كما استيقظ سكان منطقة المتوسط من النوم على اختلاج الحيطان والأسقف فوق رؤوسهم قبل أن يعرفوا ماذا يعني الزالزال عبر أجيال متعاقبة، بنفس الزخم صدر خبر عودة العلاقات السعودية الإيرانية.
ما جعل مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية “اللواء يحيى رحيم صفوي” محقاً حين أسماه “الزلزال السياسي” حيث صرّح عقب الاعلان عن التصالح السعودي الإيراني قائلاً:
“الاتفاق الإيراني السعودي زلزال في مجال السياسة ونهاية الهيمنة الأميركية على المنطقة”.
وأضاف:
مرحلة ما بعد الولايات المتحدة بدأت في منطقة الخليج مع الاتفاق الإيراني السعودي، منوّهاً أن الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة الصين هو الضربة الصينية الثانية للولايات المتحدة.
كواليس “زلزال المنطقة”!
تحدثت القنوات الأخبارية السعودية وغيرها من المواقع الأخبارية عن حريق كبير في إحدى المصانع بمنطقة الدمام، دون وقوع إصابات، وذكرت “صحيفة تواصل الإلكترونية” أن الحريق وقع في الساعة الخامسة بتاريخ 3 آذار/ مارس وطال أحد أضخم مصانع الحديد بالمدينة الصناعية في الدمام.
وبينما تغاضت وسائل الإعلام السعودية عن ذكر أسباب اندلاع الحريق، تكهن بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أن الحريق ناتج عن هجوم خارجي.
وعلى أية حال فاللافت أن منطقة “الدمام” التي وقع فيها الحريق هي منطقة عسكرية خاصة بالحرس الوطني السعودي وتنتشر فيها القواعد العسكرية الأمريكية، وتضم مجمع سكني لبعثة التدريب الأمريكية التي تعمل على تحديث الجيش السعودي ضمن برنامج (OPM _ SANG) للتدريب والمشورة والمساعدة العسكرية.
ويبدو أن هذا الحريق الذي سبق موعد إعلان عودة العلاقات الإيرانية السعودية جعل المملكة تعيد الكثير من حساباتها في المنطقة وتدرك أخيراً أن الباتمان الأمريكي قد هَرِم وبات أمريكا غير قادرة على أن حل مشكلات السعودية التي ربما وجدت نفسها متورطة فيها للحد الذي يستنزفها بشكل كبير كحرب اليمن التي راهنت فيها على الأمريكي فلم يستطع حماية الرياض وشركات أرامكو النفطية عُمدة الاقتصاد السعودي من صواريخ حركة أنصار الله اليمنية التي بدأت تدك المملكة بعد كل غارة سعودية على صنعاء أوصعدة أومناطق أخرى من اليمن.
وكانت قد أرسلت السعودية رسائل أبدت فيها رغبتها في التقارب مع طهران مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ” خلال زيارته التاريخية للسعودية في 7 كانون الأول/ ديسمبر، والتي استمرّت 3 أيام، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي تم فيها التوقيع على عشرات الصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية وصلت قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات.
ومع كل التغييرات الإقليمية والدولية التي تتسارع وتيرتها منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية وجدت المملكة السعودية أنه لابد من فتح صحة جديدة مع طهران وكسر جليد 6 سنوات من المجافاة والقطيعة بوساطة صينية.
ارتدات “زلزال المنطقة” ومن طاله دوار مابعد الزلزال!
بالعودة إلى سبب تسمية المصالحة الإيرانية السعودية بـ “الزلزال السياسي” في المنطقة نجده عائداً إلى تاريخٍ ممتدٍ من الخصومة بين البلدين منذ بسط النفوذ الأمريكي على منطقة الشرق الأوسط، وتعارض نظام الحكم في طهران مع السياسات الخارجية الأمريكية إبان الثورة الإيرانية التي نتج عنها طرد السفير الإسرائيلي وإغلاق مقر السفارة الأمريكية، وإطلاق شعار “لاشرقية ولا غربية” كمحاكاة قرانية للسياسة الإسلامية الإيرانية.
فقد لعب الأمريكي دوراً بارزاً في تعميق الفجوة بين دول الجوار في منطقة الشرق الأوسط، وأهمها بين إيران والسعودية باعتبارهما قطبي العالم الإسلامي، وقد ربطت المملكة العربية السعودية مصالحها بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية لكونها أكبر دولة عظمى في ذلك الوقت وأمعنت في فتح مجالاتها أمام الاستثمار الأمريكي حتى وجدت نفسها أسيرةً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وإعلامياً ودينياً لإملاءات الرؤية الأمريكية ومشاريعها المخزية في المنطقة.
وصحيح أن المصالحة الإيرانية السعودية اليوم لا تعني انتهاء كل الأزمات العالقة ورواسبها في المنطقة وأهمها قضية التكفير والتطرف، أو حل جميع المشكلات في المنطقة كالتطبيع مثلاً ولكنها صمام أمان للشعوب العربية والإسلامية في الشرق الأوسط على المستوى السياسي والعسكري.
وهو يعزل بشكل رسمي الكيان الإسرائيلي عن أي تحالفات صغيرة يحاول فيها توريط بعض الدول العربية للتبجّح أمام جارتها إيران من خلال اجتماعاته المكوكية كالنقب والعقبة.
والأهم أن يكون هذا الاتفاق فرصة لمزيد من تفاهمات سعودية مع دول الجوار بعد حالة شغب لأكثر من 10 سنوات لم تحقق للمملكة سوى الخسائر كحربها على اليمن وعلى سوريا وعبثها السياسي في لبنان وصناعة دور هوليودي لها من خلال المنهج المتطرف الذي ملأ شاشات الميديا بالرعب فأدى لتشويه المملكة وتراجع السياحة داخلها.