على أعتاب ذكرى ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتي أعلن فيها الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما أسماه بـ “أسبوع الوحدة الإسلامية” والذي يمتد من 12 حتى 17 ربيع الأول أشهر تاريخي ولادة معتمدان عند المسلمين من أهل السنة والشيعة، داعياً فيه إلى الوحدة بين المسلمين، وتمتين أواصر التراحم والتعاون بينهم.
لقد استطاع الإسلام أن يُحدث ثورة تُخرج النَّاس من بودقة الهزيمة والضغف ويرسّخ ثقتهم واعتزازهم بدينهم، كما استطاع أن يؤسّس نظاماً يتمتع بالاستقرار والثبات، ولذلك ترى دول الاستكبار التي تعتمد سياسة الهيمنة والاستعباد تبدي حساسية شديدة تجاه دين الإسلام.
وباعتبار الوحدة الإسلامية السبيل الوحيد لتحقيق مقاصد الإسلام في رفع شأن الأمة الإسلامية والحفاظ على قوتها، فقد حظيت الوحدة بالاهتمام والسعي من قبل المُفكرين الإسلاميين، حيث توجهوا إليها من منطلق فكري عقائدي وسياسي، وكانت ولاتزال الوحدة واتحاد المسلمين موضع اهتمام الباحثين في قضايا الأمة بدافع التصدي للمخاطر والتهديدات التي تواجه الإسلام والمسلمين، إذ أن بمقدورها إحياء روحية النضال والتضحية والفداء والشهامة لدى المسلمين.
وبالنظر إلى تعريف الوحدة، فنجد أنَّ الوحدة والاتحاد كلاهما يجسدان “التوحد”، “الشكل الواحد”، “التضامن”، من اجل الوصول إلى هدف واحد.
مفهوم الوحدة في القرآن الكريم
ويشير القرآن الكريم إلى مفهوم الوحدة كضرورة حتمية، في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا) [آل عمران:103].
يعتبر هذا النوع من الوحدة، ذات بعد سياسي، وينبغي الاهتمام به بدافع التصدي للقوى الظالمة وتحقيق العدالة في العالم وأنه إذا أراد العالم التخلص من شرّ الفساد، فلا بد من تعاضد المستضعفين جميعاً ووضع أيديهم على أيدي بعض والعمل معاً على تقويض قدرات المفسدين في بلدانهم وحكوماتهم وإذا ما أراد المستضعفون في العالم أن يحيوا حياة حرة كريمة لا بد لهم من الاتحاد والتكاتف فيما بينهم.
الوحدة سبيل الحضارة المنشودة
إن الوحدة هي عنصر أساسي في عمارة الأرض والازدهار والتقدم والمضي قدماً بمسيرة التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية والنجاح والموفقية في مختلف ميادين الحياة.
كما أن صيانة الدولة الإسلامية وازدهارها واتساع دائرتها، ورسوخ قيمها، لا يتحقق إلا في ظل الوحدة والاتحاد.
الوحدة قيمة إنسانية وضرورة فطرية
تعد قضية “الوحدة” بمفهومها المطلق إحدى القيم الإنسانية الراقية، وهي ضرورة فطرية وعقلية وشرعية وسياسية واجتماعية، ومن أولى مقومات المجتمع والحضارة الإنسانية.
فليس أمام الإنسان إلا السعي لها من أجل استمرار الحياة الاجتماعية، ومن أجل تحقيق الحياة السعيدة المنشودة.
لذلك كانت الوحدة هدفاً أساسياً لكافة الأنبياء وأئمة المسلمين و المصلحين من بني الإنسان.
التفرقة عامل ضعف وانحطاط وهزيمة
من جانبٍ آخر ، تعتبر التفرقة والتشتت من أبرز عوامل انحطاط المجتمعات وضعفها وتخلفها وهزيمتها، وهو أمر نرى له في التاريخ أمثلة كثيرة وصور عديدة .
وفي عصرنا الحاضر شهد العالم الإسلامي العديد من الاختلافات المدمرة نتيجة لمؤامرات غربيّة وعوامل عديدة أخرى، مما مهّد الأرضية لهجوم أعداء الأمة الإسلامية، حيث شكّلت الاختلافات والتفرقة تهديداً حقيقياً للعالم الإسلامي ولكل مجتمع من مجتمعاته.
