تصاعدت عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، بشكل كبير ووصلت لمراحل مُتقدمة تسببت فعليًا بإرباك أجهزة الأمن الإسرائيلية وبعثرت خططها وأهدافها.
فقد كانت عمليات المقاومين مكثفة ومسددة في إنجاز ضرباتها، وهذا ما أثار حفيظة الاحتلال الإسرائيلي ودفعه أن يتحدث عن تفاصيل السيناريو الأخطر الذي يخشى حدوثه في الفترة المقبلة.
والمعلوم عن الكيان الإسرائيلي ما يصرح به عادةً كون الأوضاع في الضفة “تحت السيطرة” وأن ما يجري من عمليات مقاومة رغم خطورتها، إلا أنها “حالة فردية” كما وصفها وبأنه يمكن تجاوزها.
لكن هذه المرة كان الوضع مُغايرًا فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كمًا ونوعًا كَكُرةِ لهب تحرق كل من يقف أمامها.
وعلى الرغم من أن مدينة القدس المحتلة بالنسبة لإسرائيل كالضفة تشكل نقطة أمنية ساخنة جدا ويتم التعامل معهما بحذر شديد، إلا أن المخاوف كانت أكبر خوفاً من انتقال تلك العمليات والغضب الفلسطيني إلى داخل أراضي 48 المحتلة وهذا ما تخشاه إسرائيل.
في سياق متصل قامت الشرطة الإسرائيلية وبشكل مفاجئ خلال الساعات القليلة الماضية بتعزيز عناصرها ودورياتها المنتشرة في المدن والبلدات الواقعة ضمن أراضي 48، وذلك في ظل المخاوف لدى المسؤولين في الجهاز من اتساع رقعة عمليات إطلاق النار التي تشهدها الضفة لتمتد إلى “داخل الخط الأخضر”.
وخوفهم من إقدام خلايا المقاومة التي تنشط في جنين ونابلس، بتنفيذ عمليات داخل المدن الإسرائيلية.
ومن جهته أشار مراسل قناة “كان 11” العبرية لشؤون الشرطة إلى أن المسؤولين في الجهاز “لا يملكون حلولاً كبيرة لمواجهة هذا التهديد الذي يتم التعامل معه كما يجري التعامل مع تهديد عمليات الطعن والدهس، وذلك عن طريق زيادة أعداد القوات في مراكز المدن في أراضي 48”.
مشيراً إلى أن شرطة الاحتلال عززت كذلك من نشر قواتها في مدينة القدس المحتلة بسبب “تصاعد التوتر في المدينة”.
منوّهاً إلى أن شرطة الاحتلال تسعى لمنع تنفيذ عمليات إطلاق نار على غرار تلك التي وقعت نهاية آذار ومطلع نيسان الماضيين، خلال فترة ما يسمى “يوم الغفران” و”عيد العرش اليهودي “في الأسبوع المقبل.
عمليات نوعية للمقاومة في الضفة الغربية
وفي وقت سابق من مساء الأحد قد أصيب جندي إسرائيلي، في عملية إطلاق نار قرب مدخل مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، كما استهدف منازل في أحد الأحياء الاستيطانية في “كريات أربع” بالقرب من مدينة الخليل جنوبي الضفة المحتلة، بإطلاق نار في عملية إطلاق نار هي الثالثة في الضفة خلال أقل من 24 ساعة.
وفي سياق متصل أعلنت مجموعات “عرين الأسود” الفلسطينية المسلحة عن تبنيها لعملية إطلاق النار قرب “نابلس”.
وصرحت المجموعة في بيان لها نصت فيه :”قبل قليل مجموعات عرين الأسود تطلق وابلا من الرصاص تجاه قِطعان المستوطنين ومن رافقهم من جنود الاحتلال على حاجز عورتا وحاجز حوارة، وأوقعنا الإصابات في صفوفهم”
ومن جهته وجه رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات “غوش عتصيون” “شلومو نئمان” في تصريح له عن انتقادات لسياسة الحكومة الإسرائيلية في الضفة المحتلة، وقال إن رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنات بالضفة، “يوسي داغان” كان مستهدفا في العملية، خلال مشاركته في مسيرة المستوطنين.
واعتبر رئيس مجلس المستوطنات في الضفة المحتلة “يشاع” بأن “المشكلة تكمن في السياسة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الحالية”.
وقال إن: “العمليات أصبحت شيئًا يوميًا والقيادة السياسية ووزارة الأمن قد أهملوا أمننا”.
ويأتي ذلك وسط تصعيد لعمليات إطلاق النار ومحاولات الدهس التي ينفذها شبان فلسطينيون ضد عناصر جيش الاحتلال ومستوطنيه، في الوقت الذي تتصاعد فيه اعتداءات الاحتلال على محافظتي نابلس وجنين، ومدينة القدس.
الضفة الغربية نار ستحرق جيش الاحتلال
بات واضحاً الآن أن المقاومة بالضفة المحتلة تأخذ منحنى تصاعدي وبوسائل مختلفة، فبينما يحاول الاحتلال احتواء الوضع في شمال الضفة “جنين، ونابلس، وطولكرم” و يزداد الأمر صعوبةً عليه بعد تصاعدها جنوبًا في الخليل وتكرار عمليات إطلاق النار ضد جنوده ومستوطنيه خلال اليومين الماضيين، فيما المخاوف تتصاعد من انتقالها داخل أراضي 48 المحتلة.
