اختلفت آراء المتابعين حول مدى نجاح عملية سجن جلبوع التي عُرفت باسم “نفق الحرية”.
فبعضهم رأى أن عملية سجن جلبوع لم تحقق نجاحاً يُذكر، حيث انتهت بإلقاء القبض على الأسرى الستة الذين أمضوا سنوات حياتهم في حفر النفق بملاعق الطعام.
ولكن السؤال الوحيد الذي يمكننا من خلاله تقييم عملية نفق الحرية هو: ماهي الأهداف التي وضعها منفذو العملية نصب أعينهم؟ وهل تحققت الأهداف؟
لقد حملت تصريحات الأسرى بعد إعادة اعتقالهم في طياتها توحي بأن أهداف هذه العملية لم تكن الهروب والخلاص من السجن فحسب ويعتبر التصريح الأهم والذي كشف أسباب قيام الأسرى بتنفيذ هذه العملية هو ما قاله الأسير محمود العارضة “أردنا أن نقول للأمّة أن هذا الوحش وهمٌ من غبار”.
كيف تفجرت أنفاق أخرى في وجه إسرائيل بعد نفق الحرية ؟
بالرغم من العمل الإعلامي الدقيق للإعلام الإسرائيلي من أجل تفريغ عملية نفق الحرية من سرديته التي تحرك دوافع التمرد والثورة لدى الشعب الفلسطيني، إلا أن الوقائع في الداخل الفلسطيني تشير أن العملية حققت أهدافها.
حيث بدأت حالات التمرد بمختلف أشكالها تنتقل من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون إلى العمليات الفدائية التي أخذت شكلاً متطوراً وانتقلت من العشوائية إلى المنظمة حتى انتهت بتشكيل خلية “عرين الأسود” التي باتت شبحاً يهدد الأمن الإسرائيلي ليس فقط في جنين بل وفي نابلس والضفة والقدس وأراضي 48 المحصنة إسرائيلياً.
تمرد الأسرى بعد نفق الحرية
حيث تحدثت وزارة الأسرى والمحررين في غزة في شهر آب الماضي أنَّ الأوضاع في السجون الإسرائيلية تشير إلى مرحلة الغليان الشديد الذي قد ينذر بالانفجار الشديد في أي وقت.
فقد ارتفعت وتيرة العصيان والتمرد داخل السجون بعد عملية سجن جلبوع وبدأ حوالي 1000 أسير فلسطيني يلوحون بالإضراب الجماعي المفتوح تحت شعار “مُوحّدون في وجه السجّان”.
كذلك دعت لجنة الطوارئ العليا للأسرى المؤلفة من جميع الفصائل إلى تخصيص خطب الجمعة للحديث عن أسرى الحرية، والخروج إلى نقاط التماس مع المحتل في محافظات الوطن كافة.
العمليات الفدائية التي تفوقت على سيناريوهات هوليود!
تمتعت جنين بخصوصية كونها حاضنة العمل المقاوم، وتمتاز بغياب أي تواجد أو نفوذ لأجهزت السلطة الفلسطينية أو استخبارات الأجهزة الأمنية، ما جعلها عصية على دخول قوات الجيش الإسرائيلي واستمرارية بقاؤه داخل المخيم رغم الاقتحامات المتكررة.
ولكن الذي جرى بعد عملية أنفاق الحرية أن جنين أصبحت بؤرة لعمليات فدائية تحدث في أماكن مختلفة لا يتوقعها الإسرائيلي، فشكلت هذه العمليات أنفاقاً من نوع آخر تزلق قدم القبضة الأمنية الإسرائيلية والمستوطنين في وادي الهلع،حيث تتزايد وتنتشر يوماً بعد يوم.
وقد انتقلت جنين كحالة متفرد من خزان العمل المقاوم لتلحق بها نابلس وربما تذهب تدحرج قوة العمليات المقاومة لتضم مناطق أخرى تنفصل بكاملها عن السلطة الأمنية.
السردية في مقابل الحرب النفسية
اعتمدت الترسانة الإعلامية في إسرائيل حرباً نفسية ممنهجة لتخفيف وطأة التمرد أو إيقاف دومينو العمليات الفدائية في الداخل.
فبدأت منذ عملية سجن جلبوع بإطلاق إشاعات أن الفلسطينيون هم من قاموا بمساعدة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للقبض على الأسرى الستة أبطال العملية، وتستمر في محاولة تفريغ الاحتقان من خلال نشر الخوف المشفوع بحملة الاعتقالات الواسعة لتضبط الوضع خشية حدوث انتفاضة تنطلق من الضفة الغربية إلى باقي المناطق، والتي كثرت التخوفات من حدوثها في تصريحات عبر عنها بقلق السياسيون والإعلاميون في إسرائيل.
إلا أن شكل العمليات الفدائية التي صنع منفذوها سيناريوهات مدهشة فاقت خيال هوليود حطمت بسرديتها حواجز الحرب النفسية فانتشرت العدوى كالنار في الهشيم.
فبعد عملية بني براك التي نفذها الاستشهادي ضياء حمارشة، والتي أدت إلى مقتل 5 إسرائيليين وجرح آخرين، وزع الفلسطينيون الحلوى فرحاً وتيمناً بهذه العملية، وانتقلت إلى عمليات أخرى في بئر السبع وغور الأردن والخضيرة، إلى عملية رعد فتحي البطولية وليس انتهاءً بالعملية البطولية الساحقة للشهيد عدي التميمي الذي نفذها بسيناريو فخم جداً مسطراً سردية محفورة في ذاكرة النضال الفلسطيني.
ومن المعلوم أن أهمية صناعة السردية تكمن في تحريك دوافع التمرد وإعادة شحن مكامن القوة بمفاهيم وقيم التضحية والشهادة التي تصنع الثورة والانتفاضة.
فبينما يقدم الفلسطينيون هكذا نوع من السرديات المنشطة لحركة العمل الفدائي والانتفاضة الشعبية العارمة، يظهر الإسرائيلي في عيون المستوطنين بشكل البائس اليائس المنهزم على كل الأصعدة، فلا وحدة الساحات صنعت نصراً، وزاد عليه توقيع اتفاق حقل كاريش الذي كشف عورة الخلافات الداخلية المتفاقمة داخل البيت الإسرائيلي، ولا الجندي الإسرائيلي أو المستوطن يملك من الاديولوجيا ما تجعله يفكر بمنطق مختلف عن مصالحه الشخصية الفردية.
الخلاصة
بما أن الفلسطينيون استطاعوا أن يفرضوا معادلة جديدة بدمائهم ويحولوا كامل الأراضي الفلسطينية من جنين إلى الضفة ونابلس والخليل إلى منطقة لا تحقق للمستوطن الإسرائيلي أمنه ومصالحه ورفاهيته فستتحول فلسطين من أرض ميعاد مزعومة في أوهام الإسرائيلي إلى منطقة جحيم تهدد أمنه ووجوده.