أخبار حلب _ سوريا
عند الحديث عن النكبة عام 1948 يذهب البعض إلى اعتبار ذلك اليوم حصيلة طبيعية لمسيرة الأحداث التي شهدتها المنطقة، وحجم الدعم الذي تلقته الحركة الصهيونية كونها أصبحت موجودة على الأرض.
فهل كانت سياق الأمور حقاً على هذه الشاكلة؟!
رغم الحديث عن الحراك الصهيوني بعد عقد مؤتمر هرتزل عام 1897 في مدينة بال بسويسرا وما تضمنه من مخططات صهيونية، إلا انها كانت مجرد أفكار لم تجد من يتلقفها بشكل جدي ورسمي حتى جاء عام 1905 وهو العام الذي انتبه فيها خبثاء السياسية البريطانية لدعوة سبع دول أوروبية للتحضير لاجتماع سري عرف باسم الداعي لهذا المؤتمر “هنري كامبل” رئيس وزراء بريطانيا آنذاك؛ والذي كان جوهر مؤتمره خريطة للضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، طالباً منهم التركيز على الدول المطلة عليه من الناحية الأخرى، ومحذراً من أن هذه الأرض الممتدة هي عملاق نائم تتحدث بلغة واحدة ودين واحد إذا استيقظ والتقى شطره الأفريقي بالآسيوي ستتحول أوروبا الى دول تدور في فلك هذا المارد النائم.
لم يكتفي “كامبل” بذلك بل وضع أمامهم مقترح زرع كيان يفصل شطري الوطن العربي في القارتين محددا أن فلسطين هي نقطة التواصل التي يجب قطعها بدعم هجرة اليهود إليها، وإقامة دولة لليهود تحمي مصالح الغرب في المنطقة، وتضمن بقاء تلك الدول بعيدة عن الاستقرار السياسي والاقتصادي والتقني.
لذلك يمكننا القول إن تاريخ الخامس عشر من أيار 1948 والذي يعرف باسم يوم “النكبة” لدى الفلسطينيين ليس سوى ترجمة لسنوات طويلة سبقته من التخطيط “الصهيوني” والبريطاني لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وإقامة الدولة اليهودية عليها.
الدور البريطاني في زرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين
عمل الاستعمار الغربي على فرض هيمنته السياسية والاقتصادية على الوطن العربي الممزق بين عدة دول استعمارية بعد تقاسمها تركة الرجل العثماني المريض، وكانت بريطانيا كونها الدولة الاستعمارية الأكبر في ذلك الوقت، تضع نصب عينيها تنفيذ ما أقره مؤتمر كامبل السري، وما ترتب عليه من وعد وزير خارجيتها عام 1917 بما عرف بعد ذلك بوعد بلفور المشؤوم بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التي زعم بأنها أرض بلا شعب يتم منحها لشعب بلا أرض، وسبق اهتمام بريطانيا اليهود أنفسهم بتوفير الحماية لهم، حيث افتتحت لندن قنصلية لها في القدس عام 1838، وأول رسالة من الخارجية البريطانية لنائب القنصل طلبت فيها “بتوفير الحماية لليهود وإن كانوا غير بريطانيين”.
حيث سعت بريطانيا إلى تحقيق ذلك رغم الوعود التي قطعتها للعرب فيما عرف بمراسلات “الشريف مكماهون” بمنح العرب استقلالهم التام مقابل دعمهم الحلفاء ضد العثمانيين، كما تنصلت فيما بعد من تعهدها بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية بسبب المقاومة الشرسة لقواتها في فلسطين من قبل المقاومة التي نشأت عقب تصريحات بريطانية بحق اليهود في إقامة وطن قومي لهم على ارض فلسطين.
بغض النظر عن البعد الديني لدى فئة ليست بالقليلة من المسيحيين المتصهينين التابعين للكنيسة الإنجيلية؛ الذين ظهروا في بريطانيا وانتقلوا فيما بعد إلى أمريكا مروّجين لفكرة عودة اليهود إلى القدس كجزء من عقيدتهم المسيحية الذين يعتبرون أن دعم قيام “إسرائيل” واجب شرعي مسيحي، يتوجب دعم توسعها والاعتراف بالقدس عاصمة لها، وتمويل الاستيطان اليهودي في الأرض المحتلة، بل أكثر من هذا فإن عليهم دعم المخططات الرامية إلى هدم المسجد الأقصى، وإعادة بناء هيكل سليمان كجزء من تحقق شروط عودة المسيح إلى الأرض.
لكن من جهة أخرى، كان هناك هدف لدى عامة الأوروبيين هو التخلص من الوجود اليهودي الغير مرغوب فيه لدى الغرب إلى مكان آخر بسبب نمط حياتهم، وعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع الغربي.
بينما كان للسياسيين في بريطانيا تخطيط آخر؛ يستغل كل تلك العوامل لتحقيق مطامعها ومشاريعها الاستعمارية في المنطقة، لم يكن لوعدها للعرب قيمة تذكر بقدر ما كان المخطط السري لديها لإنشاء دولة “إسرائيل” الأهمية الأكبر، وذلك يرجع لعدة أسباب؛ أهمها تبنيها لفكرة “الدولة الحاجزة” التي نادى بها الصهاينة، والقائمة على شطر جناحي العالم العربي في آسيا وإفريقيا مما يؤدي إلى إضعافه، وإبقائه مفككاً، ومنع ظهور قوة عربية أو إسلامية كبرى، تحل مكان الدولة العثمانية التي كانت في طور الانهيار.
