هل حقاً تخشى إسرائيل أن تزداد خزينة المال لدى حزب الله بعد توقيع اتفاقية الغاز مع لبنان؟ أم هناك أمر آخر مخفيٌّ في طيات الهيستيريا الإسرائيلية من ملف كاريش؟
نفس تلك الغوغاء أحدثها الذباب الإسرائيلي في بروبغندا مثيرة قبيل توقيع الاتفاق النووي الإيراني، حيث دار المسؤولون الإسرائيليون كالمكوك الحايك على أبواب رؤساء الدول الغربية، يبثون مخاوفهم من أنَّ توقيع الاتفاق سيدرُّ الأموال الطائلة على بيت المال الإيراني الذي ستنفقه على حزب الله وسورية وحماس فيقوي شوكة المحور في وجه إسرائيل!
لماذا تخشى إسرائيل أن يمتلك خصومها المال؟! ،بينما تعلم أن حزب الله لديه القدرة العسكرية القادرة على تهديد وجود وأمن إسرائيل.
علاوةً على ذلك فإنَّ القدرة العسكرية الإيرانية تتعاظم بشكل نوعي غير منتظرةً لا توقيع اتفاق نووي، ولا امتلاكُ سلاحٍ نووي.
إسرائيل تخشى وضوح الرؤيا وانكشاف الحقيقة الكبرى
ربما تكون خشية إسرائيل من وصول المال إلى يد أعدائها إعلاميةً أكثر مقارنةً مع حجم خوفها الكبير من انكشاف الحقيقة الكبرى فماهي هذه الحقيقة؟!.
لم يكن كلاماً إنشائياً ما قاله الأسير الفلسطيني “محمود العارضة” (بطل عملية انتزاع الحرية) أن أسباب تنفيذ عملية انتزاع الحرية من سجن جلبوع وهو “أننا أردنا أن نقول للأمّة أن هذا الوحش وهم من غبار”.
إن بقاء وجود هذا الكيان الغريب عن جسم المنطقة والغير قادر على الانسجام مع هويتها وثقافتها والصغير حجماً وعدداً مقارنةً مع العالم العربي والإسلامي المترامي الأطراف بكثافة سكانية كبيرة قائم على ركن أساسي وهو:
تهويل وتجسيم حجمه وقوته وقدوته وسطوته عبر الإعلام والإيهام، فإن إلقاء الرعب في قلوب الناس من الجيش الإسرائيلي هو أهم أركان وجوده، فيصدّر ظله المرسوم على حائط البراق كأنه وحش كاسر ولكن هذا الوحش ليس إلا ظلّ وهمي.
لذلك يخشى من أن يكسر هيبته توقيع اتفاقية الغاز وانتصار حزب الله الذي تعتبره الأوساط الإعلامية الإسرائيلية “يمس بسيادة إسرائيل”، أو توقيع الاتفاق النووي وانتصار إيران، ويستشيط غضباً حتى يؤدي التنازل الإسرائيلي في ملف كاريش إلى خلافات شديدة في الداخل تصل إلى تراشق الاتهامات بين الأحزاب.
البيت الداخلي الإسرائيلي بدأ يتآكل
لقد كشفت إنجازات محور المقاومة المتتالية منذ الحرب السورية حتى اتفاقية الغاز اليوم الخلل الكبير داخل البيت الداخلي الإسرائيلي وظهرت هشاشته على العلن بعد أن كان يبدو موحداً ومتماسكاً.
ويظهر ذلك من عدم وضوح الموقف اتجاه ملف كاريش، وتأخر الرد الإسرائيلي الرسمي على رسالة لبنان الواضحة في موضوع ترسيم الحدود والتي تراعي مصالح لبنان التي ينشدها حزب الله ويكسر شوكة الغطرسة الإسرائيلية.
ومن ثم اللجوء إلى الإعلام لتمرير رسائل متضاربة بين تهديدات بحرب و الاعتراف بالإخفاق والهزيمة، والتحذير من الحرب.
وهذا يشير إلى حجم التخاصم بين الأحزاب قبيل الانتخابات الذي وصل لدرجة استغلال أهم قضية تمس الأمن القومي الإسرائيلي، فيُقرأ الرفض الإسرائيلي على الإعلام من قبل الحكومة الرسمية لشروط لبنان في ملف ترسيم الحدود وحقل الغاز سحب هذه الورقة الرابحة من حزب “نتنياهو” المعارض، بالإضافة إلى استخدامها كورقة حرب نفسية لتحريك الشارع اللبناني عبر التلويح بالحرب.
والواقع يقول أن إسرائيل ليست على مستوى تشكيل حكومة فضلاً عن فتح جبهة حرب، وذلك لأن مصالح الأحزاب هي التي تتحكم بإسرائيل، وليس مصالح إسرائيل.
قدرة حزب الله على التأثير الدولي
في الجهة المقابلة فإن حزب الله يبدو متماسكاً ويكسب الرأي العام اللبناني لكونه يفكر ويعمل لصالح اللبنانيين خصوصاً بعد معاناة لبنان من الوضع المعيشي والخدمي المتردي بسبب السياسيين الفاسدين وكثرة أيادي التدخل الأجنبي في الشأن اللبناني سواء بشكل مباشر أو عن طريق أبناء السفارات.
فحزب الله استطاع إقناع اللبنانيين أن تمسكه بشروط اتفاق الغاز لصالح لبنان سيعود على البلد بتحسين الواقع الاقتصادي ويلجم أطماع إسرائيل.
ولكن الأهم من ذلك كله أن تمسك حزب الله بشروطه في استخراج الغاز من كاريش أثر على الواقع الدولي، حيث كانت أمريكا تنتظر أن تستبدل مصدر الطاقة من روسيا بحقل كاريش الذي كان من المتوقع له أن يصدر الطاقة إلى أوربا للضغط على روسيا والحفاظ على التفوق الإسرائيلي وبالتالي استجرار المزيد من الدعم والقوة للحفاظ على وجوده وأمنه.