الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هو من كبار رجال الدين في العالم الإسلامي والذي كان له تأثير كبير في رسم أيديولوجية رواد الربيع العربي وأنصاره وداعميه من القادة الأوربيين.
وهو أيضاً مؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004م، والذي أفرز عنه اتحاد مناهض له وهو اتحاد علماء بلاد الشام بسبب غياب الإجماع بين أعضاؤه على الكثير من القضايا الراهنة للمسلمين.
شخصيات الشيخ القرضاوي المختلفة
رغم شهرته الواسعة يُعتبر الشيخ القرضاوي شخصية مثيرة للجدل وغريبة الأطوار بسبب مواقفه المتباينة في قضايا العالم العربي والإسلامي.
فتارة وصف القرضاوي برائد الفكر الاعتدالي بسبب إدانته هجمات 11 سبتمبر وتفجيرات بالي، وانتقاده تحطيم حركة طالبان تماثيل بوذا في أفغانستان، بينما أحالت النيابة العامة المصرية 38 إسلامياً، بينهم القرضاوي، إلى محكمة عسكرية، بتهمة إنشاء خلايا مسلحة قتلت ضابط شرطة، وحوكم القرضاوي غيابياً.
وقد ندد القرضاوي بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأفتى بوجوب مقاومة الجنود الأمريكيين، بينما بارك دخول تنظيم داعش للعراق، والذي يعد من أخطر التنظيمات الإرهابية التكفيرية المتشددة.
وأيضاً بينما أفتى بتحريم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، تراجع الداعية القرضاوي عام 2016م عن فتوى الجهاد ضد إسرائيل في فلسطين، مبرراً ذلك بـ “زوال الضرورة”.
وفي عام 2004م زار الداعية القرضاوي سوريا والتقى الرئيس بشار الأسد قائلاً: إنها “المرة الثالثة التي أزور فيها سوريا والمرة الأولى التي أزورها جهاراً نهاراً بعد أن زرتها مرتين متنكراً متخفياً، واحدة عام 1952 والثانية عام 1972م.
ووجه القرضاوي تحيّة إلى الشعب السوري وتحية إلى القائد بشار الأسد، قائلاً: “سوريا هي التي وقفت لأميركا وقالت “لا”، لذلك قَنّنوا لها القوانين من أجل عقوبتها، ولكن إن شاء الله ستظلّ سوريا مرفوعة الرأس قوية الأساس”، ثم أشاد بحزب الله وقال: “قاد حزب الله في لبنان حرباً، كان بحمد الله هو المُنتصِر فيها، على ما يُسمّى القوّة التي لا تُقهَر والشوكة التي لا تُكسَر، وقد كُسرت هذه الشوكة أمام حزب الله ومَن أيَّده”.
فيما أولى القرضاوي اهتماماً خاصاً بالاحتجاجات في سورية ضد النظام السوري حيث لم يولي هذه الأهمية نفسها لاحتجاجات أخرى في بلدان مختلفة كالسعودية والبحرين واليمن وفلسطين.
كذلك بعد إحباط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانقلاب ضده قال القرضاوي: “الله مع الرئيس رجب طيب أردوغان وإخوانه، الله هو الذي شدّ إزرهم، وكتب نصرهم، وأنقذهم من شرور الآخرين، وتركيا اليوم تقود العالم الإسلامي”.
تأثير فتاوى القرضاوي على الرأي العام الإسلامي والغربي
عُرف الشيخ القرضاوي بمفتي الربيع العربي من خلال عدة فتاوي أصدرها وكان لها صدى كبير ليس فقط في تحريك الشارع العربي والإسلامي، بل وفي التأثير على صناع القرار في الغرب في تقديمهم الدعم المالي واللوجستي والعسكري لثورة دون أخرى من المنطقة العربية بناء على رؤيا وفتوى القرضاوي.
فقد أفتى القرضاوي بضرورة محاربة الجيش المصري والجيش السوري، وأفتى بقتل الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الليبي معمر القذافي.
واللافت أن الشيخ القرضاوي كان منبوذاً من قبل الدول الغربية قبل الربيع العربي حيث مُنع من دخول الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب تأييده للعمليات الاستشهادية التي تستهدف الإسرائيليين آنذاك، بينما أصبحت فتاويه مرجعية للدعم الغربي لثورات الربيع العربي في سورية وليبيا حيث تمت تلبية طلبه بالتدخل العسكري الأجنبي في سورية، وتم اغتيال الرئيس الليبي معمر القذافي بناء على فتواه.
وبالرغم من فصل مقر الحكم السياسي عن المسجد في زمن الأمويين إلى أن الفتوى الدينية مازال لها الأثر الأكبر في تحريك المجتمعات الدينية إلى يومنا هذا وتفاعل كل الساحات والبيئات الأخرى معها سلباً أو إيجاباً.
ففي داخل المجتمع الإسرائيلي استُغل الشيخ يوسف القرضاوي كورقة ضغط على حركة حماس بسبب قبولها الدعم الإيراني واحتفالها بيوم القدس العالمي الذي دعا إليه المرشد الخميني.
ولكن غياب المرجعية الدينية الموحدة في المجتمع الإسلامي أدى إلى تقلص دور الفتوى في إتيان أُوكلها حيث ظهرت فتاوى مناهضة لفتاوى القرضاوي في قضية الربيع العربي وقضية الصراع العربي الإسرائيلي كالدكتور البوطي وفتاوى الأزهر وفتاوى مرجعيات المذاهب الأخرى.
والتي تؤثر أيضاً في الشارع الإسلامي باعتبارها تلامس قضايا مشتركة كتلك الداعية لطرد الأمريكي من المنطقة ومواجهة إسرائيل وتحرير الأراضي المحتلة وفتوى هدر دم سلمان رشدي والذي أدت إلى تفاعل كبير من قبل المسلمين مع طاعنه بناء على هذه الفتوى بسبب طعن سلمان رشدي بقضية حساسة وتجاوزه الخطوط الحمراء والحريات الدينية.
وتعد هذه الفتوى من أكثر الفتاوى التي كان لها تأثيراً كبيراً تجاوز حدود الزمان والمكان والمذهب.
الخلاصة:
ربما أثار خبر وفاة القرضاوي جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تذبذبات آرائه وفتاويه الذي يعتبرها البعض أدت إلى خراب ودمار الدول العربية، إلى أن تأثير الفتوى في الساحة الدينية والسياسية لن يتوقف بوفاته وربما تشكل وفاته وغياب المرجعية الدينية الموحدة فراغاً قد يملؤه فتاوى المرجعيات الأخرى التي تأخذ دورها بجدارة بفضل قوتها في التأثير من خلال إيضاح معاييرها وتناولها مسائل حساسة للمسلمين عامة كتلك المتعلقة بالدفاع عن المسجد الأقصى وتحريم التطبيع مع إسرائيل خاصة بعد خلو الساحة الدينية وعودة القضية الفلسطينية بقوة إلى المشهد من خلال الأحداث الأخيرة في القدس وجنين والضفة الغربية والتي تنبئ بانتفاضة جديدة.