أخبار حلب _ سوريا
بقلم: أديب رضوان
لم تكن مسألة الأمن القومي الأمريكي يوماً من الأيام إلا ذريعة للتدخل بشؤون الدول الأخرى؛ خصوصاً الدول التي لا تهيمن عليها سياسياً أو اقتصادياً والأمثلة كثيرة على هذا القانون الأمريكي غير المعلن والمنفذ أسلوبا وسياسة.
وهنا نستحضر تقرير مركز “مؤسسة مستقبل الحرية” الأمريكي الذي وصف فيه العراق بأنه أصبح بمثابة “حفرة الجحيم التي صنعتها مؤسسة الأمن القومي الأميركية”، مستعيداً من منظور تاريخي كيفية تحوّل شكل السلطة الأمريكية منذ تأسيسها عندما كانت ترفض مقاتلة “الوحوش في الخارج”، وصولاً إلى مرحلة البحث عن أعداء من النازيين إلى الشيوعيين إلى الحرب على فيتنام وأخيراً العراق تحت زعم امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وصولاً إلى الإرهاب في سوريا والمنطقة الذي ربطته واشنطن بالإسلام زوراً.
تغيير لذر الرماد في عيون الأمريكيين
ذكر المركز الأمريكي في تقريره تحت عنوان “الدروس الحقيقية من حرب العراق” بأن التغيير الأكبر تحقق بعد الحرب العالمية الثانية عندما تم تحويل الحكومة الفيدرالية الأمريكية من جمهورية ذات حكومة محدودة إلى “دولة الأمن القومي”، مشيراً إلى أن هذا التغيير الضخم جرى حتى من دون تمرير تعديل دستوري، وذلك من خلال استخدام مبرر وجود ما يسمى “مؤامرة شيوعية” مفترضة انبثقت من موسكو هدفها غزو العالم؛ بما في ذلك الولايات المتحدة، ومن أجل أن تتمكن الولايات المتحدة من الانتصار في هذه الحرب الباردة فإنه يتحتم عليها أن تتخلى “مؤقتاً” عن نظامها الحكومي التأسيسي المتمثل في جمهورية ذات حكومة محدودة لصالح نظام شبيه بالشمولية وهو يجمع البنتاغون، والمجمع الصناعي العسكري الضخم، ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي.
خلق الأعداء من “الشيوعية إلى العراق”
للمفارقة السياسية فإن الاتحاد السوفييتي كان شريكاً وحليفاً للولايات المتحدة في ذات الوقت خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن بعد الحرب قال المسؤولون الأمريكيون للشعب الأمريكي “أن لديهم الآن عدواً رسمياً جديداً، وهو العدو الذي يمكن القول بأنه يمثل تهديداً أكبر من ألمانيا النازية، وهو الاتحاد السوفيتي و”الشيوعية”.
وبعد العام 1989 وانتهاء فترة “الحرب الباردة” وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي خسرت مؤسسة الأمن القومي الأميركية عدوها المفترض، وبالتالي كان يفترض بعودة الولايات المتحدة إلى نظامها الاعتيادي بعيداً عن نظرية الأمن القومي إلا أن ذلك لم يحدث بالمطلق لأنه بعدما يجري تحويل نظام إلى دولة أمن قومي يصبح من الصعب إقناع مؤسسة الاستخبارات العسكرية القوية أن تختفي، وبالتالي بدأ البحث عن عدو رسمي أخر للولايات المتحدة ليحل مكان الاتحاد السوفيتي والشيوعية.
ومن هنا جاء اختيار النظام العراقي السابق ليكون العدو الجديد للولايات المتحدة الأمريكية من بوابة مزاعم امتلاكه أسلحة كيميائية، رغم أن قيادة العراق آنذاك كانت شريكة؛ لتتواصل معزوفة “صدام حسين” أمام الأمريكيين طوال التسعينيات، رغم أن واشنطن هي من كانت تدعم القيادة العراقية آنذاك وتمدها بالأسلحة في حربها ضد إيران، لتتدخل واشنطن عسكريا في العراق وتحتله تحت مزاعم امتلاكه أسلحة دمار شامل ثبت كذبها.
استحضار الإرهاب لخدمة الأمن القومي الأمريكي
بعد اعتداء الحادي عشر من أيلول من عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد احتلال العراق حل “الإرهاب” بحسب وكالة الامن القومي الأمريكي كعدو رسمي جديد لأمريكا، ليحل محل “الشيوعية والنظام العراق”، وهو العدو المفترض الذي يجب أن يدوم طويلاً ويجتاح دولاً مختلفة من العراق إلى أفغانستان وصولاً إلى سوريا وغيرها.
كما نقل تقرير المؤسسة الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين بأنهم لم يفقدوا الأمل بتاتاً في إحياء حربهم الباردة القديمة ضد روسيا، وهم طوال الفترة كان البنتاغون يستخدم حلف الناتو لكي يتوسع شرقاً من خلال استيعاب الدول السابقة في “حلف وارسو”، وهو ما سيمكن البنتاغون من نشر قواته وصواريخه بشكل أقرب إلى حدود روسيا.
ويقول القرير أنه لم يكن غريباً أن تعترض روسيا، تماماً كما اعترضت حكومة الولايات المتحدة عندما قام الاتحاد السوفييتي بنشر صواريخه في كوبا في العام 1962 حيث تجاهل البنتاغون الاعتراضات الروسية بطبيعة الحال، وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى الغزو الروسي لأوكرانيا وحرب الولايات المتحدة بالوكالة ضد روسيا.
ختاماً
يمكن القول أن واشنطن وتحت مزاعم أمنها القومي فرضت حكومات على دول، واستباحت غيرها بالحرب تارة وبالثورات الملونة تارة أخرى، وتبقى عينها الأخرى على المنافس القوي روسيا الاتحادية والصين الشعبية؛ فيما استحضرت الإرهاب في دول أخرى لا تسير في فلكها، وبالتالي هدفها الأساسي زعزعة استقرار الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة عدواً لها، فيما تواصل هي دعم الدول والأنظمة العملية لها ناهيك عن الدعم الأعمى لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News