أخبار حلب _ سوريا
#وحدة_المصير
لا يمكن أن توصف علاقة دولة بأخرى بالمتانة كما هو الحال بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية، والتي تعود إلى فترة طويلة من التاريخ.
كانت سوريا منذ قيام الحركة التصحيحية فيها بقيادة الرئيس “حافظ الأسد” قد خطت لنفسها طريقاً مقاوماً للنفوذ الصهيوني والتمدد الأمريكي في المنطقة؛ إيماناً منها بحق وقدرة أبناء المنطقة في استعادة كامل حقوقهم المغتصبة، والسيادة الكاملة على أراضيهم، واتخاذ القرارات التي تخدم مصالح أمتهم.
وحتى أواخر السبعينيات لم تكن سوريا على وفاق مع إيران الشاه؛ الذي حوّلها إلى مرتع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومعها الموساد، وكل أجهزة الاستخبارات الغربية، لكن كان الرئيس الأسد يؤمن أن الشعب الإيراني بما يحمله من إرث تاريخي عريق، لا يمكن أن يقبل ببقاء الحال على ما هو عليه.
انتقال إيران من شاه خاضع إلى قائد مقاوم
جاءت رياح التغيير في إيران مؤمنة بالفكر المقاوم، ونصرة المستضعفين التي رفع رايتها الإمام الخميني؛ لتتحول معه توجهات إيران شعباً وجيشاً وقيادة إلى خندق الخط المقاوم حيث تقف سوريا ومعها كل فصائل المقاومة التي كانت تقف وحيدة في مواجهة المشاريع الإمبريالية في المنطقة، رغم ما تمتلكه تلك القوى من جبروت القوة المالية والعسكرية، وما تتمتع به من نفوذ حول قادة الدول المحيطة إلى قيادات كرتونية تأتمر بتوجيهات البيت الأبيض، وتنساق ضمن المشروع الصهيوني.
وعودة إيران إلى محور المقاومة، شكّل نقلة نوعية في تعزيز الموقف السوري ومن معه من فصائل المقاومة الفلسطينية، والذي ترافق مع تأسيس المقاومة اللبنانية عقب الاجتياح الصهيوني لبيروت، الذي تم على مرأى ومسمع العواصم العربية العاجزة عن تحريك ساكن، عدا ما قدمه الجيش العربي السوري من تضحيات في محاولة صد هذا العدوان الغاشم فوق الأرض اللبنانية.
سوريا.. وموقفها من ثورة إيران
لقد تحدّث الكثير من المؤرخين عن الموقف السوري المساند لقيام الثورة الإيرانية بما تحمله من امتداد للفكر المقاوم؛ لتكون سوريا ورئيسها “حافظ الأسد” من أوائل الرؤساء الذين رحبوا بانتصارها، وعبّروا بأكثر من موقف عن شرعيتها وصوابية موقفها.
وقد تعززت هذه العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران عقب نجاح الثورة الإيرانية عام 1979؛ لترتقي إلى تحالف استراتيجي، برهنت عليه سوريا بدعمها لإيران في الحرب التي شُنّت ضدها من قبل العراق، لتكون بذلك إحدى البلدان العربية النادرة التي اتخذت هذا الموقف المساند للشعب الإيراني؛ رغم ما يشكله ذلك من خطورة المجابهة مع القوى الإمبريالية التي فقدت بذلك أهم ورقة عمالة لها كانت في المنطقة.
ما مدى الدعم السوري للثورة الإيرانية؟!
لم يكن موقف سوريا الداعم لإيران يقتصر على الدعم السياسي أو المعنوي، بل تعدّاه إلى القيام بدور كبير خاصة فيما يتعلق بموقفها من العدوان الصدّامي عليها، وصل وفق تصريحات قادة عسكريين بارزين في إيران حد التدريب العسكري للقوات الإيرانية الناشئة في وقتها على كيفية استخدام صواريخ “سكود” وفق ما ذكر وزير الحرس الثوري “محسن دوست” في مذكراته.
