23 عاماً ومشهد استشهاد الطفل “محمد الدرة” لا يزال محفوراً في الذاكرة و دوي صوت والده المكلوم يصرخ “مات الولد” فلا يسمع إلا صوت أزيز الرصاص من حوله ، 23 عاماً ولا زال المجرم يمعن في إجرامه دون حسيب أو رقيب.
يصادف يوم البارحة السبت الثلاثين من أيلول الذكرى الـ23 لاستشهاد الطفل “محمد جمال الدرة” (11 عاما) الذي قتل برصاص جيش الاحتلال الصهيوني على مرأى ومسمع العالم أجمع.
وصدم شريط فيديو في 30 أيلول 2000 العالم بمشاهد إعدام حية للطفل “محمد الدرة” الذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي في شارع صلاح الدين جنوب شرق مدينة غزة.
ووثق الشريط الذي التقط بواسطة المصوران، الفلسطيني “طلال أبو رحمة” والفرنسي “شارل إندورلان” عملية إطلاق النار المقصودة باتجاه الطفل وأبيه، والتي انتهت بسقوط الطفل “محمد” شهيداً فيما أصيب والده بجراح خطيرة.
ويعد الطفل “الدرة” أحد أهم رموز الانتفاضة الفلسطينية الثانية وأيقوناتها الخالدة، فقد قتله الاحتلال بعد يومين على اندلاعها في 28 أيلول 2000.
وبلغ عدد شهداء انتفاضة الأقصى، التي استمرت حتى بداية عام 2005، نحو 4400 شهيد فلسطيني، فيما بلغ عدد الجرحى قرابة 50 ألف شخص.
تفاصيل جريمة الاحتلال الإسرائيلي:
ولد “محمد الدرة” في 18 تشرين الثاني 1989 بمخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، وتعلم في مدرسة المخيم الابتدائية، وكان عمره في يوم استشهاده 11 عاماً فقط.
الطفل الذي خرج يوم 30 أيلول 2000 في نزهة مع والده جمال لشراء مركبة، انتهى به المطاف وهو يحاول الاحتماء بوالده من رصاص الجنود، قرب مفترق مستوطنة “نيتساريم”.
حيث فوجئ الأب وابنه بقوات جيش الاحتلال تطلق عليهما وابلاً من النيران من كل اتجاه بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار.
كثافة النيران الإسرائيلية دفعت الأب وابنه للاحتماء خلف برميل إسمنتي قريب، ورغم صراخ الأب المتواصل على الجنود ليوقفوا إطلاق النار فإن ذلك كان دون جدوى.
حاول “جمال” أن يحمي ابنه من الرصاص، لكنه لم ينجح، فأصيب بداية الحادث برصاصة في يده اليمنى، ثم أصيب الطفل بركبته اليمنى، قبل أن تقضي عليه رصاصات أصابت بطنه واخترقته.
بعد دقائق طويلة من إطلاق النار نظر الوالد إلى طفله “محمد” فوجده يسبح في بركة من الدماء ورأسه سقط على قدمه اليمين دون أي حركة، فأدرك أنه استشهد.
وحينها، أخذ الأب يصرخ -وقد أنهكت قواه- بعبارة باتت أيقونة لـ”بشاعة الجريمة الإسرائيلية”، قائلاً “مات الولد، مات الولد”.
لم يكتف جنود الجيش الإسرائيلي آنذاك بكل هذه المشاهد البشعة لجريمتهم، فأطلقوا صاروخاً على جمال وابنه، لكنه اصطدم بالرصيف ولم يصبهما.
ولم تتوقف جريمة إسرائيل عند قتل محمد الدرة، ففي الحرب على قطاع غزة عام 2008 قصفت طائرات الاحتلال منزل عائلته، كما جددت قصف المنزل في الحرب على القطاع عام 2014 دون سبب.
تنصل الكيان الصهيوني من الجريمة:
وبرأت دولة الاحتلال نفسها من دم الطفل الفلسطيني من خلال قرار توصلت إليه اللجنة الحكومية التي شكلتها للنظر والتحقيق في حادثة استشهاد الطفل “محمد الدرة” وذلك رغم تقرير القناة التلفزيونية الفرنسية الذي يدينها بالدليل.
وقالت اللجنة، التي تشكلت عام 2012 برئاسة وزير الحرب الصهيوني، “موشي يعلون”: “إنه وخلافاً لما نشر حتى الآن من تقارير تتهم إسرائيل بمقتل الطفل “محمد الدرة” فليست هناك أدلة تظهر أن “الدرة” ووالده جمال أصيبا برصاص الجيش”.
وبشأن التقرير الذي نشرته القناة الثانية الفرنسية الذي كان سبباً في إنشاء اللجنة الصهيونية، فقد اعتبره التقرير الصهيوني “غير صحيح، إنما جاء لخلق انطباع أن “الدرة” قتل برصاص الجيش الإسرائيلي”.
جريمة قتل الطفل “الدرة” لم تكن الأخيرة :
مشهد الطفل “محمد الدرة” ليس الوحيد ، حيث يتذّكر الفلسطينيون مشاهد باتت أيقونية في مسيرة نضالهم ضدّ الاحتلال، منها قتل الطفلة “إيمان حجو” ومجابهة الطفل “فارس عودة” لدبابة إسرائيلية بالحجر، وكذلك لحظة استهداف عائلة “غالية” على شاطئ بحر غزة، والاستهداف المباشر للصحافية “شيرين أبو عاقلة” 2022، والمشترك بين هذه المشاهد، أنّ مرتكبها حاول في كل مرّة، التهرّب من فعلته وإلصاقها بآخرين، أو حتى تبرير الجريمة، وجميعها وفقًا للقوانين جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.