أخبار حلب _ سوريا
تمادى الكيان الصهيوني بشكل كبير في اعتداءاته وجرائمه، وتطاول حتى ظنّ أن لا رادع له ولا راد عن مجازره التي لا يقبلها ضميرٌ إنسانيٌّ حيّ، وباعتبار أن ظهره مسنود بأمريكا العظمة حسب اعتقاده؛ فإن الباب مفتوح أمامه ليفعل أي شيء وهو محمي، لكنه لا يعلم أن مدى اعتقاداته قصير وإن كانت أمريكا خلفه لتحميه، فإن هناك من يمسك بيد فلسطين جنباً إلى جنب، ليأخذ بثأرها ويرسله إلى جحيم أبدي لا خروج منه.
وبعدما نكّل الكيان بأهالي غزة واغتال قائدين كبيرين في المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، أعلنت المقاومة اللبنانية عمّا هو أكبر بكثير من عملياتها العسكرية اليومية التي أرهقت بها كاهل الكيان في الشمال، فرغم كل الصواريخ التي أمطرت بها الكيان شمال
فلسطين المحتلة، إلا أن غباء الكيان جعله يعتقد أن لبنان لا تملك شيئاً آخر، وكل مرّة كانت الصواريخ اللبنانية تحذّره من التمادي، لكن زعماء الكيان صمٌ بكمٌ عميٌّ فهم لا يفهمون.
فلم يفهم الكيان الصهيوني رسائل المقاومة التمهيدية عندما نشر مقاطع “الهدهد” الذي كشفت فيه عن المنشآت العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية التابعة للكيان في حيفا شمال فلسطين المحتلة، وأثبت للكيان نفسه أن المقاومة قادرة على الوصول إلى
أصعب النقاط لديهم، لتخرج بفيديو تهديدي صادم للكيان، أظهرت فيه منشأة صخرية تحكي عن عمل قدراتي كبير لعشرات السنين، وآن له الظهور اليوم.
التهديد الصادم بعد التمهيد
حيث نشرت المقاومة اللبنانية لأول مرة يوم أمس الجمعة فيديو لمنشأة تحت الأرض تحمل اسم “عماد 4″، وقد أظهر شبكة متشعبة من الأنفاق تحت الأرض، يتم فيها تخزين الصواريخ وإعدادها للإطلاق، ما يمثل نقلة نوعية في قدراتها العسكرية، ولم يكن هذا مجرد
عرضاً للقوة، بل يحمل في طياته رسالة تهديد واضحة للكيان الصهيوني، مفادها أن المقاومة طورت من وسائلها الدفاعية والهجومية لتصبح أكثر تعقيداً وصعوبة في الاستهداف، وكشف فيديو “عماد 4” بعضاً من قدرات المقاومة الاستراتيجية والصاروخية، التي
دخلت مرحلة جديدة من إسنادها لغزة ودفاعاً عن لبنان، والذي حمل عنوان “جبالنا خزائننا”، موجّهاً الرسائل ذات الأبعاد الاستراتيجية والعملياتية والردعية، وكان لتوقيت الكشف عنه الكثير من الدلائل، وشكّل نشر الإعلام الحربي للفيديو حدثاً بذاته، لتضمّنه مروحة من
الرسائل في كل الاتجاهات
وضمن سياق ردع العدو، قدمت المقاومة عينة بسيطة من قدراتها الاستراتيجية، جاءت لتخلط أوراق العدو، الذي يتصرف على أساس أنه يملك فكرة إجمالية عن هذه القدرات مع بعض التفاصيل هنا أو هناك، إلا أن المقاومة وجّهت أنظاره لبعض تفاصيل القدرة
بهدف تعميق الردع، ودفعته إلى تقليص أي خطأ في التقدير يورّط نفسه والمنطقة في خيارات عسكرية واسعة، كما سيتحول الفيديو إلى أداة إقناع إضافية لأحد الأطراف حول محدودية جدوى أيّ خيارات متهوّرة قبل أو بعد ردّ المقاومة القادم على اغتيال القائد العسكري الشهيد “فؤاد شكر”.
المستوى العملياتي
وعبر الفيديو، أرادت المقاومة إفهام العدو بأن قدراتها الصاروخية والعسكرية، مُحصَّنة إلى حد أنها تشكّل تحدياً جوهرياً أمامه حول كيفية التعامل معها، وتفرض نفسها على مؤسسة القرار في ظل محدودية نتائج أيّ خيار عدواني ضمن نفس الإطار، كما أعطى
الفيديو مؤشراً ملموساً حول قدرتها على الجمع بين “البقاء والنيران”، بمعنى أن هذه التحصينات توفّر لها الحفاظ على قدراتها قبل أو بعد الاستخدام، وفي الوقت نفسه مواصلة النيران في مواجهة التطور الهائل لدى العدو على المستوى التكنولوجي والدقة
والتدمير والغزارة من البحر والجو والبر.
وباعتراف ضابط استخباراتي سابق في الكيان؛ فإن المقاومة أظهرت قدرتها على “الاستمرارية الوظيفية” فيما يتعلق بقدراتها على إطلاق الصواريخ إلى العمق الصهيوني، وهو أهم شرط للتأسيس للردع. ويأتي هذا الكشف المدروس في مضمونه وتوقيته، ليُحفِّز
قادة العدو على إطلاق خيالهم في توقّع ما تخفيه المقاومة من مفاجآت، ولتعزيز الشكوك لديهم بما يفترضون أنهم يعلمونه عن قدرات المقاومة، ولذلك عليهم أن يذهبوا بعيداً في فرضياتهم وينبع هذا المفهوم من حقيقة أنها عندما تسمح بنشر هذا الفيديو وما
تضمّنه، ينبغي الافتراض أن ما لم يتم كشفه أعظم بكثير، خاصة أنها حريصة على التمسك بعقيدة المفاجآت التي تشكّل أحد أهم مداميك عقيدته العسكرية.