شروط الوحدة من منظور إسلامي
إن شروط الوحدة الإسلامية موجودة ومتوفرة في شريعتنا وحياتنا، وحاضرة في كل زمان ومكان إلا أنها تتطلب وجود شرط النضال الوحدوي، وهذا الشرط محكوم إلى إرادة الأمة الإسلامية، إلا أن هذه الإرادة ليست على وتيرة واحدة، فهي مرة قوية ومهاجِمة. ومرة ثانية ضعيفة ومهاجَمة.
إن الوحدة الإسلامية المنشودة هي التي تكمن فيها الشروط الموضوعية والذاتية لممارسة دورها الحضاري، فهي ثورة على التشويه الحاصل للمبادئ والعقائد، وتغيير للواقع وكشف للقوى الحبيسة والنظرة السليمة.
وحدة تقتضي المحبّة والموالاة والتعاون والتآزر لإقامة الدّين والتّمكين له، وتقتضي فوق هذا وذاك غضّ الطّرف عن تلك الشّذوذات التي تهدّ بنيان الإسلام من أساسه، ويرون أنّ إنكارها وزجرَ أصحابها هو تفريقٌ للأمّة المسلمة!
متناسين أنّ هذه الأمّة ما حازت الخيرية إلا بالتوحيد والوحدة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
عوائق وموانع الوحدة
لقد كانت ولازالت الوحدة مُستهدفة من قبل الغرب والإمبريالية الأمريكية، وتراها أشبه برحى المعركة التي يدور حولها الصراع الحضاري، بين الإمبريالية العالمية والصهيونية والشعب الإسلامي، وضعت لها عوائق وموانع يمكن تلخيصها بما يلي :
سياسة الاستكبار العالمي المعتمدة على سياسة فرق تسد وهي سياسة قديمة جداً
إن تغذية الاستكبار لسياسة التفرقة وتنميتها وتطورها بشكل وصلت إلى فتاوى التكفير الوهابي والتفجيرات الظالمة وظهور ما يسمى بالقاعدة والحركات الإرهابية ودعم الحكومات الدكتاتورية لها وفتح المكاتب لها ومساعدتها رغم أنها سند كبير للصهيونية وإسرائيل، ما هي إلا ثمرات الاستكبار والمخابرات الدولية ومساعدة الحكومات البغيضة، وأفراخهم من القاعدة وغيرهم ممن رفعوا شعار الإسلام والجهاد كذباً وزوراً وهم يعملون لصالح خدمة أهداف إسرائيل في إضعاف الأمة الإسلامية.
الخوف من الإسلام
وهذا العامل الآخر من العوامل الخارجية حيث أن دول الاستكبار الغربية تحسب للإسلام ألف حساب وتخاف منه بشدة لما عُرف عنه وعن تاريخه.
وأن مجيء الإسلام كقوة عظمى يعني نهاية الغرب لا محال وإلقائه بالجحيم إذا ما بقي على هذه السياسة، وكذلك دعمها لسياسات الفساد ومساعدة الظلمة والعملاء والازدواجية باتخاذ القرارات كما نشاهد الآن في مواقف الغرب من حركات التحرير في البحرين وحزب الله في لبنان وفي فلسطين والفلبين.
وفي شمال أفريقيا وآسيا وغيرها، حيث يعتبرون الفلسطيني إرهابي والإسرائيلي مظلوم يناصره بذلك العملاء الأرجاس، وحزب الله حركة إرهابية ضد الشعوب، بينما إسرائيل الغاصبة دولة الحرية والديمقراطية!.
تاريخ غابر وسياسات سالفة
حيث بقيت آثارها حتى اليوم حين سيطرت على بلاد المسلمين وباسم الإسلام وفتكت بالمسلمين أي فتك وفرقت وبثت العداوات وقلبت المذاهب وبدلت وغيرت بالقوة والحديد والقتل والإرهاب وسقط الشهداء وترملت النساء وتيتم الأطفال وانتهكت الحرمات.
كما حدث في سيطرة الدولة العثمانية التي كانت فترتها فترة مظلمة سوداء استمرت ما ينيف على الأربع قرون، وقبلهم المغول وقبلهم الأيوبيون والصليبيون، حيث سياسة التفريق وقتل كل من لا يتبع مذاهبهم وهناك الشهداء الكبار الذين سقطوا على أيديهم سواء في أسقاط الحكومات الفاطمية وحرق الكتب والتراث الإسلامي.
