بعد أن تمت المصادقة على الدين الجديد بتوقيع مهرته الإمارات والبحرين مع إسرائيل برعاية أمريكا منذ عامين، جاء المونديال باعتباره أضخم حدث عالمي كفرصة لجني ثمار المليارات التي ضُخت في شريان هذا الاختراع الغريب كي ينبض بالحياة، ولكن ما حدث لم يكن في الحسبان!
أقنعت إسرائيل مستوطنيها بأنها قادرة على إخراج نفسها من عزلتها في الشرق الأوسط، من خلال اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والسعودية.
لا فائدة من ابراهام رغم تكاليف دعمه الباهظة!
لم تكن غاية هذا التطبيع اتفاقيات شراء أسلحة أو تحالف ناتو شرق أوسطي أو تحليق أول طائرة إسرائيلية في سماء المملكة العربية السعودية، إنما كانت الغاية من كل ذلك هو جعل العلاقة بين إسرائيل وشعوب المنطقة علاقة طبيعية أي تقبل وجودهم والتعامل معهم بالحد الأدنى.
كانت الجهود على المستوى الثقافي توازي ما بذل سياسياً وعسكرياً لإنجاح هذا المشروع.
فالتمهيد لدين جديد يدعى ابراهام يصهر كل الأديان في دين واحد نبيه إبراهيم عليه السلام فكرة ليست من السهل ترسيخها ومحو الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية).
حيث بدأ العمل من إغراق المنطقة بصراعات وإلباسها لبوساً دينياً وطائفياً، إلى هدم التراث العربي والآثار التي تثبت معالم المنطقة وهويتها الثقافية كما حصل في سورية والعراق، وعولمة نمط الحياة والثقافة على طريقة الهوية الأمريكية والغربية كانت كلها مقدمات لدخول شعوب المنطقة في الدين الجديد (ابراهام)، ولكن ما حدث في المونديال صدم الجميع!
الذاكرة تقاوم المخرز!
انتظر الإسرائيليون مناسبة كأس العالم بفارغ الصبر، حيث بدأت رحلاتهم تنطلق باتجاه قطر لتغطية هذا الحدث الكبير، معتقدين أن العالم العربي نسي تاريخهم الأسود، وأن ابراهام استطاع أن يرقع لهم ثوب حضور هذا المحفل الكبير، ولكنهم مع أول احتكاك لهم مع الجمهور العربي فهموا أن 70 عاماً ليست كافية لتغيير اسم فلسطين المحفور في هذه الأرض قبل ولادة التاريخ، ولا ملايين الأعوام سيغير من قدر هذه البلاد التي قُدر لها أن تكون فلسطين.
فمن لم يستطع أن يفرض وجوده بالحرب والدمار والحصار والتهجير والتقتيل والتشريد والأسر، لا يمكنه أن يصنع أي انجاز بالتحريف الثقافي، فالذاكرة تقاوم المخرز.
خيبة أمل على موقع “i24news” العبري!
تحدث الموقع الإسرائيلي “i24news”، عن خيبة أمله من المونديال، فقد أفاد أن “عدة قنوات إسرائيلية قالت لوكالة “رويترز” إنّ من طُلب إليهم من الجمهور إجراء مقابلات أداروا ظهورهم، أو رفضوا، أو صرخوا “فلسطين”، ولفّوا الأعلام على أكتافهم”.
وأنهم تجنبوا المراسلين الإسرائيليين في خطوة اعتبرها توضح التحديات الكامنة في وجه جعل العلاقات دافئةً بين الخليج وتل أبيب”.
بينما أوضح الموقع خيبة أمل المسؤولين الإسرائيليين الذين أعربوا عن أملهم في أن تؤدي اتفاقيات “أبراهام”، التي توسطت فيها الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، في عام 2020، وبعد ذلك مع السودان والمغرب، إلى مزيدٍ من التطبيع، بما في ذلك مع المملكة العربية السعودية، التي لها ثقلها في المنطقة”.
وأشار أنه: “على الرغم من عدم تأهل إسرائيل لكأس العالم، فإنها عزّزت آمالها بشأن أن يؤدي وجود ما يقدر بـين 10000 و20000 إسرائيلي في هذا الحدث إلى تعزيز العلاقات”.
بينما قال موفد “القناة 12” الإسرائيلية الخاص بتغطية المونديال في قطر أنّ: “وجودنا هنا مع شعار إسرائيلي وكتابة بالعبرية وحديثنا بالعبرية له مغزى إشكالي جداً بالنسبة لجزء من الأشخاص هنا، حيث هناك الكثير من المحاولات للكثير من الأشخاص هنا من كل الأماكن في العالم العربي للخروج ضدنا لأننا نمثل التطبيع”.
وبينما لعبت الحكومة السعوديّة دوراً بارزاً في التحول باتجاه التطبيع وفرضه كأمر واقع على الشعب السعودي إلا أن السعوديّون في مباراتهم مع بولندا، رفعوا العلم الفلسطيني على مُدرّجاتهم، ورفضوا التحدّث مع مُراسل القناة الإسرائيليّة، مؤكدين للمراسل الإسرائيلي أنه لا يُوجد شيء اسمه إسرائيل، بل فلسطين فقط.
الخلاصة
من بين كل المباريات والمنافسات التي جرت في كأس العالم إلا أن المنافسة الأكبر كانت بين القضية الفلسطينية والتطبيع، والتي أثبتت فيها للإسرائيلي قبل العربي أنه لا يوجد شيء اسمه تطبيع، بل تحرير فلسطين فقط.
وبينما أرادت إسرائيل من خلال اختراع الدين الإبراهيمي أن تستغل اسم النبي إبراهيم لتتخلص من ماضيها الذي يسبب لها الكراهية في العالم وتكسب المقبولية من شعوب المنطقة، ولكن كأس العالم هذه السنة كان بمثابة فأس النبي إبراهيم عليه السلام الذي حطم فيه أوثان أوهامهم لينبئهم بوعد الآخرة الذي يقض مضاجعهم بمزيد من الاختراقات الأمنية داخل الأراضي المحتلة في كل يوم.