وإضافة لذلك، فإن المقاومة تجمع في أدائها بين الحفاظ على جوهر هذه المفاجآت، والكشف المدروس الذي يلبّي متطلبات صناعة المستقبل في هذه المعركة الممتدّة من غزة إلى مختلف ساحات محور المقاومة.
مستوى التوقيت
وبالنسبة للتوقيت؛ فيأتي هذا الكشف بعدما بلغت التطورات الميدانية والسياسية في فلسطين ولبنان والمنطقة مفترق طرق، وهو ما يفرض على قيادة العدو اتخاذ القرار بشأن خيارات حاسمة تؤسّس من خلالها لمسارات المستقبل، وقد ظهر أن العدو اختار على
حذر، الانتقال إلى ارتقاء مدروس ومغامِر في العدوان على لبنان، كما بدا جلياً في العدوان على الضاحية الجنوبية، واغتيال القائد شكر، ثم عمد بعد ساعات إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” في طهران.
وبما أن الكيان أراد حشر المقاومة باغتيالاته بين خيارات مفصلية، من ضمنها أن يضغط عليها من خلال تحذيره بأن ردّه سيؤدي إلى التدحرج نحو مواجهة كبرى، وهي المواجهة التي لا يريدها أيّ من أطراف المواجهة حتى الآن، فراهن على خياره من خلال محاولة
فرض قواعد جديدة في مواجهة المقاومة، ما قد يؤثّر على استمرار جبهة الإسناد، وأيضاً على مستقبل المعادلات الحاكمة للميدان في مواجهة المقاومة.
ومن منظور استراتيجي جامع، فإن كيان العدو يحاول أيضاً إعادة إنتاج صورة جديدة له، في وعي المقاومة اللبنانية ومحور المقاومة، خصوصاً أن الصورة تهشّمت في “طوفان الأقصى” والحرب التي تلتها، فأصبح هاجس العدو هنا هو الإيحاء، من موقع الممارسة
العملياتية، بأن الكيان أصبح أكثر اندفاعاً ومغامرة واستعداداً للمخاطرة بالحرب، وأكثر استعداداً لتلقّي الردود ودفع الأثمان.
رسائل الفيديو الموجهة
وكجزء من سلسلة خطوات وإجراءات أقدمت عليها المقاومة في رسائل “عماد 4″؛ باعتبارها مكمِّلاً لما سبقه وتمهيداً لما سيليه أيضاً، وإذا ما كانت المقاومة أثبتت للعدو عبر فيديوهات «الهدهد» دقة المعلومات المتوفرة لديه حول منشآت العدو الحيوية
والاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية، فإن قائمة هذه الأهداف تحتاج إلى قدرات خاصة لاستهدافها، وإلى إرادة تفعيل هذه القدرات أياً كانت الأثمان والتداعيات.
وبعدما حسم الأمين لعام لحزب الله السيد “حسن نصر الله”، قرار الرد على عدوان الضّاحية، فنشر الفيديو لا يعد تفصيلاً للكشف عن قدراتها.
وبعدما بادرت أمريكا إلى خطوات متعددة، ردعية وتهويلية وسياسية، فحشدت المدمّرات وحاملات الطائرات من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر وبحر العرب، وأطلق مسؤولوها مواقف حاسمة في الدفاع عن الكيان، تعمدت تزخيم مسار المفاوضات بهدف احتواء اندفاع المقاومة اللبنانية وإيران للرد فقد تعدَّدت المواقف المضادة من قبل المقاومة، حيث أوضح نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ “نعيم قاسم” أن مسار الرد على اغتيال “شكر” منفصل عن مسار وقف الحرب على غزة أو استمرارها، ولذلك فإن الرد آت في التوقيت الذي تختاره المقاومة، إضافة لذلك، فقد عكس الفيديو من وجود قدرات نوعية يحسب لها العدو حساباً جدياً، بالتزامن مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي، عاموس هوكشتين، الذي دعا إلى تخفيف التصعيد، متجاهلاً الدماء التي سالت بفعل العدوان الإسرائيلي.
إذ تنبع أهمية هذا الكشف من كون مفاعيل أي مواقف في مواجهة التهويل الأميركي والإسرائيلي، تنبع من استناد مطلقيها إلى عناصر القوة الميدانية، وبالتالي تكون المقاومة وفّرت أوراق قوة يمكن استخدامها في أي مباحثات لاحقاً، وذلك على أساس تسليم الآخرين، بأن لبنان ليس في موقع ضعيف، عليه تلبية مطالب الآخرين، وإنما يملك من القوة التي تسمح له بإحباط أهداف العدو وتجعله يندم على عدوانه.
ختاماً..
إن الكشف عن الفيديو يؤكد انتقال المقاومة من مرحلة التمهيد والتهديد، إلى مرحلة التنفيذ والقضاء على الكيان بشكل نهائي، وإذا حاول الكيان الرهان على أفعاله أمام المقاومة، فإنها جاهزة للحرب بإرادتها وقدرتها هي لا بقرارات الكيان، وتنقل الكرة من قراراتها، إلى طاولة الخضوع الصهيوأمريكي.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News