تعد حرب الأنفاق من أكثر الحروب صعوبة على مستوى التاريخ، حيث يمكن للطرف الذي أنشأ الأنفاق أن يختار المكان الذي ستبدأ فيه المعركة، وغالباً ما يحدد كيف ستنتهي، نظراً لخياراته الواسعة في نصب الكمائن.
وينطبق هذا الأمر على قطاع غزة، فبعدما تمكنت المقاومة القلسطينية_حركة حماس من تطوير شبكة أنفاقها بعد عام 2007 عندما فرض الاحتلال الإسرائيلي ومصر حصاراً مشدداً على القطاع.
وفي هذا الصدد أكّدت مجلّة “فورين بوليسي” الأمريكية يوم السبت، أنّ اعتماد حركة حماس المتزايد على الأنفاق في قطاع غزّة وجهودها الإنشائية المتقنة ساعدتها في تحقيق أهدافها.
وأضافت المجلّة أنّ الأنفاق أدّت إلى زعزعة استقرار قوّات الاحتلال الإسرائيلي وتسببت في خسائر كبيرة وأخّرت نهاية الحرب كما جعلت نصر قوات الاحتلال بعيداً نسبياً.
وأشارت إلى أنّه لم يحدث أبداً في تاريخ حرب الأنفاق أن تمكّن مُدافع من قضاء أشهر في مثل هذه الأماكن الضيقة فالحفر نفسه والطرق المبتكرة التي استخدمتها حماس للأنفاق وبقاء الحركة تحت الأرض لفترةٍ طويلة أمرٌ لم يسبق له مثيل، مشددةً على أنّ أنفاق “حماس” هي أكبر نقطة ضعف لـ”إسرائيل” في الحرب، وتدميرها يحتاج عملية بطيئة ومرهقة.
كما أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي دخل الحرب الحالية وهو يمتلك القدرات العسكرية الأكثر تقدماً في الكشف عن الأنفاق ولكن حتى أكثر الوحدات المتخصصة عن كشف الأنفاق تكبّدت خسائر بسبب تفخيخ مداخل الأنفاق، فالأمر الواضح اليوم هو أنّ “إسرائيل” لا تستطيع اكتشاف أو رسم خريطة لكامل شبكة أنفاق “حماس“.
جيل جديد من الأنفاق العنكبوتية
وأشارت المجلة إلى أن الشبكة التي يستخدمها مقاتلو “حماس” لإخفاء أنفسهم وأسراهم، والتخطيط للعمليات، وتخزين الأسلحة، ونصب الكمائن لجنود الاحتلال الإسرائيلي تشكل جزءاً مهماً من البنية التحتية العسكرية للحركة.
وأكدت أن “إسرائيل تعلمت أمر مكافحة الأنفاق بالطريقة الصعبة، لذلك فإنّ اكتشاف أنفاق عابرة للحدود حفرتها حماس في عام 2014 أعاد الخطر الأمني الكبير الذي تُشكّله.
ولفتت المجلّة إلى أنّه وبعد حرب عام 2014، تحوّلت “إسرائيل” إلى نهجٍ أكثر استراتيجية وكثّفت جهودها، وأنشأت وحدات النخبة المتخصصة في حرب الأنفاق، وبنت هياكل الأنفاق الخاصّة بها لتدريب الجنود، وحسّنت الكشف عن الأنفاق مع الوحدات المتنقلة والبحث والتطوير المستهدفين، وتوصّلت إلى حلولٍ تكتيكيةٍ فريدة لتعزيز الاستعداد، كما أنّها عززت التعاون مع الشركاء والحلفاء.
وقد دخل جيش الاحتلال الإسرائيلي إثر ذلك الحرب الحالية وهو يمتلك القدرات العسكرية الأكثر تقدماً في الكشف عن الأنفاق ورسم خرائطها وتحييدها وتدميرها، ومع ذلك فإنّ هذا التقدّم لم يردع “حماس” عن الحفر ولم يُقلل من التحدّي المتمثل في القتال في بيئة تحت الأرض، كما أنّ أكثر الوحدات الإسرائيلية تخصصاً تعرّضت إلى كمائن عند مدخل الأنفاق.
وكشفت المجلة أنّ الحرب الحالية أوضحت أنّ هناك جيلاً جديداً من أنفاق “حماس“، فالشبكات الحالية أعمق وأكثر صلابة، وتشبه أنفاق التسلل الكبيرة في كوريا الشمالية إذ استخدمت “حماس” تقنيات حفر متقدمة، ونقلت قدراتها تحت الأرض إلى المستوى التالي.
فخ الأنفاق ينغلق على الكيان
ووفقاً للمجلّة فإنّ فتحات الأنفاق التي بنتها “حماس” هي في الأساس ثقوبٌ قاتلة في الأرض، تختلف من حيث الحجم والشكل وعادةً ما تكون مُموهة ومفخخة، إنها تؤدي إلى مهاوي الأنفاق وهو جزءٌ من الهيكل الجوفي المستخدم للتغلغل في عمق الأرض والوصول إلى شبكة أوسع من الأنفاق.
وخلال عمليات التمشيط الإسرائيلية كشف الجنود عن مئات حفر الأنفاق الأمر الذي جعل التقدّم معقداً، كما أنّ هذه الفتحات مكّنت مقاتلي حماس من الخروج من الأرض، لإطلاق النار من الأسلحة الآلية أو قاذفات الصواريخ على القوّات الإسرائيلية.
إنّ الأمر الأثمن في هذه الحرب هو الوقت، حيث تعمل القوات في بيئة عسكرية مُعقدّة تجمع بين حرب المدن وحرب الأنفاق وعمليات البحث والإنقاذ، الأمر الذي يتطلب تحديد موقع بقية الأنفاق، والعمل حول الشراك الخداعية، وتجنّب الهجمات المفاجئة.
لذلك فإنّ الأنفاق أدّت إلى زعزعة استقرار قوات الاحتلال الإسرائيلي وتسببت في خسائر فادحة، وأخّرت نهاية الحرب وبالفعل أصبح من الواضح أن “إسرائيل” لا تستطيع اكتشاف أو رسم خريطة لكامل شبكة أنفاق “حماس“.
وختمت المجلّة الأمريكية تقريرها بقولها: “بينما تتحرك “إسرائيل” لتدمير شبكة أنفاق “حماس” تحت الأرض تبقى القوّات تحت النار ويتم اكتشاف أنفاق إضافية كل يوم وقد يستغرق إكمال هذه المهمة بضعة أشهر أخرى، ففي حرب الأنفاق التي تتطلب القدرة على التحمل والوقت والمثابرة، فإنّ إنهاء الحرب قبل الأوان قد يعني الهزيمة، ولتجنب مثل هذه النتيجة فإنّ قدرة “إسرائيل” على تحديد جدولها الزمني أمرٌ أساسي”.
ونرى أنه بعد إنهاك الكيان الصهيوني على مدى ثلاثة أشهر؛ لم نعد نتعجب من اعتراف الكيان بالفشل والهزيمة، إضافةً إلى اعترافه المتكرر بقدرة المقاومة وقوتها التي خرجت عن المألوف، فإن الحسابات التي رسمها الكيان بشأن المقاومة وخوض الحرب معها جعلته يعيش بحالات ذهول من براعتها يوماً بعد يوم.