حطّ أردوغان رحاله في القاهرة يوم الأربعاء 14 شباط 2024؛ وذلك في أول زيارة رسمية له إلى مصر منذ عام 2012، منذ سقوط مرسي وجماعته المدعومة من تركيا، وبعد سنوات من التحريض العلني ضد قيادة المجلس العكسري المصري وقواته المسلحة التي وصف أردوغان قائدها عبد الفتاح السيسي بالطاغية.
وسياسية تركيا التي تعرف بسياسة الذئاب والتي ترمز لعهد “كمال أتاتورك”، يبدو أنها انتقلت في عصر أردوغان إلى سياسة الثعالب، التي تفكر في نيل مكاسبها على حساب ما تدعيه من مبادئ.
أردوغان المتخبط داخلياً، اقتصادياً، وسياسياً، الذي قاد تركيا في سنوات حكمه الأخيرة إلى دائرة الصراعات الإقليمية، وإحياء الأطماع العثمانية لتراثها القديم في الهيمنة، والسيطرة على مساحات شاسعة من وطننا العربي.
ومنذ أن أفشلت دمشق مشروعه التوسعي عبر أدواته في المنطقة، وتهاوي سيطرة تلك الجماعات التي سيطرت على الحكم في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، أدرك أردوغان أن وطأة تلك الإخفاقات سوف تسحق حلمه في البقاء في سدة الحكم في تركيا لفترة أطول، وهو ما شهده من نفور شعبي لسياساته التي جعلت من تركيا محل انتقاد من محيطها الإقليمي، وسط انتقاد عالمي أيضاً، وهذا ما جعله يطرق أبواب دمشق مستجدياً تسجيل موقف يحتاج لتسويقه انتخابياً أمام معارضة سياسية تركية منافسة، تطرح بشكل علني تصالحها الفوري مع سوريا، وفك الارتباط مع تلك المجموعات الإرهابية في المناطق السورية المحتلة تركياً.
وحين وجد الباب موصداً في دمشق هرع إلى القاهرة متناسياً ذلك الشعار الذي كان يلوح به شعار رابعة التي يتهم جيش مصر بارتكاب مجزرة، وهو ما يثبت أن أردوغان في السياسة ليس له دين، أو ثوابت، أو أخلاق حين يتعلق الأمر بتحقيق مكاسبه الشخصية.
تركيا ومصر.. ودموع التماسيح
لا شك أن مصر وتركيا من الدولة الإسلامية ذات القوة السياسية، والعسكرية في المنطقة، وتطوقان الكيان الصهيوني جغرافياً.. لكن هل هما فعلا كذلك؟
حسب ما ورد في الإعلام فقد تصدرت قضية غزة جدول أعمال المباحثات بينهما لكن ما رشح من هذا اللقاء عن هذا الموضوع هو دعوتهما إلى وقف إطلاق النار الفوري وإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار للقطاع المحاصر.
كما أكدا على ضرورة استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقاً للشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين.
أصابت هذه التصريحات المتضامنين مع غزة حول العالم بالإحباط، وأن يكون هذا هو حال دولتين تتشدقان بإخوة عربية وإسلامية مع غزة ويكتفيان بترديد تلك الاسطوانة المشروخة مع ذرف دموع العاجزين أمام عدسات الكاميرا، لكن ما خفي كان أعظم.
أردوغان …المكاسب الاقتصادية لديه أهم من المقدسات
فتركيا لم يتأثر اقتصادها مع الكيان، فهي لا تزال هي ممر الطاقة الرئيسي لتزويد دبابات الكيان وطائراته المقاتلة وعرباته القاتلة بالوقود الآتي من نفط أذربيجان من جهة، ومن ذلك النفط الآتي من كردستان العراق، ومن النفط السوري المسروق عبر أدوات أمريكا في شرق سوريا.
تركيا التي هرعت منذ الأسبوع الأول من طوفان الأقصى إلى إغاثة المطابخ الإسرائيلية بما تحتاجه من منتجات زراعية تعذر عليهم الحصول عليها جراء معارك طوفان الأقصى في غزة، في حين كان نصيب أهل غزة مجرد دعمهم بالتصريحات الإعلامية مع القليل من التباكي فقط.
لكن ماذا عن مصر شقيقة اللغة والدين والجوار؟!
الموقف المصري لم يختلف كثيراً عن نظيره التركي، فهما وإن اختلفا في السياسة إلا أن هما متفقان في التبعية الكاملة للمشروع الأمريكي في المنطقة.
فما يهم القيادة المصرية هو عدم نزوح الفلسطينيين من رفح إلى مصر، وبتصريح معاكس ليس لدى مصر مشكلة في أن يقوم جيش العدو بجرائمه بطريقة تضمن ألا يحدث هذا النزوح، وقد تكون على سياق التصريح السيء لعبد الفتاح السيسي في وقت سابق أنه يمكن لإسرائيل جعل نزوح المدنيين من القطاع إلى صحراء النقب حتى تنتهي من تدمير غزة كي تسمح لهم بالعودة.
كنا كما هو حال أهل غزة نعتقد أن قوة هذين البلدين قوة لنا، لكن ما لمسناه أنهم قوة علينا، ولو بالصمت القاتل وهم يشاهدون مجازر لمدنيين لا يستطيع الهلال الأحمر الفلسطيني إسعافهم، والأكثر مرارة لا يتمكن ذويهم من دفنهم أو حتى التعرف على أشلائهم.