أخبار حلب _ سوريا
يأتي شهر رمضان حاملاً في جعبته العديد من الطقوس المبهجة والمظاهر الدينية والروحانية الفريدة التي تبعث في النفوس الراحة والسرور؛ فعلى مدار قرون جهد الحلبيون باستقبال هذا الضيف العزيز بأجواءٍ استثنائية من إظهار الفرح وتزيين الشوارع والبيوت وتبادل التهاني والمباركات بحلول أفضل الشهور كرامة عند الله وإحياء المظاهر والشعائر الدينية المرتبطة به.
ولعلّ “السّحور” من أهم الطقوس، فقد وردت أحاديث كثيرة عن نبيّ الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد على استحباب الإتيان بها قبل الفجر ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: “تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً”.
والسحور هو عبارة عن وجبة خفيفة يتناولها المسلمون قبل آذان الفجر لتخفف عن الصائم خلال النهار، ويتولى المسحراتي مهمة إيقاظ الناس ليلاً لتناول وجبة السحور قبيل أذان الفجر.
فيشقُّ “المسحراتيّ” بنداءاته المتكررة كلَّ عام صمت الليل في الأحياء والأزقّة والشوارع مردداً جملته الشهيرة “أصحى يا نايم وحِّد الدايم”؛ فيستيقظ أهالي مدينة حلب القديمة سابقاً على صوته المدويّ وهو يجولُ بين أزقتها ويطرق أبوابها باباً باباً منادياً كل عائلة باسمها لتستيقظ وتتناول سحورها قبل أذان الفجر.
يعتبر عمل “المسحراتي” جزءاً هاماً وأساسياً من الطقوس الرمضانية في حلب وأكثرها شعبيةً فهي تعطي لهذا الشهر الفضيل سمة خاصّة يعيشها الناس بأجواء مميزة.
حيث يتجول في الأحياء مرتدياً ملابسه التقليدية التراثية حاملاً على كتفه طبلته وبيده عصا رفيعة يطرق بها إيقاعه المحبب للناس؛ منشداً بألحانه العذبة وصلةً من الموشّحات التُراثية الحلبية الخاصة بشهر رمضان المبارك.
وكما هو متعارفٌ عليه بأنّ “المسحراتي” لا يطلب أجراً على عمله، وإنّما يقدم له الأهالي تحبباً بعض الأطباق من الطعام والحلويات، وفي نهاية الشهر يمنحونه “العيديّة” وهي جزء بسيط من النقود تعبيراً عن شُكرهم وامتنانهم له.
وبالرغم من أن مهنة المسحراتي عادةٌ قديمة وتراث عريق طالما دأب الحلبيون في الحفاظ عليها إلا أنها فقدت الكثير من بريقها في عصر التكنولوجيا والحداثة ووجود المنبهات في الأجهزة النّقالة.
حيث أصبحت قيمة تراثية أكثر من كونها ضرورة لإيقاظ الناس، خاصةً في المناطق العُمرانية الحديثة والمُكتظَّة بالسكان إذ لا يُمكن أن يسمع صوت المُنادي فيها؛ ليظلّ المسحراتي على نشاطه في المناطق الشعبية والحواري القديمة التي حافظت على دوره ولو في نطاقٍ أضيق مما كان عليه قديماً.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ من أكثر العبارات المشهورة بين المسحّرين قولهم “يا نايم وحّد الدّايم يا غافي وحّد الله” و “يا نايم وحّد مولاك للي خلقك ما بنساك” وعبارة “قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم”.