموده الفقري ككل، وجملة من التغيرات في السياسات المالية وإصدار بعض القرارات التي ستسهل بصورة أكثر حالة النشاط الإنتاجي والاقتصادي، وتسرع من وتيرة صيرورة الأخذ بناصية قرارات مهمة تفتح المجال الرحب لتحقيق انطلاقة ذات نفس يختلف عما كانت عليه السياسات السابقة.
وسط حالة من التناغم وإشراك المواطن وممثلي الاتحادات والمنظمات والمجتمع المحلي في استشرافات مستقبلية لبعض المسائل والأزمات، وبالفعل نشهد في المرحلة الحالية تناغماً مجتمعياً وإجماع آراء لمختصين وخبراء؛ حول أغلب الأحداث التي تعصف بالواقع الاقتصادي والمعيشي، وهذا ما يشكل قاعدة انطلاق لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والعمل قدماً لتحقيق مزيد من الإنجازات ومواجهة التحديات التي تعيق مسار التطوير والتحديث.
كما ستقوم السياسات الاقتصادية التي تنوي الجهات الرسمية الوصول إلى برمجتها بمختلف مكوناتها بدور فاعل في الحفاظ على هذا التوجه وضمان استدامة نجاحه على مختلف الصعد، ولعل أهم المخرجات التي لا بد من السعي لتحقيقها تتمثل في الحفاظ على سماع أصوات كل شرائح المجتمع والعمل على تنميتها باعتبارها ضمانة الاستقرار والمحفز للنهوض بالمجتمع وتعزيز صلابته وتنمية أفراده ومساعدته على مواجهة الأعباء والتصدي للمصاعب والتحديات والحفاظ على الإنجازات، وما قد يخرج جراء التفاعل في إشراك المجتمع المحلي وحلقات الحوار وصولاً إلى تفاهمات ووضع المواطن ومن يمثله أيضاً بصورة آخر ما يفكر به صاحب القرار وما سيرسمه للغد.
وفي الحقيقة، ما يهم ليس ذاك التوجه من خلال إشراك المواطن وإقامة حالة من الحوارات وإبداء الآراء، بل الوصول إلى رؤى شاملة ومتكاملة تلقى آذان صاغية لدى الحكومة وصاحب القرار الاقتصادي حيال ما يتعلق ببعض المشكلات العالقة.
وخلال هذه المرحلة تطالب الحكومة عبر مؤسساتها المختلفة بدور أساسي وفاعل في تنظيم حالة الحوارات المجتمعية، والحفاظ على التوازنات، وتبذل كل الجهود رغم الصعاب من أجل تقديم الخدمات الأساسية اللازمة لمواكبة احتياجات المجتمع المستقبلية، ولغايات تأدية هذا الدور بكفاءة وفاعلية من المهم معالجة بعض جوانب القصور التي قد تظهر هنا وهناك مثل تدني مستوى بعض الخدمات وعدم التمكن من الوصول إلى الفئات المستحقة، أو عدم القدرة على تخصيص المصادر المالية الكافية لتوليد فرص عمل مناسبة، وفي مثل هذا الظرف ومع إدراك الأعباء التي تعانيها الحكومة بما فيها العجز المزمن في الموازنة العامة وارتفاع أعباء التضخم والأسعار، وتدني الإنتاجية والتضخم الوظيفي لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات التي تتيح تقليص الكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإدارة الحكومية، وتحقيق نتائج أفضل بكلف أقل، بما في ذلك إجراءات لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وتحديث القطاع العام عبر اعتماد استراتيجية للنظر بحجم الجهاز الحكومي ورفع كفاءته ضمن إطار زمني متدرج وتحسين برامج الحماية الاجتماعية لضمان وصولها للمستحقين.
المرحلة المقبلة يلزمها الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات لمكافحة التهرب والتجنب الضريبي، وتقليص كلف الإنتاج وتحفيز الاستثمارات وترشيد الإنفاق عبر اعتماد تحليل الكلفة والعائد للمشاريع الحكومية، إضافة إلى القيام بتحليل الأثر الاقتصادي والاجتماعي بشكل مسبق للسياسات والإجراءات والقرارات التي لم تحقق الحفاظ على سعر صرف الليرة ولم يتم أي تقليص لمستويات التضخم الى مستويات متدنية.
وأما عن زج القطاع الخاص عبر منظومة التشاركية ومنحه بعض المزايا التحفيزية للتدخل في حلبة الاستثمار فإنه يمثل ركيزة ومنطلق مهم خلال المرحلة المقبلة في سوريا لكي يقوم بدور ريادي في التنمية الاقتصادية وتوليد فرص عمل تستوعب الطاقات المهدورة، وتساعد على تعزيز التنمية ورفع نسب النمو وتحسين حياة المواطنين، مع الإشارة إلى ضرورة أن تترافق السياسات الإصلاحية المنتظرة والتي سيتم اتخاذها مع إجراءات وبرامج تساهم في تقليص ما قد ينجم عنها من آثار وضمان تكيف الفئات الاجتماعية المختلفة معها؛ من أهم ما يجب أن تسعى له السياسات الاقتصادية الحصيفة العمل على مواجهة المصاعب الاقتصادية وما يترتب عليها من تداعيات قد لا تتيح تحقيق طموحات المواطنين في الحياة الكريمة والحصول على فرص العمل المناسبة وما قد تؤدي إليه من تغيرات هيكلية في بنية المجتمع تهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
كما أن للمشاركة الشعبية الواسعة في فهم وصياغة السياسات عبر الأطر المؤسسية ذات العلاقة توفر حاضنة اجتماعية وأخرى منفذة رسمية تكون حريصة على نجاح هذه السياسات وتحقيق أهدافها وضمان استدامتها وتضمن التنفيذ الكفؤ وبالتوقيت المناسب وتساعد على تحقيق النتائج المرجوة، كما أن المشاركة المجتمعية تعتبر وسيلة فعالة لمواجهة الاقصاء والتهميش وجذب مختلف الفئات الاجتماعية للمساهمة في النهضة الاقتصادية والاستفادة من ثمارها.
ختاماً: هناك تغيرات سيشهدها الشق الاقتصادي خلال الآونة القريبة، والعمل ليس في تغيرات بالسياسات الاقتصادية المالية والنقدية والتصدير والإنتاج ودعمه، بل في إشراك كل الشرائح من قطاع خاص وقطاع تشاركي ومجتمع محلي في بلورة واقع الكل معني ومسؤول فيه؛ فإعادة الإعمار وحالة الاستثمار لن ينتعشا كما يجب إلا بسواعد السوريين وتكاتفهم وتعاونهم وتوجههم تجاه العمل والإنتاج بيد واحدة، وهذا ليس بالأمر الصعب، ولن يكون صعباً، وها هي الخبرات الوطنية السورية بدأت تعطي البراهين والوقائع وتسجل انتصارات على صعيد الاستغناء عن الخبرات الأجنبية وتأهيل خطوط إنتاج وصيانة مرافق خدمية مهمة، ووفرت بتلك الجهود المليارات على الخزينة.