شكل ارتفاع حدة المواجهة بين محور المقاومة والكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً مؤشراً خطيراً على المنطقة؛ التي باتت على فوهة بركان يكاد أن ينفجر على الجميع، ولن تتضرر منه الدول الواقعة على فوهته بل ستصل حممه وشظاياه إلى تلك التي تمد يدها لزيادة سعير هذا البركان.
حوار البنادق لا حوار الفنادق
فمنذ بدء عملية طوفان الأقصى، أخذت لغة السلاح تتسيد المشهد وبات صوت قرقعة السلاح هو المسموع لدى جميع الأطراف بين أصحاب الحق، والأرض الفلسطينيين، والمحتل الغاصب للأرض، والمدجج بترسانة الغرب ودعمه السياسي والعسكري.
ووسط كل هذا الإجرام الصهيوني من إبادة للبشر والحجر في غزة بات الشارع العربي يعيش حالة غليان، وغضب من أجل أشقائهم في فلسطين الذين يذوقون الأمرين؛ مرارة العدوان الصهيوني من جهة، ومرارة الخذلان العربي والعالمي من جهة أخرى.
طوفان الأقصى أعاد ترتيب أوراق محور المقاومة
وجاء تحرك أطراف محور المقاومة ليشكل صدمة غير متوقعة للكيان وداعميه، الذين اعتادوا على بيانات الشجب والتنديد المترافقة مع مسيرات الغضب التي تجوب الشوارع لساعات ويذهب غضبها أدراج الرياح، ولكن هذه المرة كان التحرك مختلف حين انبرت قوى محور المقاومة في تجسيد القول بالعمل، وأن الكلمات التي تقال باتت سلاح يكمل العبارة ويتممها بتحويل مواقع الكيان إلى اهداف عسكرية.
تحرك المقاومة اللبنانية كان متوقعاً وكان الكيان يراهن على مراعاة المقاومة عدم التصعيد لمستويات أعلى مراهنين على حرصها على عدم الحاق الأذى بكل لبنان الذي قد يدخل في اتون معركة تحرق الأخضر واليابس نكاية بالمقاومة التي عجز الكيان في الميدان على إلحاق الهزيمة بها.
اليمن وظفت الجغرافيا لصالحها فهل نجحت؟
لكن ما كان خارج المتوقع لدى العدو والصديق هو ما ذهبت إليه المقاومة اليمنية التي هبت لفرض معادلات جديدة للصراع مع الكيان الصهيوني؛ والتي أهمها أن يتذكر هذا الكيان أن معركته ليست مع حماس اأو غيرها، إنما مع أمة بأكملها.
وكان لوقع الصواريخ والمسّيرات التي انطلقت من اليمن إلى موانئ فلسطين المحتلة وكذلك من العراق، قد جعل دول الاعتلال العربي تعيد حساباتها في فرملة الانجراف في التبعية المطلقة لأمريكا، ودعم مشاريع التطبيع الى حد التحالف مع الكيان.
دول الخليج وانحسار الوهم الأمريكي
لطالما كانت دول الخليج تستمد قوتها من تلك القواعد الأمريكية المتواجدة على أراضيها، تلك القواعد المنتشرة في دول الخليج؛ كالبحرين التي يوجد بها قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وفيها أكثر من 7 آلاف جندي أمريكي، في حين يوجد في الكويت نحو 13 ألف جندي أمريكي، وتستضيف عتاد وقوات جوية وبحرية على أرضها، ويوجد في مطار الكويت الدولي، أكبر مركز دعم لوجيستي للقوات الأمريكية في المنطقة، وتتمركز فيه نحو 2200 عربة كاسحة ألغام وعربات تكتيكية.
ويبقى تمركز مقر القيادة المركزية الأمريكية الهام داخل قاعدة العيديد الجوية في قطر، التي يوجد بها حوالي 13 ألف جندي أمريكي، وسط تمركز الطائرات المقاتلة، ووسائل الدفاع الجوي مع حوالي 500 جندي أمريكي داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية.
التواجد الأمريكي … عنصر أمان أم مصدر تهديد جديد؟!!
