أخبار حلب _ سوريا
بقلم: أديب رضوان
بقراءة متأنية لمواد الدستور الأمريكي نجد أنه لا يسمح بإعلان “حالة الحرب” على أي دولة أخرى أو التواجد عسكرياً في أراضي أي دولة أخرى إلا بعد موافقة “الكونغرس”؛ لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتدخل وتنشر قواتها وتشن الحروب في البلدان الأخرى دون إعلان “حالة الحرب” تحت عناوين مضلّلة من قبيل الهجمات الاستباقية لمواجهة التهديدات المحتملة على ما يسمى الأمن القومي الأمريكي.
ومما سبق نجد أن أصل الوجود الأمريكي على الأراضي السوريّة ليس له تسمية في القانون الأمريكي ذاته ناهيك عن القانون الدولي سوى أنه “احتلال”، وبالتالي فإن من حق الدولة السورية مواجهة هذا الاحتلال بكل السبل الممكنة.
كما أن انتهاك واشنطن لسيادة الدولة السورية لا يتم ذلك فقط من خلال قواعد الاحتلال الأمريكية على أراضيها، بل تعداه إلى سرقة مقدرات الشعب السوري من نفط وقمح في منطقة الجزيرة السورية، ناهيك عن دعم واشنطن لميليشيات انفصالية تقوض سيادة واستقرار البلاد.
مخطط معد مسبقاً
تكشف المصادر والوثائق أن “استراتيجية ما يسمى “الزمن القومي الأمريكي” وضعت بعد عام من أحداث أيلول “2001”، وعلى خلفية هذه الاستراتيجية جرى استقطاب حاد على الصعيد الدولي، اختزله الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الابن بما معناه “إما أن تكون مع أمريكا أو ضدها”، وعلى أساس هذه المبدأ “العنصري” نصّبت واشنطن نفسها كشرطي عالمي يقوم بفرز دول العالم وشعوبه وفق المنظور الأمريكي والصهيوني الغربي.
وضمن سياق الاصطفاف الدولي والغربي سارعت العديد من الأنظمة العربية للتهافت لاسترضاء الأمريكي؛ بهدف استمرار تمسكها بكرسي الحكم، ومنحت واشنطن اسم “الدولة المعتدلة” بمقدار اقترابها من الاستراتيجية الأمريكية ودخولها التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ بصرف النظر عن ممارستها تجاه شعوبها، فيما بقيت سوريا شبه وحيدة عربياً متمسكة بعروبتها ومبادئها ومواقفها القومية الداعمة للمقاومة في المنطقة و المعادية للصهيونية، ولهذا فقد استهدفت الاستراتيجية الأمريكية الآنفة الذكر سوريا وكان الهدف القضاء على مقومات الدولة فيها وإضعافها والتأثير على موقفها القومي المناهض لواشنطن ولإسرائيل بالمنطقة.
كل ما سبق يذكرنا بـ”مخطط الشر” الذي تحدثت عنه هيلاري كلينتون وزيرة خارجية واشنطن السابقة في مذكراتها بالقول : “إن كثيراً مما جرى في سوريا منذ عام 2011 هو من صنع وتدبير الولايات المتحدة” ولعل أبرز دليل أنه منذ بداية الأحداث في سوريا في شهر آذار عام 2011 وجدنا السفير الأمريكي بدمشق آنذاك “روبرت فورد” يتجول بين المتظاهرين من حماة إلى درعا وأريافها، كما وجدناه يتنقل بين ما أطلق عليهم أطياف المعارضة؛ الذين حولتهم الولايات المتحدة إلى من سمتهم بـ”الثوار” وبعد أن دججتهم بالسلاح بمختلف تسمياتهم في محاولة لإضفاء الشرعية على “التنظيمات الإرهابية” بهدف القضاء على أسس الدولة السورية لما تمثله من نموذج قومي عربي ملتزم بقضايا أمتها.
وهنا نجد أيضاً أن سياسة فرض “العقوبات الاقتصادية” ضد سوريا لا تنفصل عن مخطط دعم الإرهاب فيها؛ فإضعاف الاقتصاد السوري وإشاعة أجواء الفساد أحد أهداف الحرب الأساسية ضد الشعب السوري ودولته، كما كان العمل من أجل إشعال “الفتنة الداخلية” جزءاً أساسياً من السياسة الأمريكية، وأولى الخطوات بهذا الشأن؛ خلق التناقضات على أن يغلف ذلك عناوين براقة تحت مزاعم المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وغيرها.
“قرقعة طبول” الانسحاب بدأت تدق
وبعد مرور هذه السنوات وفي ظل المخطط الأمريكي المعد سلفاً ضد سوريا، يتساءل مراقبون عن الأسباب التي تجعل من واشنطن عنيدة في مسألة سحب قواتها من سوريا؛ رغم تعرض قواعد الاحتلال فيها لعشرات الهجمات من فصائل المقاومتين السورية والعراقية، خصوصاً بعد عملية “طوفان الأقصى” الفلسطينية في السابع من تشرين أول من العام 2023 وتكبدها الخسائر الكبيرة التي مازالت واشنطن تتكتم عليها حتى الآن.
وبهذا الصدد يقول “جيفري فيلتمان”، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق لشؤون الشرق الأدنى في مقال له في كانون الثاني عام 2021: “لقد فشلت السياسة الأمريكية في سوريا منذ عام 2011، فلماذا الاستمرار هناك”.
ونظراً لأن العراق هو المركز اللوجستي للقوات الأمريكية في سوريا، فإن الانسحاب من هناك يجعل مسألة الوجود الأمريكي في سوريا غير قابل للاستدامة؛ حسب تصريح مسؤولين أمريكيين كبار، مؤكدين فكرة الانسحاب الحتمي من سوريا مع استمرار دعم “قسد” بالمنطقة في شمال شرق سوريا.
يقول “روبرت فورد” آخر سفير أمريكي في دمشق: إن الولايات المتحدة أمام خيارين في سوريا إما الانسحاب فوراً دون انتظار أي مستجدات أو أن تفكر في “عملية انتقالية”، حيث تذهب “قسد” لمصيرها مع الدولة السورية.