أخبار حلب _ سوريا
في الحياة اليومية نبحث عن الكثير من المستلزمات للعيش فقط دون طلب الترف، ورغم ذلك فإن الحياة تحتاج إلى المال بشكل أو بآخر للاستمرار، لشراء الطعام الشراب الملابس وغيرها من الحاجيات، فهو وسيلة يحتاجها الجميع، ولكن ماذا إذا تحوّلت هذه الوسيلة إلى هدف بحد ذاته!؟
وفي هذا الصدد سنتعرف على ما يعرف بالصحة المالية؛ وهي التي يتم فيها تلبية الاحتياجات المتعلقة بالمال بشكل كامل الآن وفي وقت لاحق من الحياة، فإذا كان الشخص في حالة جيدة من الناحية المالية، فإنه يشعر بالأمان بشأن المستقبل المالي، ولا يشعر بالتوتر المفرط بشأن المال ويمكنه الاستمتاع بالحياة بشكل مريح، وفي الحالة المعاكسة، قد يصاب الشخص بالتوتر والقلق، يعمل علم النفس البشري والصحة المالية معاً في دورة واحدة، إذا كان أحدهما غير جيد، فعادة ما يؤثر ذلك على الآخر.
كما أنها تعرف بحالة التمتع بصحة مالية جيدة، بغض النظر عن مستوى الدخل، أي الحفاظ على نسبة الدخل إلى النفقات، والقدرة على اتخاذ قرارات مالية حكيمة، وحالة التأهب لمواجهة النفقات المفاجئة، ويشير هذا المفهوم إلى القدرة على التخطيط لنمط حياة حر وآمن للمستقبل من خلال إدارة الأصول والديون بطريقة صحية مع تنفيذ المسؤوليات المالية.
من أجل التمتع بصحة مالية جيدة، من الضروري البدء بإبداء الملاحظات المالية الشخصية، يتطلب الوعي الذي توفره الملاحظة أن يضع الشخص لنفسه أهدافاً قصيرة أو طويلة الأجل، وبعد اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، يجب البدء في عملية الملاحظة مرة أخرى ومتابعة المسافة التي تم قطعها، وسيساهم التقدم بما يتماشى مع هذه الخطوات في تحقيق أهداف الشخص، الشيء المهم في هذه العملية هو مواصلة هذه المراحل بشكل حاسم وإدارة الصحة المالية بوعي.
تأثير المال على النفس…
هناك علاقة كبيرة بين المال والنفس، فوفقاً للأبحاث التي أجراها الخبراء، تبين أن التوتر الناجم عن المشاكل المالية يستمر لفترة طويلة وأن المشاكل المالية هي أهم مصدر للتوتر بالنسبة لمعظم الناس، ويمكن أن يؤدي تدني الصحة المالية ومحو الأميّة الماليّة إلى ارتفاع الضغط المالي، وكما هو الحال مع الأمور المجهدة الأخرى في الحياة، يمكن لهذا النوع من الضغط النفسي أن يجعلك قلقاً ومكتئباً.
كما قال العديد من الأشخاص الذين لديهم تاريخ من اعتلال الصحة العقلية أن الصعوبات المالية تجعل حالتهم النفسية أسوأ ووفقاً لإحدى الدراسات، فإن الغالبية العظمى من الناس تتدهور صحتهم المالية نتيجة لتدهور حالتهم النفسية، وفي حالات مثل عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الطعام أو التدفئة، يمكن أن تتأثر نفسية الشخص سلباً، وهذا يزيد من صعوبة التعافي من اضطرابات الصحة النفسية، وقد وجد الخبراء أن الأشخاص الذين يعانون من صعوبات مالية خطيرة هم أكثر عرضة للتفكير في الانتحار بثلاثة أضعاف.
السعادة والمال…
المال قد يكون أحد أسباب السعادة ولكنه ليس السبب الوحيد، وبحسب أخصائية علم النفس “لوتسيا سليمانوفا” فإذا كان المال يحدد سعادة الإنسان، فيجب أن ندرك أن شعورنا باللذة يحدده هرمون الدوبامين، وهذا الهرمون للأسف يتوقف الجسم عن إنتاجه سريعاً بسبب التحفيزات المعتادة، إذا كان الشخص مرتاحاً ومعجباً بعمله ومسكنه وطعامه الذي يشتريه، وأما الأشخاص الذين يعتمدون على هرمون الدوبامين، فدائماً يريدون أكثر وأفضل، وبعد فترة زمنية، يرغب هؤلاء بالانتقال إلى مستوى آخر من الرضا عن الحياة.
وإضافة لذلك فإن المال يساهم في تعزيز العلاقات الاقتصاديّة التي تربط بين الأفراد؛ من خلال الاعتماد على دوره المؤثر، كما أنه يساهم في الرضا عن الحياة وجودة الحياة وتعديل السلوك وتربية النفس ويعمل كمطهّر نفسي وجسدي؛ وقد جاء في القرآن قوله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{، تطهّر الإنسان من الانفعالات السلبية وبالتالي أخطائه وتجعله مخلصاً وملتزماً
مرض حب المال..
يصاب بعض الأثرياء ب”الأفلونزا” أو حب المال، (Affluenza)، وهو مرض نفسي يصيب الأثرياء، وهي كلمة مركبة من affluence، أي الثراء، وinfluenza أي نزلة البرد، ويستخدمها نقاد النزعة الاستهلاكية بشكل شائع، ويعتقد أنه تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة في عام 1954، ولكنه أصبح شائعاً بعد أن ظهر في عام 1997 في فيلم وثائقي تحول إلى كتاب تحت عنوان “الأفلونزا.. وباء يستهلك الجميع”.
ويعرّف الفيلم الوثائقي “الأفلونزا” بأنها حالة مؤلمة ومعدية تنتقل بين أفراد المجتمع، تشمل مشاعر القلق والهوس في جمع المال والاقتراض وإهداره، مع السعي الدؤوب نحو المزيد، كما يتم استخدام مصطلح “الإفلونزا” للإشارة إلى عدم قدرة الفرد على فهم عواقب تصرفاته بسبب الامتياز المالي الذي يتمتع به.
ولتسليط الضوء على انتشار “الأفلونزا” في المجتمعات ذات المستويات المتفاوتة من عدم المساواة، تم إجراء مقابلات مع أشخاص في عدة مدن، من بينها سيدني وسنغافورة وأوكلاند وموسكو وشانجهاي وكوبنهاجن ونيويورك، وخلُص إلى أن ارتفاع معدلات الاضطرابات العقلية كان نتيجة الإفراط في البحث عن الثروة في الدول الاستهلاكية.
ختاماً…
إن نقص الموارد يعزز الذكاء العاطفي، وامتلاك المزيد من الموارد يمكن أن يؤدي إلى سلوك سيء في حد ذات، لذلك يجب عدم السعي لجعل المال هدفاً بذاته، بل يبقى وسيلة نصل بها إلى احتياجاتنا، كما أن السعادة الحقيقية ليست بالمال إنما بوجود نعم متعددة كالزواج الصالح والولد البار والرزق المبارك ومحبة الناس وزوال الحقد والحسد والقناعة بما وهبه الله لنا فمن أراد أن يمتلك كل شيء فقد كل شيء.
تابعنا عبر منصاتنا :