أسبوع مضى على عملية “ميرون” ولا يزال الجدال في دوائر صنع القرار العسكري الصهيوني يحلل كيف تمكنت صواريخ المقاومة من الوصول إلى أهدافها دون اعتراض، وهو ما يجعل الكيان يعد حتى الألف قبل التفكير بتصعيد جديد قد تأتي نتائجه كارثية على هذا الكيان، وبذلك يكون مفعول الردع انقلب عكسياً عليه لا على المقاومة.
معادلة الردع إنجاز يحسب للمقاومة اللبنانية
إن ما كرسته المقاومة اللبنانية من معادلة الردع مع الكيان الصهيوني هو بحد ذاته انتصار سجلته المقاومة في سجلها، وإنجاز لم تحققه الدول العربية في ما سبق، فمنذ نكبة عام 48 لم يخضع هذا الكيان لقانون الردع المتبادل إلا بعد أن تجرع مرارة حرب الثلاثة والثلاثين يوماً مع المقاومة اللبنانية عام 2006 والتي هدف حينها لاقتلاع هذه المقاومة على الأقل من جنوب الليطاني، لكن حساب الحقل لا يتطابق مع حساب البيدر وتحولت وقتها مفخرة صناعته العسكرية الميركافا إلى خردة تم جرها بعد أن شاهد العالم مقبرة الدبابات في وادي حجير في الجنوب اللبناني على أيدي ابطال المقاومة اللبنانية.
من وقتها والكيان يسعى جاهداً للتخلص من ذلك الطوق الذي يكبل حركته في شمال فلسطين المحتلة تخوفاً من يوم ينفذ به حزب الله وعد أمينه العام السيد “حسن نصر الله” بالدخول إلى إصبع الجليل في أول تصريح علني من قائد مقاومة بنقل ساحة المعركة إلى عمق تحصينات العدو، وهو ما أنجزته فيما بعد المقاومة الفلسطينية بكل فخر في السابع من اكتوبر/ تشرين الأول للعام المنصرم.
إلى أي مدى وصل تأثير عملية “ميرون”؟
لا شك أن تلك العملية قد أفقدت العدو صوابه بعد أن شعر أنه بات مطوقاً بالجبهات جراء مسارعة المقاومة اللبنانية بالتدخل لمشاغلة قوات العدو بضربات استهدفت بنيته التحتية في المراقبة والتشويش والتجسس، وإجبار العدو على حجز ثلثي جيشه على جبهة الشمالية تخفيفاً للضغط عن غزة.
كما أن اغتيال الشهيد العاروري عموماً وفي الضاحية الجنوبية خصوصاً كانت الخطيئة الكبرى التي أسقطت الكيان في جحيم المقاومة، فالاقتراب من محظورات المقاومة عبث لا يسمح به، وحسابات قادة الكيان أن كثافة الإجرام لديهم سيولد عامل ردع لدى المقاومة هو دليل فشل آخر في فهم عقيدة هذه المقاومة وثوابتها.
وبعد جريمة الاغتيال بدقائق طارت السكرة لدى هذا الكيان وجاءت الفكرة، والتي كان يهدف من ورائها تحقيق أمرين:
الأول: هو البحث عن نصر يسوقه داخلياً لمجتمعه الذي فقد ثقته بهذا الجيش.
والثاني: هو محاولة منه لكسر معادلة الردع مع المقاومة اللبنانية بعد أن شد ظهره بوصول حاملات الطائرات الأمريكية إلى المنطقة.
حين يكون الخطاب بقوة الذخيرة!!
شكل خروج سيد المقاومة في خطابه يوم الأربعاء عقب الاغتيال بيوم واحد وبما تضمنه من ذخيرة تحدي ووعيد أرعب الكيان الصهيوني وأعاد لنا ذكريات المقاومة التي أوقفت هذا الكيان على “رجل ونص” لفترات طويلة، كان أهم ما تضمنه الخطاب عدم القبول بخرق معادلة الردع ولو ذهبت الأمور الى الأخير.
وكانت الإطلالة الثانية لسماحة السيد بعد يومين من خطابه الأخير في وقت كان العدو يحبس أنفاسه في ماهية الرد وكيف وأين سيكون؟!! ، ومتزامنة مع وصول مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” إلى بيروت بمهمة واحدة تتمثل بالتهدئة على الحدود ومنع توسيع الصراع خدمةً للكيان الصهيوني، وكذلك مع بدء جولة وزير الخارجية الأميركـي “أنتوني بلينكن” في المنطقة على تسع دول حليفة لواشنطن بدأها من تركيا.
الزيارتان كانتا مقررتان بُعيد عمليات الاغتيال والتفجير التي قامت بها كلّ من واشنطن و “تل أبيب” في الأسبوعين الأخيرين في كلّ من دمشق وبيروت وبغداد وفي كرمان بإيران، ويبدو أن المسؤولين جاءا متسلحين بنتائج الجرائم والتصعيد الذي تمت ممارسته وظنًا منهما أن ذلك يشكل عامل ضغط يستطيعان من خلالها فرض شروط للتهدئة بما تتناسب مع مصالحهما ومصالح “إسرائيل”.
