أخبار حلب _ سوريا
خاص لموقع أخبار حلب
بقلم :طلال ماضي
عندما استشعرت المنظمات الدولية والبنك الدولي خطورة أزمة المياه القادمة على مستوى العالم؛ وضعت معايير دولية أسمتها “المياه المستهلكة” و”المياه المُصدرة”، وفرضت بعض الدول رسوماً على المواد الزراعية المصدرة التي تستهلك المياه أسمته “رسم مياه مصدرة” فمثلاً كيلو البندورة يحتاج إلى 10 ليترات مياه لإنتاجه فيتم تحصيل رسم “مياه مصدرة” من المنتجات الزراعة المصدرة كقيمة مضافة عوضاً عن المياه المستهلكة.
في سوريا يقدّر عدد من الخبراء نسبة الفاقد المائي بسبب اسهتلاك شبكات الري ومياه الشرب بنسبة 40 بالمئة من قيمة الإنتاج الكلي، حيث دخلت سوريا منذ سنوات في عجز مائي كبير بين حاجتها المقدّرة بحسب أرقام وزارة الموارد المائية ب 18 مليار متر مكعب سنوياً لجميع أغراض الاستخدامات، وبين إنتاجها المطري المقدر ب 16 مليار متر مكعب، وأصبحت الخطط توضع لإدارة العجز، ونحن أمام قيمة هدر مياه تقدر بحسب الخبراء بنحو 6.5 مليار متر مكعب، وأمام هذا الواقع والتغيرات المناخية المتسارعة والتحذيرات الدولية المتصاعدة، وأمام الواجب الأخلاقي بالحفاظ على الأحواض المائية الجيولوجية التي بدأت بالتناقص وتفقد حصة الأجيال القادمة.
فمن يتنبه إلى خطورة الواقع المائي القائم ويعمل على تحويل المياه إلى قيمة مضافة، ويعالج الهدر في الدرجة الأولى، ويعيد ترتيب الزراعة وفق الواقع المائي، ويكف عن نشر الخطط الزراعية بأرقام كبيرة وغير متاح زراعتها، كما هو موجود في الخطط السابقة؛ حيث يخطط لزراعة 460 ألف هكتار ويضع الخطط لهذه المساحة من سماد وفلاحة وإرشاد ومصاريف وهمية، بينما في الواقع نحن غير قادرين على زراعة وفق المياه المتوفرة سوى 160 ألف هكتار، من يلتفت إلى هذه المشكلة ويعمل على خطط زراعية ملائمة للتغيرات المطرية المتسارعة، والتخفيف من سلبياتها كوننا غير قادرين على التحكم بالتغيرات المناخية.
وفي سياق الكلام عن التخطيط الزراعي السليم فإن من يتابع الخارطة الزراعية السورية خلال سبعينيات القرن الماضي يجد أن الزيتون كان يتواجد بكثرة ويزرع بعلاً في المناطق الساحلية، فتم الاستغناء عنه لبدائل أخرى هي الحمضيات، واليوم الزراعات الاستوائية، والنتيجة الاستغناء عن محاصيل بعلية والاتجاه الى محاصيل تستهلك المياه بنسبة كبيرة، وبالمقابل انتشرت زراعة الزيتون مروي في دير الزور وريف حماه الشرقي وغيرها، وهنا أيضاً تعتبر خسارة إضافية للمياه في زراعة محاصيل في مناطق غير مدروسة؛ فالتغيرات المناخية تفرض وجود خارطة زراعية وتثقيف زراعي لاستخدام الزراعات وفق الاحتياج المائي في كل منطقة، وليس بالانتشار العشوائي كما يحصل اليوم .
في سوريا يوجد اليوم 162 سد تخزيني، ولدينا 4 أنهار دولية، وبعض الينابيع الداخلية المهمة، و7 أحواض مائية جيولوجية وذلك بحسب المعلومات الصادرة عن الموارد المائية، متوزعة في الساحل، والعاصي، والبادية، والفرات، ودجلة، والخابور، وحوض دمشق، والجميع يعلم أن الأنهار العابرة محكومة بالاتفاقيات الدولية، وهناك تراجع مخيف في حصة سورية من نهري الفرات ودجلة.
والأهم من كل هذا هو التغيرات المناخية وما حدث في محافظة اللاذقية مؤخراً؛ حيث وصلت كمية الهطول خلال 72 ساعة أي ما يعادل 3 أضعاف موسم الهطول في دمشق خلال عام، ومع ذلك جميع قرى اللاذقية عطشى في الصيف ومن التغيرات المناخية موجات الجفاف بالإضافة إلى اشتداد الحرارة، وتراجع قيمة إنتاج الشعير من الزراعة البعلية جميعها مؤشرات تقودنا إلى السؤال من يحافظ على المصادر الجوفية السورية، وهل هي على سلم أولويات الحكومة، وهل الحفاظ عليها يحتاج إلى رؤية وطنية جامعة، وهي مغيبة اليوم هذه الرؤية لسبب ما.
و خلال الحرب على سوريا والتي قاربت ال 13 عاماً، وما أفرزته من الحاجة الملحّة بسبب الاعتداءات الإرهابية على أنانبيب المياه، تم حفر آلاف الآبار الارتوازية من دون ترخيص من وزارة الموارد المائية، وهي لا تعلم بالرقم الحقيقي لهذه الآبار المحفورة من جهة، و من جهة أخرى وبعد استخدام الطاقة الشمسية في الري ومنح قروض لهذه الآبار أصبح الري العشوائي وضخ المياه من دون إدراك لحجم الهدر القائم للمياه الجوفية كون المزارع لا يدفع ثمن محروقات لعمل الغواطس رفع تكلفة كيلو البندورة من 10 إلى 30 ليتراً من المياه وخاصة مع ارتفاع أسعار شبكات الري بالتنقيط، وغياب الصيانة إلى شبكات الري الحكومية، وكل هذا يزيد من الهدر المقدّر وغير المقدّر ويفاقم من أزمة المياه ويهدر من حصة الأجيال القادمة.
الجميع يسأل ما هو الحل؟ هل نتوقف عن الزراعة ونتجه للاستيراد، وبالتالي تحقيق المزيد من الهجرة والضغط على المدن الكبرى، وماذا يمكن للدولة أن تعمل أمام هذا الواقع وقلة الحيلة المادية المتوفرة، نقول لكم أن رفع أسعار استهلاك المياه والاتجاه نحو الجباية ليس هو الحل أبداً.
والحل الوحيد بحسب الخبراء والأكاديميين هو عمل متكامل طويل الأمد يبدأ من وقف نسبة الهدر الكبيرة في المياه، وإجراء تنبؤ عالي الدقة، والتخطيط لعشرات السنوات القادمة وحساب التغيرات المناخية بدقة وعدم تجاهلها، والأهم من ذلك الاستماع إلى البحوث الزراعية، وبحوث البيئة والاستشعار عن بعد، وأخذ تحذيراتهم على محمل الجد، ودراسة جدوى المحاصيل الزراعية من الناحية المائية، والتفكير الجدي بفرض رسم المياه على المنتجات الزراعية المصدرة أسوة بجميع دول العالم.