ويرى كتّاب ومحللون سياسيون منهم المحلل السياسي” أحمد رفيق عوض” أن حالة المقاومة في الضفة المحتلة مرشحة للتصاعد أكثر فأكثر، ما لم تعترف إسرائيل بأن هناك شعب فلسطيني له دولة وحقوق مسلوبة، وتمارس عليه أبشع أنواع القمع والتنكيل وتستبيح دمائه، وتصادر مقدراته وأراضيه، وتُهود مقدساته الإسلامية.
مشيراً إلى أن “الاحتلال كان يعتقد واهماً أن بإمكانه إذا استعمل القوة المفرطة سيقضي على حالة المقاومة بالضفة.”
لافتاً إلى أن “المشهد كان مغايراً لذلك، فالمقاومة بالضفة أفشلت عدة عمليات عسكرية حاولت النيل من مقدرتها، ومنها كاسر الأمواج وجز العشب”.
مضيفاً إلى أن إسرائيل تفتقر إلى استراتيجيين يقرأون المشهد بالشكل الصحيح.
ومشيراً إلى أنه منذ عام 1976 والاحتلال يسجل فشلاً تلو الآخر، نتيجة اعتقاده أن القوة العسكرية ستجلب له الأمن والاستقرار والاندماج بالمنطقة.
وفي السياق ذاته تابع قائلاً: “التقدير الخاطئ للاحتلال بقراءة المشهد بمثابة وقود لتصاعد العمل المقاوم بالضفة”.
ومبيناً إلى أنه” كلما زاد الاحتلال ومستوطنيه من اعتداءاتهم وتدنيسهم للمقدسات كلما زاد تصاعد المقاومة”.
وفي صدد بيان أبرز العوامل لإبقاء جذوة المقاومة مشتعلة قال أحمد عوض إلى أن وجود الاحتلال هو العنصر الأساس لتأجيج المقاومة، وطالما الاحتلال قائم ستبقى المقاومة قائمة، ولكن المطلوب اليوم هو تطوير أساليب المواجهة.
متوقعاً إلى أن يذهب الاحتلال إلى اتخاذ إجراءات جزئية بمناطق الضفة المحتلة، من أجل تخفيف الضغط عليه بعد أن فشل في تخفيفه عسكرياً.
موضحاً إلى أن ذلك سيكون عبر جهود دولية وإقليمية من خلال خطوات اقتصادية وتسهيلات أخرى من أجل احتواء المشهد، بالاتجاهين “الإسرائيلي” والفلسطيني.
وبحسب تقدير المختص في الشأن الإسرائيلي جمعة التايه صرّح بأن الاحتلال بدأ يفقد السيطرة في الضفة الغربية، وفشل في مواجهة المقاومة عبر العملية التي أطلقها وأسماها “كسر الأمواج”.
وفي سياقٍ متصل بيّن التايه أن العمليات المسلحة في الضفة تطورت وتصاعدت وما زالت مستمرة، وكل يوم تخرج بشكل جديد، والاحتلال بات يخشى استمرار المقاومة في الضفة.
منوهًا إلى أن الشباب المقاوم لديهم قوة وجرأة لمواجهة الاحتلال، وأن يقتحم ثكنة عسكرية ويواجه جنود الاحتلال، وكل يوم يبتكرون أساليب جديدة في الهجوم.
لافتاً إلى أنه منذ معركة سيف القدس والعمليات الفدائية مستمرة في الضفة المحتلة، حيث فرضت “سيف القدس” معادلات جديدة على الاحتلال تحديداً في الضفة الغربية.
منوّهاً إلى أنه حتى إذا قدم جنود الاحتلال لاعتقال أحد المواطنين يواجه بالمواجهات المسلحة، ثم تطورت المقاومة حتى أصبح المقاومون يضربون الاحتلال في الأغوار وعلى الحواجز العسكرية وفي القدس.
ومن جانبٍ آخى نصّ على أن ما يحدث في الضفة منذ سنة يعبر عن خيار المقاومة الذي يريده الشعب الفلسطيني.
ومشدداً على أن فعل الاحتلال على الأرض وإجرامه بحق الشعب الفلسطيني يزيد من المقاومة ويرفع وتيرتها، والمقاومة تتطور وتقوم بواجباتها.
والجدير بالذكر أن الضفة الغربية شهدت مؤخراً ارتفاعاً ملحوظاً في أعمال المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها خلال شهر أيلول الماضي.
فقد رصد مركز المعلومات الفلسطيني “معطى” أعمال مقاومة بقرابة ال”833″ عمل مقاوم أسفر عن مقتل إسرائيلي واحد وإصابة “49” آخرين، بعضهم بجراح خطيرة.
وتصاعدت عمليات الاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي حيث بلغت عمليات إطلاق النار على أهداف الاحتلال “75”عملية، وقرابة الثلاثون عملية منها في جنين ونابلس على التوالي.
وكان أبرزها عملية إطلاق النار البطولية قرب حاجز الجلمة بجنين، التي نفذها الشهيدان أحمد أيمن إبراهيم عابد البالغ من العمر “23 عام” وعبد الرحمن هاني صبحي عابد “22 عاماً” والتي أدت لمقتل ضابط في جيش الاحتلال.