لم يشهد التاريخ العربي عصر خنوع وضعف وخيانة كالذي نشهده اليوم، لقد اندثرت الكرامة العربية من اللحظة التي رقص فيها نشامى العرب رقصة السيف مع شياطين الاستكبار العالمي وشربوا معهم كؤوس العار نخب دماء الأبرياء التي تزهق في فلسطين وسوريا ولبنان وكل بقعة من الأرض لا يبجل فيها الشيطان ويقام له سفاراتٌ وترفعُ له أعلام .
أما إن كنت تبحث عن العروبة المتبقية الصامدة والتي جاهدت كثيراً وقبضت على جمر النار كي تحافظ على أصالتها وهويتها وجذورها الراسخة عميقاً في القومية العربية والتي لم يدنسها تواطؤ أو تطبيع مذل رغم كل أنواع الضغوط والحصار فلن تجد على الخارطة غير سوريا .
وفي هذا الصدد كتب الكاتب السوري نارام سرجون يشرح كيف انقلب المفهوم العربي القومي ليصبح الخائن مبجلاً والممانع مستهدفاً .
فقال سرجون :
لايزال الكثيرون لا يقدرون على التخلي عن شعارات الربيع العربي لسبب بسيط هو أنهم لم يفهموا الربيع العربي إلا كما لقنتهم إياه “الجزيرة” ووعاظ الربيع العربي ، وما تعلموه هو من بنات أفكار الموساد الذي شوش العقل العربي وصور له أن عدوه ليس في تل أبيب بل هو في دمشق وطهران وبنت جبيل.
ولذلك فإن الكيان الصهيوني ضرب الجيش السوري الذي كان يهددها ويرفض أي سلامٍ معها ، ضربه بالثوار العرب والإسلاميين.
والكيان هو الذي حرض العرب والمسلمين ليعيدوا الساعة إلى لحظة “القادسية” ونسيان لحظة سقوط القدس، والسفر من تلك اللحظة عبر الزمن والعيش حول زمن “القادسية”.
كان الكيان يقصف سوريا فيكبر العرب والمسلمون تهليلاً ، وكان يحرك داعش التي لن تقتل جندياً امريكياً واحداً ولم تقتل جندياً صهيونياً واحداً فيما كان مئات الجنود السوريين يذبحون في الطرقات والعالم العربي والإسلامي يعتبر ذلك نصراً من الله ، كل جيوش الإسلام .. كانت تحارب الحيش السوري وحلفاءه ، ولم يعرف أحد السر في اختيار اسم “أبو محمد الجولاني” الذي لا ينتمي إلى الجولان بل هو من منطقة درعا، ولكنه كانت ترجمة للواء غولاني الإسرائيلي.
فلسفة دمشق هي التي تحمي فلسفة غزة:
وتابع سرجون :
اليوم تكشفت كل الأسرار ورأى العرب بأم أعينهم أن الكيان يقصف غزة ودمشق في نفس الوقت لأنه يرى أن دمشق هي التي تحمي غزة، وفلسفة دمشق هي التي تحمي فلسفة غزة، وإن جيش “محمد ضيف” في غزة نهض لأن جيش دمشق بقي نصيراً له ولم يمت كما ماتت بقية جيوش العرب.
لم يسأل العقل العربي لماذا فقط دمشق تتعرض للقصف الإسرائيلي والأمريكي هي وغزة دون أي عاصمة عربية وأي مدينة عربية؟؟
لماذا لا تقصف القاهرة ولا الرياض ولا الدوحة ولا عمان ولا تونس ولا الرباط ولا استانبول؟؟ فقط دمشق وغزة ، ألا يستحق هذا أن يفكر العربي في أن اللعبة قد انكشفت الآن وأنه لم تعد هناك أسرار وأنه لا ربيع عربي ولا جيوش إسلامية ولا جهاد ولا جوامع ، فقد صمتت كل الجوامع في مذبحة غزة وصارت مشغولة بالتصوف ورقص الدروشة وجفت كل التبرعات وصار المسلمون فقراء لامال عندهم ، وتحجرت الحناجر التي كانت تصدح بالدعاء لنصر أهل سوريا المظلومين .. وانصرف الجمع للدعاء لأولي الأمر أن يوفقهم الله فيما اختاروا.
قد أسمعت لو ناديت حياً لكن لا حياة لمن تنادي:
ويردف “سرجون” :
اذا لم يستيقظ العربي حتى اذا استيقظت الديناصورات، فما حدث في غزة أيقظ الديناصورات من شدة ارتجاج غزة بالقنابل والقصف ووصلت رائحة الدم إلى سكان الاسكيمو ولايزال بعض العرب ينتظرون فتوى شيخ وقرار مسجد وإصبع أمير ، والأمر بسيط جداً وهو أن دمشق ظلمها العرب كما يظلمون غزة اليوم ، طعنوا دمشق بحناجرهم واليوم أغمدوا خناجرهم ووقفوا يتفرجون على مذبحة غزة.
اليوم يجب ان يضحك العربي من كذبة أن قطر دولة لها سيادة ورأي ولها موقف مبدئي ، فهي تشنجت في التصالح مع سوريا والاعتذار منها بحجة أنها تقتل الأطفال، أما عندما يأتي الأمر للكيان الصهيوني فإنها تصافح وتستقبل قادتهم وتبتسم لهم، وكأنهم لم يرتكبوا أكبر مجزرة للأطفال في التاريخ البشري، فلم يقتل هذا العدد من الأطفال خلال هذه الفترة القصيرة إلا في غزة وبطريقة علنية وفاجرة.
غزة تقاتل بسلاح محور المقاومة :
على العربي أن يضحك من نفسه عندما يقول أن غزة اليوم تحارب بسلاح أعطته إياها مصر بالأنفاق ، رغم أن “يحيى السنوار” وكل قادة حماس أعادوا ملايين المرات علنا وأمام الشاشات انهم يشكرون سورية وإيران ومحور المقاومة على دعمهم بالسلاح والخيرات والاموال والتدريب وكل شيء ، ولم يذكر أحد منهم مصر ولا تركيا ولا قطر ومع هذا لايزال العربي يسرق جهد دمشق وفضل دمشق ويرى أن دمشق التي عوقبت في حرب الربيع العربي لاتزال أخطر عدو للكيان في قلب حرب غزة لأن دمشق هي قاعدة الارتكاز الرئيسية لغزة ولحزب الله وإيران ، ولولاها لانفرط عقد هذا المحور لأن حزب الله لن يجد طريقاً للتسلح وهو محاصر من كل ناحية في لبنان ومن البحر وبالقرار 1701 ، ولأنه لولا سوريا لما كانت إيران قادرة على الوصول إلى حزب الله .
ولولا سوريا لما تمكن حزب الله من دعم حماس.
وختاماً وجه سرجون رسالة للعربي الذي لايزال يتمسك بعصبية الجاهلية بأفكار صهيونية كخلاصة لما كتبه :
أيها العربي، نصيحتي لك فك رأسك من على كتفيك اذا لم تفهم وأرسله الى مصلح بوابير كاز! لأنه لن يفهم على رأسك إلا مصلح بوابير كاز ؟؟