شخصت أبصار العالم إلى قارب الموت يغوص في البحر بما يقل على متنه من متعبي الحرب والجوع وهم في طريقهم إلى بلاد أوربا ليطعمهم الجلاد فتات رغيف خبز مسروق من جيوبهم.
وصل عدد ضحايا “مركب الموت” إلى 99 بعد آخر جثة عائمة تم انتشالها اليوم الاثنين على شاطئ طرطوس، وقبلها غص شاطئ جزيرة أرواد في طرطوس بالجثث العائمة من أطفال ونساء ورجال.
سوري ولبناني على مائدة الموت
ليست المرة الأولى التي يختلط فيها الدم السوري واللبناني، ويلّون الموت مائدته بأرواح أبناء كلا البلدين.
فبحكم الجغرافية الواحدة والثقافة المشتركة والحياة الاجتماعية والقضايا والهم الواحد تقاسم السوريون واللبنانيون الجرح والملح في كل محطات المواجهة والمحن التي مرت على سورية ولبنان.
تتعد الأسباب والجاني نفسه
اللافت في الأمر أن الجاني دائماً هو نفسه بوجه الأسود يغطي سماء مستقبل سورية ولبنان وإن تعددت مسمياته.
لا فرق بين مجرم يوجه رصاصه إلى صدور أبناء الشعبين، يفتح رشاشه ومدفعيته على منازلهم، ويستهدف طريق أطفالهم إلى مدارسهم فيرغمهم على التهجير والتشريد، وبين أن يقوم هذا المجرم نفسه بفرض العقوبات والحصار الخانق ليتلطخ الخبز بالدم فيضطر مثل هؤلاء الضحايا أن يسلموا أنفسهم لأمواج البحر المتلاطمة بغية البحث عن الأمل المفقود والذي قبض ثمنه المهرب مسبقاً دون أن تصل إليه أيديهم.
هذا المهرب الفاسد وغيره من الفاسدين وأبناء السفارات والأدوات المتحركة بيد التدخل الأجنبي الذي عاث فساداً ودماراً في كل من سورية ولبنان.
العبث الأمريكي في كل من سورية ولبنان
فالأمريكي في سورية لا يكتفِ بقانون قيصر ليقطع سبل العيش عن أفواه السوريين، ولا بسرقة الغاز والنفط من الحقول السورية في شرق الفرات، بل ويعمل على صب مصادر الطاقة التي من المفترض أن تنعش حياة السوريين في أنابيب حيتان السوق السوداء ممن لديهم السطوة وفقدان الضمير لتجد الشح من المازوت والبنزين في مصادر التعبئة الحكومية والهدر في السوق السوداء، وهذا المثال ينطبق على كل ضرورات الحياة في سورية.
وفي لبنان الموضوع أعقد وأشد وطأً فأيادي الأجنبي واضحة في التجنيد من السياسيين إلى الإعلاميين إلى الفنانين إلى أصحاب الحملات النسوية والداعين إلى الشذوذ الجنسي إلى رواد منظمات المجتمع المدني والهدف واحد تجويع الناس حتى يذعنوا لمطالب الأمريكي والإسرائيلي.
كيف أوهم الضحايا أن حياتهم الكريمة في بلاد الغرب؟!
تلعب الميديا دوراً بارزاً في تلميع صورة الحياة وأنماطها في البلاد الأوربية، وتقديم صورة مجتزأة عن حضارتها وعمرانها ورفاهيتها دون ذكر باقي الأبعاد المختلفة التي تعطي الصورة الواضحة المتكاملة بسلبياتها وإيجابياتها.
فيظن الناس أن السفر إلى أوربا يعني فرص عمل ممتازة، وحياة مترفة وحضارة وارفة وتأمينات صحية وديمقراطية وتكنولوجيا وتطور وغيره.
وتستغل منصات التواصل الاجتماعي لتصوير هذه الصورة المجتزأة من خلال ممارسات بعض المسافرين وتباهيهم بلحظة سعادة تشوبها الكثير من المآسي التي يخفونها خلف صورة انستغرام أو غلاف صفحة فيسبوك، عدا عن منح الدراسة الموهومة التي تعرض والهدف منها عمليات نصب واحتيال، وكذلك بعض الإعلانات عن فرص العمل والتسهيلات وغيرها.
وهذا الفضاء الذي تحكمه الإدارة الأمريكية التي تفرض قيود على ما ترغب به ومن ترغب به وتتغاضى عن من ينال الرضا الأمريكي ويقبل اليد مذعناً للأوامر.
الخلاصة
مركب الموت الذي دفعته اليد الأمريكية ليغرق في عرض البحر لن يكون الوحيد إذا لم تقطع تلك اليد من المنطقة.
فطرد الأمريكي من شرق الفرات واجب، وقطع أذرعه في لبنان واجب ونزع كيان الشر والشغب المزروع في فلسطين المحتلة المحاذية لكل من سورية ولبنان، والذي لا يتوانى عن الإضرار بكلا البلدين فلا جدوى من الهرب من الواقع، بل مواجهته ربما يكلف مواجهته بعض تضحيات ولكنه سينهي مسلسل الموت الذي تجاوز عمره السبعين سنة منذ حطت قدم الجندي الإسرائيلي المدعوم غربياً في منطقتنا.