بقلم: البتول حبيب
منذ نشأة الحركة الصهيونية، وهي تسعى لتضليل الشعوب الإسلامية والعربية؛ للترويج فيما بعد للصهيونية، ولدعوة اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين، ونشر الادعاءات عبر إعلامهم أنها أراضيهم وبلادهم، لهذا بدأ الصهاينة بتأسيس إعلامهم الضخم، وتم افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية “دي وولت”، عام1897، ممهدين لأن تكون هذه الصحيفة درعاً للشعب اليهودي، وبهذه الفترة نشطت “إذاعة الاحتلال”.
وفي عام 1952، ورث الأمريكي الأسترالي “روبرت مردوخ” أكبر شركات الإعلام في العالم “نيوز ليميتد”، وهنا بدأت أخطر مراحل الإعلام الغربي في تضليل العالم، وتنفيذ سياسات اليهود، حينها أسس مردوخ أكبر تكتل إعلامي ينصر اليهود ويناصب العداء للفلسطينيين.
من هو روبرت مردوخ؟
ولد “كيث روبرت مرودخ” في 11 آذار 1931، لأبوين من أصول إسكتلندية، دفعت بهما وبالجيل السابق عليهما حمى الثراء إلى الهجرة، وفي مدينة ملبورن بولاية فيكتوريا الأسترالية ولد “كيث روبرت”، وعاش شغف البدايات الطفولية في بيت إعلامي يسعى لأن يكون جزءاً من صناعة الضوء في ولاية فكتوريا الأسترالية.
وبذلك، بدأ مردوخ بخطة تطويرية، معتقداً أنه يسلك طريقاً ذا شعبتين إلى الثراء وإلى توجيه الرأي العام، وصناعة الأفكار، وتصويب حركة القناعات السياسية، وكان الهم المحلي حجر الأساس الأول الذي قامت عليه مملكة “مردوخ”، إذ بدأ مشروع الهيمنة على الصحف المحلية في بلاده أستراليا، ثم في جارتها نيوزيلندا، ومع العام 1960 كان مالكاً ومسيطراً على عدد معتبر من وسائل الإعلام في البلدين.
مسار جديد من الهيمنة الإعلامية
وفي هذا السياق، قرر”مردوخ” في العام 1969 الانتقال إلى بريطانيا، ليعمل حينها في صحيفة “ديلي إكسبريس” في لندن، وسرعان ما تدفقت دماء الهيمنة من جديد في عروقه الإعلامية، فاشترى صحيفتي “نيوز أوف ذا وورلد” و”ذا صن”، وبدأ كسر الرتابة، أو الوقار الذي كان يميز الصحف المشهورة في عاصمة الضباب، فأطلق مساراً إعلامياً جديداً يركز على مواضيع الإثارة، ويحرك غرائز القراء، ويتتبع بؤر الفضائح، ليحولها إلى شغل عام.
وانتقل سنة 1973 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ رمي شباكه بين أمواج الإعلام الأمريكي، فاشترى في نفس السنة، صحيفة “سان أنتونيو أكسبريس” ليطورها من جديد، آخذة موقعها في مملكة الإعلام المردوخي، وخلال السنوات الثلاث اللاحقة، أسس الرجل الأربعيني حينها صحيفة “ستار سوبرماركت تابلويد” المتخصصة هي الأخرى في مواضيع الإثارة، فقد كانت الإثارة أقوى وأقصر طرق “مردوخ” نحو الشهرة والثراء.
وفي العام 1976 استطاع الهيمنة التامة على صحيفة “نيويورك بوست”، فبدأت مساراً جديداً مع الرجل الذي تحول إلى عاصفة في عوالم المال والأعمال والإعلام.
“مردوخ” يغرس أظافره بجسد الإعلام الأمريكي
كانت سنوات الانتظار الثلاث عشرة (1973-1985) التي سبقت نيل “مردوخ” للجنسية الأمريكية، استطاع فيها غرس أظافره بقوة في جسد الإعلام الأمريكي، وتوجيه أجزاء واسعة من الرأي العام في بلاد العم سام، كما أنها كانت فرصة لا تعوض للوبي اليهودي الذي وجد في “مردوخ” رجلاً صهيونياً أكثر من المتوقع.
ومع بدايات عام 1885 أصبح أخطبوط الإعلام أمريكياً بالجنسية، وبدأ مساراً جديداً من الهيمنة، ولكن هذه المرة على المحطات التلفزيونية، فقد أصبحت الصحف قصة قديمة.
في التسعين من رحلة حياته خطا “روبرت مردوخ”، ولم تزده العقود المتراكمة على منكبيه إلا سعياً حثيثاً لترسيخ مملكة إعلامية بدأت شغفاً موروثاً من والده الذي كان صحفياً خلال خمسينيات القرن الماضي.
