أخبار حلب _ سوريا
تفوح من شوارعها رائحة العراقة، وتتميز بحاراتها القديمة المرصوفة بالأحجار؛ وأزقتها المشبوكة بالحضارة، وما إن تخطّ قدمك أولى حجارها؛ يسافر بك الزمن إلى تاريخ لا ينتهي من الأصالة والعروبة؛ وترتسم بمخيلتك جدران قلعتها التي لم يعشقها أهل حلب فقط، وإنما عشقها التاريخ حتى حفظها بذاكرة العالم بأسره.
وقد عرفت بأبوابها وأحيائها؛ التي مزجت التاريخ العريق بالفن والحداثة، فما إن تقول حلب القديمة؛ حتى تشدّك اللهفة للسير بين أسواقها وبيوتها، لترى عمق الحضارة المعطر بالمحبة، وبوصلة اليوم تتجه نحو أبهى الأحياء الحلبية وأقدمها، وهو “حي العقبة”.
البعد التاريخي وسبب التسمية…
إن الشواهد التاريخية للعقبة؛ تُظهر بأنّ عمر الحي يقارب ثلاثة ألاف وأربعمئة سنة، كما تشهد الحفريات الأثرية فيه على عمر أكثر من ذلك، فالعقبة أقدم حي من أحياء حلب، وفي الحي آثار تعود للعقد الرابع عشر قبل الميلاد.
وعن أول ساكني الحي، فقد أشارت المصادر التاريخية، بأنّ أوّل من سكن “العقبة” هو “الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس”، وكان ذلك بين عامي 152 -154 هجرية الموافق للأعوام 769 -771 الميلادية.
وفي سياق متصل، فإن المؤرخ “كامل الغزي” تحدث في كتابه “نهر الذهب في تاريخ حلب” عن حي العقبة، حيث قال: “هذه المحلة يُقال لها “عقبة بني المنذر” وسُميت عقبة لنشوزها عن بقية أرض حلب”، كما ذكر باحثون وأساتذة في التاريخ، أنّ “سابق بن محمود بن صالح مرداس” الذي حكم “حلب” سنة 468 هجرية الموافق 1076م كان يسكن ” العقبة”.
أبنية الحي وآثاره…
ومن الأبنية الشاهدة على عمر الحي جامع القيقان، وقيل إنه كان معبداً وثنياً حثياً ويصعب جداً تحديد زمن بنائه، ثم جُعل مسجداً وكان يصلي فيه “الفضل بن صالح” وبنوه الذين سكنوا “حي العقبة” وحوّله إلى جامع.
وقد بُني الجامع بحجارة قديمة وتوجد عليه كتابات حثية وأعمدة بازلتية قديمة جداً، ويغلب على الظن أنه يرجع إلى القرن الثاني عشر للميلاد على الأقل، ويتميز بوجود حجر أسود ظاهر في جداره الجنوبي عليه كتابة هيروغليفية بلغة الكيتا أو الحماتيين.
كما يوجد في الحي جوامع أخرى كجامع التوتة والكيزواني، وجامع الخواجا وإضافة إلى ذلك يوجد خان كامل والزاوية الكمالية؛ التي تعود أوقافها إلى العام 1774م، ويوجد به حمامات كحمام البزدار والخواجة.
درج العقبة المميز…
كألوان الأمل والتفاؤل، تستدعيك درجات الحي الملونة بألوان المحبة لتصعد عليها نحو العلا، والنباتات التي تزين الدرج بخضارها المنعش، تعطي للروح حياةً جديدة، هذا الدرج الذي لونه الفن بألوان التحدي والصمود بوجه الإرهاب الذي حاول أن يهدم التاريخ العريق الموجود بكل درجة من درجاته، ويطمس ذكريات الحزن والفرح للرفاق والأهل التي حفظتها درجات الحي.
ختاماً…..
لا ننسى ما فعلته الحرب بسوريا عامةً، وحلب بشكل خاص، فهي التي اشتهرت بتاريخها وحضارتها القديمة، وتراثها الذي شهدت “غينيس” للأرقام القياسية عليها كأقدم مدينة تحتفظ بتراثها ومعالمها، إضافة إلى أسواقها.
ولكنها كما عرفها العالم، متمسكة بأصالتها، صامدة بكل قوتها وعظمتها أمام كل من يريد سلب تاريخها، واغتصاب حضارتها بالقوة، فهي حلب…مهد الحضارات.