تلك القواعد التي كانت مصدر أمان لهذه الدول بات اليوم مصدر قلق بعد أن أوجعت صواريخ المقاومة عديد هذه القواعد المنتشرة في العراق وسوريا والأردن وسط تخوف أن تمتد نيران المقاومة لتلتهم ذلك التواجد في دول الخليج التي ستكون أمام مواجهة قد لا تستطيع تحمل تبعاتها اقتصادياً وسياسيا وعسكرياً.
لذلك استشعرت دول الخليج أن حضارة الزجاج التي تتباهى بها لن تصمد أمام سقوط صاروخي واحد ولو خطأ، في حال لو أصبحت منطلقاً للعدوان الأمريكي على إحدى دول محور المقاومة، ولذلك تعمد تلك الدول على تحييد نفسها، كما نقل موقع “بوليتيكو” الأمريكي عن أربعة مصادر مطلعة، أن بعض الدول العربية ومن بينهم الإمارات تعمل على تقييد قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام القواعد العسكرية على أراضيها لشن غارات جوية ضد حركات المقاومة في الشرق الأوسط.
محور المقاومة يفرض معادلة وجوده على المنطقة لا بفعل قوته فحسب بل بتنامي شعبيته.
وهذه الدول لا تخشى فقط ردة فعل محور المقاومة فحسب، بل ذلك الشعور لدى الرأي العام لديها الذي بات أكثر قرباً وتعاطفاً مع القضية الفلسطينية، ويجد في موقف محور المقاومة موقفاً مشرفاً يعبر عما يجيش بداخله من غضب تجاه عدوانية الكيان وداعميه، وسيمتد ذلك الغضب إلى المتحالفين معهم ومن فتحوا أراضيهم وأجوائهم لدعم هذا العدوان ضد بني جلدتهم، وقد نقل الموقع ذاته عن مسؤول أمريكي ومساعد أحد نواب الكونغرس ومسؤولين غربيين أن السبب وراء هذا التقييد هو أن هذه الدول “لا تريد الظهور على أنها مقرّبة جداً من الغرب وإسرائيل أمام الرأي العام”.
ما كان حلماً بات حقيقة فهل وصلت رسائل المقاومة؟!!
لم يأتي الأمر مجرد توقعات فقد برهنت المقاومة اليمنية قدرتها على الوصول إلى ما هو أبعد، وما تشكله المقاومة العراقية يعد أكثر خطورة كونها الأكثر قرباً وقدرة على التحرك وسبق وأن أعلنت في تشرين الأول الفائت جماعة تدعى “ألوية الوعد الحق” في العراق أنها تعتبر ” القواعد الأمريكية في الكويت والإمارات أهدافاً مشروعة رداً على جرائم الكيان الصهيوني وأمريكا وثأراً لشهداء فلسطين الحبيبة”.
وبعد يوم واحد من هذا البيان، قالت السفارة الأمريكية في الكويت: “نحن على علم بالتهديدات التي وجهتها ألوية الوعد الحق العراقية، ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الكويت، ونتيجة لذلك، ستقصر السفارة نشاطها في القواعد العسكرية الأمريكية على الأحداث الأساسية والرسمية فقط، وندعو المواطنين الأمريكيين إلى البقاء في حالة تأهب” وفقاً لما نقلته جريدة “الجريدة” الكويتية.
وقد أوضح الموقع أن هذه التسريبات تتزامن العدوان الأمريكي بغارات تشنها على اليمن وسوريا والعراق، وكان آخر هذه الهجمات أمس الأربعاء، إذ شنت طائرات أمريكية- بريطانية عدوانها بغارات جوية على منطقة رأس عيسى بمديرية الصليف، شمالي غربي المحافظة الساحلية الواقعة غربي اليمن.
لم يعد من الممكن تجاهل فائض القوة التي وصل إليه محور المقاومة، وبات لزاماً على تلك الدول التي تحتضن قواعد العدو على أراضيها أن تعيد برمجة حساباتها، وأن تتحمل تبعات اختياراتها وهي ترى هيمنة أمريكا وقد بدأت بالترنح في أكثر من مكان.