وكان لهذا الموقف الأثر الأكبر لدى القيادة الإيرانية التي رأت في موقف سوريا موقفاً أخويّاً صادقاً، حين جاء في وقت لم يكن لهذه الثورة الوليدة أصدقاء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وعليه رغم الانشغال في معالجة بناء الدولة داخلياً، ومواجهة الحرب العدوانية المفروضة عليها خارجياً، لم تغفل القيادة الإيرانية رد الجميل لسوريا بجعلها المحطة الأولى لأول رحلة خارجية لرئيس إيراني في عام 1984.
الرئيس حافظ الأسد في أول زيارة له لإيران
في 1990/9/23 أجرى الرئيس “حافظ الأسد” أول زيارة إلى الجمهورية الإيرانية، والتقى خلالها بالسيد “علي الخامنئي”، معززاً من خلال هذا اللقاء التحالف الاستراتيجي الذي يجمع البلدين.
لا شك أن هذه الزيارة شكّلت منعطفاً جديداً في العلاقات بين طهران ودمشق؛ فقد أعرب الرئيس الراحل حينها في كلمته عن سعادته للقاء السيد “الخامنئي” وتضمن اللقاء مناقشة القواسم المشتركة الرئيسية بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي مواجهة الكيان الصهيوني ودعم القضية الفلسطينية، ورأى الأسد أن المقاومة المسلحة أفضل وسيلة لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن المقاومة الفلسطينية يجب ألا تكون جزءاً من الأزمات العربية، أي هي شيء سامٍ وبعيدٌ كل البعد من الأزمات العربية، مؤكداً مواصلة هذا النهج واصفاً الكيان الصهيوني بالعدو الأول.
وقد شدد السيد الخامنئي خلال اللقاء بقوله: “يجب التشديد على قضية فلسطين أكثر من أي وقت مضى، ويسعدنا أن سوريا، وهي دولة في الخط الأمامي، حافظت على مواقفها المُحكمة رغم المشكلات التي واجهتها”
نهاية التسعينيات …تمتين العلاقة للألفية الجديدة
لم تقتصر اللقاءات والتواصل بين سوريا وإيران على الزيارات الرسمية، بل كان لحجم الدور الذي يلعبانه في المنطقة أثر كبير مما يجعل من التنسيق والتواصل حالة مستمرة، وهو ما يعبر عن وحدة الهدف، والمصير الواحد الذي أرسى دعائمه السيد الخميني والرئيس “حافظ الأسد”، وتعزز أكثر بتلك الزيارات الرسمية المتبادلة، والتي كان آخرها للرئيس “حافظ الأسد” إلى طهران عام 1997، ليلتقي خلالها السيد “علي خامئني”، وعدد من القيادات الإيرانية على مختلف المستويات؛ ليخرج عن هذا اللقاء بيان مشترك يؤكد على الثوابت الإستراتيجية بين البلدين في مواجهة الأخطار التي تتهدد المنطقة، وكان أهم ما جاء في هذا البيان:
-إزالة الاحتلال الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة والجولان السوري وجنوب لبنان والأراضي الفلسطينية ولاسيما القدس الشريف.
– تؤيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقوة مواقف سورية المبدئية في سبيل استعادة أراضيها المحتلة حتى خط الرابع من حزيران [يونيو] 1967
– أكد الجانبان ضرورة التنسيق الشامل بين بلدان المنطقة في مواجهة التحركات والسياسات الإسرائيلية بما في ذلك محاولات إسرائيل النفاذ إلى بلدان المنطقة العربية والإسلامية عبر التعاون الاقتصادي
– أدان الجانبان الممارسات الإسرائيلية الرامية إلى طمس معالم مدينة القدس الشريف وهويتها
– أدان الجانبان بشدة كل السياسات الداعمة للنهج التوسعي الصهيوني وفرض شروط جديدة على المنطقة بما في ذلك مواقف الكونغرس الأميركي المعادية للعرب والمسلمين.