الاستعمار الحديث (السيطرة بالتجزئة)
وفي بدايات العصر الحديث لاحظنا أن سياسة الاستعمار في المنطقة تقوم على التجزئة والتفرقة وإضعاف وهدم كل عوامل الوحدة، إذ وضعتها أمريكا استراتيجيةً لها منذ حربها على العراق عام 2003م، لإعادة هيكلة دول المنطقة، وتحويلها إلى كيانات صغيرة هزيلة متناثرة قائمة على أُسس طائفية، وعرقية، ومذهبية، ودينية، وعنصرية وعشائرية، لإزالة أي تهديد للكيان الصهيوني الغاصب في المنطقة، واستنزاف ثرواتها وتسخير قدراتها الاقتصادية والنفطية.
أسس ووسائل تفعيل الوحدة
ولدى الوحدة الإسلامية أسس لابد من تحقيقها لتوحيد الأمة الإسلامية وهي وإن كانت شرطاً في تحقيق إيمان المسلم فلا يكون مسلماً بدونها فإنها شرط في تحقيق الأمة واجتماع كلمتها كذلك.
ولكن هذه الأسس قد تعرضت للفساد والانحراف واختفت أو تشوهت في كثير من المجتمعات الإسلامية فكان لابد من إظهار ما اختفى منها وتصحيح ما تشوه.
وهذا أمر يحتاج إلى وسائل متعددة وجهود مكثفة للقيام بذلك الدور ورعايته في المجتمعات الإسلامية، ومن تلك الوسائل:
- التعليم الموجه: إن عدم تصحيح التعليم لمناهجه وتوجيه أبنائه إلى الغاية الصحيحة في جميع بلاد المسلمين يبقى عائقاً دون توحيد المفاهيم والتصورات والموازين التي لا تكاد تلتقي على أمر واحد في بلاد المسلمين، حيث إلى اليوم لا زالت منهجية التعليم تسير وفق المخططات التي رسمها لها أعداء الإسلام.
- الإعلام الملتزم: ونعني به أن يكون الإعلام في بلاد المسلمين بكل أنواعه المسموعة والمرئية والمقروءة إعلاماً هادفاً له رسالة يسعى لتحقيقها من خلال ما يبثه أو يكتبه، وتلك الرسالة هي: “تحقيق العبودية لله في أرضه” وهي الغاية التي من أجلها خلق الإنسان ويعمل لها المسلمون بكل طبقاتهم.
- الاقتصاد المستقل والاكتفاء الذاتي :
فالاقتصاد جانب مهم في حياة المجتمع والعناية به أمر مطلوب شرعاً ولا بد للأمة وهي تحاول العودة إلى دينها ووحدتها العمل على اكتفائها بإنتاجها، وذلك من أقوى الوسائل لاستقلالها وقوتها وبالتالي لوحدتها واجتماعها إذ أن انقسام الأمة إلى أجزاء تابعة للبلدان المصنعة لن يمكنها من توحيد صفوفها ولا استقلالها، فلابد من إيجاد اقتصاد إسلامي ليس مرتبطاً بأي نظام آخر لئلا يبقى بين الأمة فجوات تحول دون وحدتها.
ويتم ذلك بإيجاد أسواق مشتركة وعملة موحدة وهيئة اقتصادية تشرف على ذلكم الاقتصاد الإسلامي المستقل، وبهذا تستقل عن التبعية الاقتصادية الضارة وتقيم لها وحدة اقتصادية قوية على أسس إسلامية.
- إيجاد مراكز علمية: بحيث تكون متخصصة في كل جوانب الحياة تكون مهمتها التخطيط الدقيق والدراسة المتأنية لتحديد الوسائل والضوابط لتحقيق الأهداف.
كذلك إيجاد هيئات استشارية وتخطيطية تشترك فيها جميع البلدان الإسلامية تضم في داخلها كفاءات علمية من أبناء الأمة الذين يؤمنون بعقيدتها ويسعون إلى تحقيق أهدافها.
وبهذا كله يمكن للأمة أن تجمع شملها وتتحد كلمتها وتتحقق لها مكانتها التي أرادها الله لها عز وجل ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وما ذلك على الله بعزيز.
الخلاصة.
إنّ الاتحاد بين الشعوب الإسلامية ومعنى أن تتحد الشعوب المسلمة هو أن تتخذ موقفاً موحداً فيما يخصّ مجريات ومسائل العالم الإسلامي، وأن تتعاون فيما بينها، ولا تهدر ثرواتها في فتن وصراعات داخلية.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نعتبر شخصية الرسول الأعظم المحور الأساس للوحدة، ولذا ينبغي على المسلمين خاصة مثقّفيهم أن يتمحوروا حول شخصية وتعاليم هذا الرمز الكبير والحبّ والولاء له.