وأسس شركة “نيوز كوربوريشن” القابضة التي أصبحت مع الزمن مملكة إعلامية واسعة، تتبع لها قناة فوكس نيوز الواسعة الانتشار والتأثير والمعروفة بولائها المطلق للمحافظين الجدد، ودعمها غير المحدود لإسرائيل ولرجالها في الولايات المتحدة، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد عاد الرجل من جديد سنة 2007 ليشتري واحدة من أهم الصحف الأمريكية وأكثرها تأثيرا في صناعة رأي النخب والشارع، وهي صحيفة “وول ستريت جورنال”.
لا يوجد اسم أكثر شهرة في عالم الإعلام وصناعة مؤسساته ومحتوياته اليوم أكثر شهرة من رجل الأعمال الأمريكي الأسترالي “روبرت مردوخ”، فالرجل ذو الجنسيتين أصبح منذ عقود رجل الصناعة الإعلامية الأول في العالم، وأكثر من ينفق على الصحافة وصناعة محتوياتها، كما أنه أيضاً أكثر من يجني من وراء ذلك المال والتحكم، إضافة إلى صناعة النفوذ الذي يستخدمه بشكل معلن وفج في أحيان كثيرة من أجل دعم وإسناد وإرساء قوة الاحتلال الإسرائيلي في أرض فلسطين.
قلب مردوخ الأسود مفعم بالعداء للعرب
وارتباطاً بما سبق، فإن “مردوخ” يحمل قلباً مفعماً بالعداء للعرب ولفلسطين بشكل عام، ولأي عدالة يمكن أن تنصف سكان الأرض المحتلة من المعتدين على أرضهم القادمين من شتات الآفاق، ليحولوا شعبا ضارباً في جذور الأرض إلى شتات تتوزعه المنافي والأسفار والرحيل المستمر.
في مقابل ذلك، يحمل هم المظلومية وقمصان شمعون، ويستمطر كل حين دموع العالم، ليحول الإعلام إلى حائط مبكى مستمر تذرف حوله دموع التماسيح من أجل إسناد حق الإسرائيليين، وتحقيق النبوءات المزعومة حول أرض الميعاد، وضمان أمن إسرائيل.
كما يعتبر، من أقوى الممهدين للعولمة ولكسر الحدود الحضارية والثقافية؛ بهدف التغلغل في كبد المجتمعات تمهيداً لعصرنتها ويقدم مصالحه الشخصية والعقائدية على كل ما سواها ويُظهر مردوخ دعمه لإسرائيل دعماً علنياً وصريحاً، ففي خطابه أُثناء فعالية الاتحاد المسيحي الإسرائيلي قال: «إسرائيل هي الحليف الأكبر للديمقراطية، في منطقة مليئة بالتطرف، وأصبحت إسرائيل معياراً للأمل والعدل (دولة وشعبًا)، وأعداؤها هم أعداؤنا، الذين يمجدون الموت، والذين يريدون فرض عقيدتهم الدموية عن طريق العنف».
اشتهر صاحب القلب الأسود بدعمه غير المحدود لإسرائيل، إذ وجدت تل أبيب وأذرعها في قنوات وإعلام مردوخ فرصة لا تعوض لنشر دعايتها، كما أن شركته هي مستثمر فعال في إسرائيل، وتمد أذرعها في مجالات متعددة من التكنولوجيا الرقمية والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وغيرها من المنافذ والموارد ذات البعد الإعلامي والاتصالي.
وعلى أية حال، صحف امبراطور الإعلام العالمي “روبرت مردوخ” بدأت تنهار في مواجهة الصحافة الإلكترونية والدليل أن مردوخ بدأ يتجه إلى شراء محطات التلفزة ووكالات الأنباء، والانتقال بصحفه الورقية إلى فضاء الإنترنت فمردوخ الذي يتربع على عرش امبراطورية الإعلام متفرداً ودون منافس يؤمن بالإنترنت كلغة العالم القادمة وبالتكنولوجيا الجديدة وعصر السرعة.
وختاماً، حكاية العالم الحر التي سادت وانتشرت في أرجاء الأرض، لم تكن، إلا أكذوبة روّجت لها إمبراطورية الإعلام والمال اللذين يتلاعبان بمشاعر البشر وعواطفهم ومصائرهم، وأن إمبراطورية مردوخ الصهيونية الصحفية لم تبدأ مهمتها القذرة اليوم أو أمس، وإنما تلك كانت مهمتها الموكلة إليها من قوى معلومة ونافذة وذات أهداف محددة ومغطاة بأوراق السلوفان التي لا تخفي عن عيون العقلاء وأذهانهم شيئاً. وكان البعض يبررون للغرب الأوروبي الأمريكي اتخاذ الإجراءات الاستثنائية في مناخ الانقسام الذي كان سائداً زمن الحرب الباردة، لكن تلك التبريرات سقطت بسقوط القطب المنافس.