لكن خطاب سيد المقاومة كان واضحاً وضوح الشمس في كبد السماء وسريعاً في الوصول الى قلب العدو كطلقة رصاصة تشق طريقها لتمزيق قلبهم رعباً حين توعد بكلمات ثاقبة بأن “بيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي”، وأن قرار الرد بات بيد رجال الميدان الذين استوثقوا بالله ملبين نداء الواجب المقاوم في تنفيذ الوعد بالرد كما اعتادهم العدو قبل الصديق.
السحر ينقلب على الساحر..!
رغم رفع العدو لجاهزيته القصوى تحسباً لرد آت لامحالة لم يخطر ببالهم أن تكون مرمى عيون المقاومة ترمي إلى أبعد مما يعتقدون، وأن الهدف هذه المرة هي البؤرة التي انطلقت ووجهت لعملية الاغتيال ،حيث لم تمضي 24 ساعة حتى كانت الضربة في مقر قاعدتهم في “ميرون” التي تعد مقراً للإدارة والمراقبة والتحكّم الجوّي، اللافت في الضربة كذلك، كان نوعيتها من جهة، ومن جهة أخرى هو إسقاط مفهوم “المدى” و “العمق” ولو آنيا، وتوجيه الضربة التي تحقق ألما وتدخل ضمن الحسابات الأمنية، بما يشكل ردعا.
للعدو من تكرار خطأ الضاحية، ولذلك تركت المقاومة الباب مفتوحا لردود أخرى.
ما الأهمية التي تشكلها القاعدة حتى تكون هدفاً مرعباً للكيان؟
هذه القاعدة ذات موقع استراتيجي حيث تقع على قمّة جبل الجرمق في شمالي فلسطين المحتلة، وهي أعلى قمّة جبلية في فلسطين المحتلة يصل ارتفاعها الى 1250 مترا عن سطح البحر “، وتُعَدّ المركز الوحيد في شمالي الكيان الإسرائيلي، ولا بديل رئيس منها واستهدافها بهذا الطريقة التي كانت في وضح النهار وفي ذروة انتشار الطيران المسير الصهيوني وراداراته بصواريخ متنوعة وصل عددها إلى 62 صاروخًا، في ظلّ عجزٍ وذهول اسرائيلي على كافة المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية.
كيف تعامل إعلام العدو مع عملية “ميرون” ؟
وقع العملية كان مؤلماً على لكيان وهو ما دفع القائد السابق للقيادة الشمالية في جيش الاحتلال “أشر بن لولو” للتعليق على الحدث بالتالي: “مهاجمة حزب الله موقعًا استراتيجياً من الدرجة الأولى في الشمال..حدثٌ استثنائي للغاية”
في حين أسهب إعلام العدو في الحديث عن هذا الاستهداف بقولهم إنّ التقييم الإسرائيلي يدلّ على أنّ قاعدة “ميرون” تعرّضت لهجوم بصواريخ “كورنيت” قادرة على الوصول لمدة يصل إلى 10 كلم، وهو جيل أكثر تطوّرًا مما كان لدى الحزب خلال حرب تموز/ يوليو 2006، وأضافت إحدى قنوات إعلام العدو: “ القبّة الحديدية ليست مصمّمة للتعامل مع هذا النوع من التهديد، لذلك يتعيّن على الجيش إيجاد حلول أخرى، وأن ما حدث هو ارتقاء درجة، وهو مقلق من ناحية كمّ المعلومات لدى حزب الله عن أماكن استراتيجية جدا”.
ورأت القناة نفسها أنّ تعرّض “مثل هذه التجهيزات الحساسة في قاعدة ميرون للخطر بهذه الطريقة هي نقطة يجب التحقق منها والاستعداد لها في المستقبل”، وتابعت: “بناءً على ذلك، لا يقتصر الأمر على هذه المنشأة فحسب، بل على منشآت استراتيجية أخرى”.
رسالة مرعبة قوية لقادة الكيان..
لعل الرعب الذي أصاب الكيان الصهيوني من هذه العملية لم يكن مرده لذلك فحسب، بل إن انكشاف العدو في شمال فلسطين المحتلة جعله يخشى أن يكون حزب الله قد قام بذلك استعدادًا لما هو أكثر، خاصة أن بيان المقاومة قد تضمن عبارة “في إطار الرد الأولي” .
وهذا يؤكد أن هذه العملية لها ما بعدها، وأن رجال المقاومة المتجذرين بعيون مراقبة ترصد كل هدف صهيوني يستحق استهدافه وأن أيديهم على الزناد لقنص اللحظة المناسة، مع أن كل مواقع العدو حتى في العمق باتت تحت مرمى صواريخ المقاومة التي تعمل على تصعيد الرد أكثر فأكثر.