بعد صراع طويل ومنافسات حادة على السلطة، وعودة “ترامب” إلى كرسي الرئاسة بعد فوزه على “هاريس”، بدأت الأحاديث تتناقل عن الفشل الذي وصلت أمريكا إليه في عهد “بايدن” وماذا سيحصل لأمريكا في عهد “ترامب”، إضافة للحديث عن مستفيدين ومتضررين، وبالطبع فإن أياً كان مستلم الرئاسة ولأي دولة فإن هناك مستفيد من وجود رئيس معين أو متضرر، لكن مع دولة كبرى مثل أمريكا، فالأحاديث تتركز أكثر، خاصةً مع “ترامب” الذي كان له تجارب سابقة في الرئاسة الأمريكية، والتي شهدت الكثير من الإجرام والإساءة للكثير من الدول.
وعلى وجه الخصوص، فالسؤال يكمن بمن هم أكثر المتضررين من انتخاب “دونالد ترامب”؟!!
لقد بينت صحيفة “الوطن” عبر مقال نشرته على موقعها الإلكتروني أن المتضرر الأول هو رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتنياهو”، وقد جاء فيه أنه في زاوية الأسبوع الماضي، تبيّن أن ما يريده “نتنياهو” هو فوز “كاميلا هاريس” بعكس ما يُشاع عن تفضيلهِ ل”دونالد ترامب”، وذلك لأن نجاحها ببساطة امتداد لسياسة الدعم غير المحدود لاستمرار الحرب على لبنان وغزة، وهناك من رأى بهذهِ المقاربة نوعاً من الابتعاد عن الواقع الذي يتجاهل الصداقة التي تربط “نتنياهو” ب”دونالد ترامب”.
وقد أخذت التصريحات الإعلامية ل”هاريس” خلال جولاتها الانتخابية البعض؛ بما فيها قولها ل”نتنياهو” مباشرةً: “لن أسكت عن معاناة الفلسطينيين في غزة”، لكن من الواضح بأن هذه التصريحات كانت للاستهلاك الانتخابي بما فيها ضمان أصوات المنحدرين من أصولٍ عربية أو مسلمة، من دون أن ننسى بأن هذا التصريح شابههُ مئات التصريحات للإدارة المنصرفة عن “عدم السكوت على المجازر المرتكبة” وماذا كانت النتيجة؟ لا شيء غير الدعم اللامحدود سياسياً وعسكرياً لآلة الإجرام الإسرائيلية.
وإضافة لذلك أوضح المقال أن العلاقة بين “نتنياهو” و”ترامب” مثلها مثل أي علاقة لرئيس وزراء إسرائيلي برئيس أمريكي فرضتها بعض المصالح خلال ولاية “ترامب” السابقة بما فيها بحثهُ عن ولاية جديدة، أما اليوم فالوضع مختلف لأن “ترامب” يقيس الأمور بمقياس التاجر لا السياسي، وبهذا المقياس يبدو بأنه سيحاول الفصل بين دعم الكيان الصهيوني الذي لا نقاش فيهِ بما في ذلك تحقيق شرطَي انسحاب المقاومة اللبنانية شمال الليطاني، وقطاع غزة من دون الجناح العسكري لحماس، ودعم “نتنياهو” شخصياً، إذ لا يبدو “ترامب” مضطراً لتحمل تبعات ما يعانيهِ “نتنياهو” كشخص منبوذ متهم بجرائمِ حرب، تحديداً لأن الخلافات الداخلية الصهيونية ومن بينها إقالة وزير الحرب “يواف غالانت”، بدت أكثر من أي وقتٍ مضى علامة على أن “نتنياهو” بدأ يتحول إلى شخص ميؤوس من إنقاذهِ سياسياً.
ولم يكن “نتنياهو” هو المتضرر الوحيد في فوز “ترامب” فقد كان لأوكرانيا حصة واضحة في التضرر، حيث ذكر المقال أن “فلوديمير زيلينسكي” وقارة العجز، مؤكداً أنه في الحقيقة، عند الحديث عن الرئيس الأوكراني “زيلنسكي” فهذا يعني كل من تورط أوروبياً في الحرب الروسيةـ الأوكرانية، هذهِ الحرب التي عارضَها “ترامب” بشدة منذ انطلاقتها، وعارضَ الدعم غير المحدود الذي تتلقاه كييف لأجل استمرار إشغال الروس بها يبدو بأنها ستكون أحد أهم الملفات على طاولة “ترامب” اعتباراً من العشرين من كانون الثاني القادم، مع العلم بأن الجانب الروسي ما زال حذراً من الخطوات التالية ل”ترامب” في هذا الملف، وهذا في الإطار الدبلوماسي يبدو مفهوماً بأنه قد يكون سببه عدم إحراج الروس ل”ترامب”، ففي الولاية السابقة له هناك من استخدم مساعيه لتوطيد العلاقة مع الروس ضده ووصفوه بـ”التابع لبوتين”، بل إن الرئيس الروسي قالها صراحةً قبل الانتخابات بأنهُ يفضِّل “بايدن” لأن ردّات فعله تبدو مقروءة!
وقد شدد على أن الجانب الأوروبي، وتحديداً فرنسا وألمانيا، فقد يجدون أنفسهم وحيدين في مواجهةِ حربٍ دخلوها وتورطوا بها من دون قراءة واقعية لتبعاتها، لأن إعلان “ترامب” التوقف عن دعم الجانب الأوكراني ولو جزئياً هذا يعني القبول الأوروبي بشروط إنهاء الحرب الروسية أو بقاءهم كداعمٍ وحيد، ما يعني دخول أوروبا في المجهول، تحديداً مع الواقع الاقتصادي الصعب، مبيناً أن هذا الواقع يزداد سوءاً في الكثير من الدول، في حين يصر “ترامب” على فكرته بأن الدعم اللامحدود للرئيس “زيلينسكي” سيتوقف، هذا عدا المراجعات الاقتصادية التي أجراها “ترامب” للكثير من الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بما فيها التجارية والتي كانت سبباً لتقليص انفتاح السوق الأميركية في وجه البضائع الأوروبية، مع ذلك مازال المسؤولون الأوروبيون ومنذ انتخاب “ترامب” يكررون العبارة الساذجة ذاتها: “أياً كان الفائز سنبقى ندافع عن قيمنا! من دون أن يشرحوا لنا ماذا تبقى من هذهِ القيم”؟!
ختاماً..
إن كل التوقعات عمّا يجري في أمريكا والتصريحات الملغومة خاصة من أمريكا لا تجعلنا نجلس على بقعة جافة خالية من سموم غربية معجونة بمصالح غربية صهيونية مشتركة، إذا لم يكن هناك فعل واضح من الإدارة الأمريكية لكل التصريحات التي سبقت الانتخابات فلا يمكن أن يكون هناك مأمن، ف”ترامب” الذي يريد وقف الدعم الأوكراني، وعدم انحيازه ل”نتنياهو”، كانت إدارته وحشية من عدة اتجاهات، وإحداها قانون قيصر الظالم الذي فرضه “ترامب” على سوريا، لذلك فإن الدناسة الأمريكية لا أمان لها رغم اختلاف الرؤساء، والأكاذيب المحكية على منابر الانتخابات ليست إلا إبر مخدرة من أجل الوصول إلى الحكم لا أكثر