المقاومة الفلسطينية حاضرة رغم إمكانياتها القليلة في مواجهة المشروع الصهيوني القادم إليها
رغم تلك المحاولات الاستعمارية والصهيونية في تهجير الفلسطينيين، إلا أن الفلسطينيين صمدوا على مدار ثلاثين عاماً أمامها، واحتفظوا بغالبية السكان، 68.3%، ومعظم الأرض 93.7%،
رغم أن المؤامرة كانت أكبر بكثير من إمكانات الشعب الفلسطيني، إلا أن الفلسطينيين رفضوا الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني وطالبوا بالاستقلال، وقامت الحركات الوطنية والإسلامية التي تنادي بذلك، حيث نفذت تلك الحركات “ثورات القدس” عام 1920، و”ثورة يافا”، عام 1921، و”ثورة البراق” عام 1929.
وفي مؤشر يؤكد ترابط بلاد الشام مع قضية فلسطين التي تعد جزء منها؛ شكل الشيخ “عز الدين القسام” الآتي من الساحل السوري حركته الجهادية عام 1933، لمواجهة الاستعمار والمشروع الصهيوني، في حين شكّل “عبد القادر الحسيني” منظمة الجهاد المقدس.
وتحت ضغط تلك الثورات، وأبرزها “الثورة الكبرى”، ما بين عامي 1936-1939، اضطرت بريطانيا في أيار 1939، أن تتعهد بإقامة دولة فلسطين خلال عشرة أعوام، وأن تتوقف عن بيع الأراضي لليهود إلا في حدود ضيقة، وأن توقف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات، لكنها وعود جوفاء لمجرد امتصاص حالة الغضب الشعبي الذي شهدتها فلسطين ضد السياسة البريطانية العدوانية تجاه العرب وتجاه الأرض الفلسطينية على وجه الخصوص.
ومن المؤسف أن تلك الهدن التي كانت تعقد مع الاحتلال البريطاني كانت تتم بوساطة سعودية لعب فيها الملك “عبد العزيز آل سعود” دوراً كبيراً في إخماد جذوة المقاومة عبر تبريدها بوعود بريطانية كان يعرف مسبقاً عدم التزام بريطانيا بها كما لم تلتزم لمن سبقوه قبلها.
للهروب من الواجهة بريطانيا ترحل قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة
بخبث بريطاني معهود وبعد تفاهم استعماري بتوجيه نتائج مباحثات الجمعية العامة للأمم المتحدة بما يخدم مشروع إنشاء الكيان الصهيوني صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم /181/ عام 1947 المتضمن تقسيم فلسطين أيام الانتداب البريطاني إلى ثلاث اقسام؛ مكونة من دولة فلسطين ودولة لليهود وبقاء الأماكن المقدسة تحت الوصاية الدولية، في قرار حصل على موافقة الأغلبية كان اللافت فيه امتناع بريطانيا عن التصويت رغم هندستها لكل تفاصيله.
لكن مشروع التقسيم المرفوض عربياً والذي كان نتيجته تحركاً عربياً عسكرياً لمواجهة العصابات الصهيونية خسرها العرب الغير مستعدين لهذه الحرب كون معظمهم لم يخرج من عباءة الاستعمار بعد، ووجود الخيانات وقتها بشراء صفقة أسلحة فاسدة.
لكن رغم كل ذلك كان أهم نقطة ضعف واجهت دعاة إنشاء الكيان هو التفوق السكاني لأهل فلسطين رغم الهجرة الدولية المنظمة لليهود إلى فلسطين، ورغم كمية المجازر التي قامت عصابات الكيان بحق قرى فلسطينية بأكملها، بالتواطؤ مع قوات الانتداب البريطاني.
ولا تزال صور الوثائق المقدمة من زعماء الكيان من أمثال الإرهابي “شمعون بيريز” وأيضا “جولدا مائير” بطلبات الحصول على فيزا لدخول فلسطين وتأديتهم القسم على احترام قوانينها قبل حصولهم على الموافقة على الدخول أحد الأدلة على أن فلسطين دولة بقوانين وأنظمة قبل العام 1948 في وقت كان الكيان لازال فكرة شيطانية في مخيلة زعماء الحركة الصهيونية العالمية.
ولعل الحركة الصهيونية استشعرت خطورة الضعف الديمغرافي الذي يصب في مصلحة أصحاب الأرض؛ مما دفعها للترويج لقصص المحرقة النازية لخلق حالة الرعب لليهود حول العالم، وقد تكون هي المستفيد الأول من الترويج لظاهرة عداء السامية التي انتشرت في أوروبا، وهو الأمر الذي ينسجم مع المشروع الصهيوني، خاصة بعد تنسيق الحركة الصهيونية مع الدول الغربية على إغلاق حدودها أمام لجوء اليهود إليها، بهدف جلب أكبر عدد من اليهود إلى أرض فلسطين التي ستكون الوجهة الوحيدة لليهود الفارين من محارق الغرب المزعومة عليهم.
فهل حققت عصابات الصهيونية أهدافها؟ وماذا تم وصف ذلك اليوم الذي أعلن فيه الكيان الغاصب قيام دولته الإرهابية على أرض ليست لهم ولا يملكون فيها أي حق تاريخي؟ وهو ما يمكن لنا الحديث عنه في تتمة هذا المقال.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News