أخبار حلب _ سوريا
يطلّ العالم اليوم على الذكرى ال 21 للغزو الأمريكي للعراق، مستذكراً كل ذرائعه وأذرعه التي قدمت له البلاد لقمة سائغة أمام شهيته الشرهة للدمار والاحتلال ونهب المال.
ومن أكثر الذرائع التي امتطاها جورج بوش لاحتلال العراق عام 2003م ما يزال تأثيرها المدمر إلى اليوم وهي إيواء العراق لعدد من العناصر المتورطة باعتداءات 11 أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتؤسس أمريكا من خلالها لما يعرف اليوم بــ “الإسلاموفوبيا”.
ما هي علاقة “الإسلاموفوبيا” بحادثة 11 أيلول؟!
نشأت نظرية “الإسلاموفوبيا” كنوع من الثقافة الأمريكية بعد هجوم 11 أيلول عام 2001، حيث استولت مجموعات صغيرة متطرفة على 4 طائرات ركاب أقلعت من نيويورك وبوسطن وواشنطن إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، واستخدمتها لضرب مبانٍ بارزة في نيويورك وواشنطن.
وضربت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بينما دمرت طائرة ثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في واشنطن، أما الطائرة الرابعة، فتحطمت في حقل بولاية بنسلفانيا.
هذه الاعتداءات وبالرغم من استهدافها جميع الأمريكيين وعدم تفريقها بين أمريكي مسلم وغير مسلم، إلا أن الإدارة الأمريكية التي عكفت على استغلال الفرص سيست آلام الشعب الأمريكي كورقة سلاح تضمن لها الهيمنة على العالم دون أن يقف في وجهها رأي عام أو قرارات أو عدالة دولية.
وباتباع ثقافة التعميم المقيتة واللعب على الوتر الحساس روجت الميديا الأمريكية لمنطق الكراهية اللامنطقي للإسلام والمسلمين في العالم مؤسسة لنظرية “الإسلاموفوبيا” وتعني الكراهية والرعب من الإسلام، رابطةً بذلك بين الوجود الإسلامي في العالم والذي يبلغ المليار وبين الوجود الإرهابي والمتطرف آنذاك والذي لم يكن يتجاوز مجموعات صغيرة زكّتها الممارسات الأمريكية من خلال اتباعها سياسة التسمين والتضخيم من أجل التوظيف الملائم لمصالحها؛ ليفتك اليوم الإرهاب في كل مكان بالعالم بفضل ودعم الإدارة الأمريكية وباعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلينتون”، وذلك في كتاب لها يحمل عنوان “خيارات صعبة” كشفت فيه مفاجأة من الطراز الثقيل، إذ اعترفت بأن الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمى “بتنظم الدولة الإسلامية” فى العراق والشام لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، والذي يعرف اليوم بتنظيم “داعش”.
كذلك كشف الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب ” ليفضح المفضوح حين وصف “باراك أوباما” بأنه مؤسس تنظيم “داعش”.
ما علاقة الإسلاموفوبيا باحتلال العراق؟!
بعد أن رسخت الإدارة الأمريكية لمفهوم الكراهية للمسلمين وتعميم مصطلح الإرهاب على معتنقي الديانة الإسلامية لتجييش عواطف الرأي العام نحو الخطوة التالية التي تخطط لها أمريكا وهي اجتياح العراق، وبينما تخدر الرأي العام الأمريكي والعالمي بإبرة “الإسلامو فوبيا” معتقداً أن الجنود الأمريكيين في مهمة سامية في العراق للبحث عن أسلحة دمار شامل، والتقاط مجموعة المتطرفين المسؤولين عن أحداث 11 أيلول، استفاق العالم على تدمير شامل للعراق ونهب كامل لثرواته النفطية واستباحة كاملة لأراضيه ومقدراته وشعبه ومؤسساته وبالمقابل لا أسلحة دمار شامل بل معتقلات ومختبرات ومصانع بشرية ايديولوجية أسست نواة لانطلاق ما يعرف اليوم بتنظيم “داعش” الإرهابي المسؤول عن تدمير المنطقة.
كيف انساق المجتمع الغربي مع مكيدة الإسلاموفوبيا؟
تعيش جاليات مسلمة كبيرة باتت في مرمى عدد من التنظيمات السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية، محاولة إلصاق صفات العنف والتشدد على مجموعات بأكملها، لأهداف سياسية أو إيديولوجية بعد نشر ثقافة الكراهية ضد المسلمين.
حيث تعرض 31 بالمئة من المسلمين في أوروبا، للإقصاء في البحث عن عمل، و 42 بالمئة منهم تم إيقافهم خلال عام واحد من الشرطة لأسباب تخصّ خلفياتهم الثقافية.
كما أحصي 732 جريمة ضد المسلمين و54 هجمة على مؤسسات تمثل أو تابعة لهيئات إسلامية في أوربا، أبرز تلك الجرائم تلك الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا، عندما اقتحم يميني متطرف مسجدين في مدينة كرايست تشيرش، وأطلق النار على المصلين، ما أدى إلى مقتل 51 شخصاً وجرح آخرين، ما جعل الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر على السلم العالمي وتسعى لمعالجة تفشي مرض الإسلاموفوبيا بعدة قرارات وجهود لمحاربته.
اليوم العالمي لمحاربة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”
اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع يقتضي تخصيص يوم 15 آذار يوماً عالمياً لمكافحة ظاهرة العنف ضد المسلمين وذلك في العام 2022؛ باقتراح جاء من باكستان وقدمته باسم منظمة التعاون الإسلامي التي وافقت مسبقاً على تبني قرارٍ مماثل.
يدعو نص القرار غير الملزم إلى “تكثيف الجهود الدولية لتقوية الحوار العالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات”.
وفي احتفاء بمرور العام الثاني على هذا اليوم قبل أيام، وصف “أنطونيو غوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة، رهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا بأنه “سم”، متحدثاً عن أن “مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم نحو ملياري نسمة هم تجسيد للإنسانية بكل تنوعها”، وأضاف في كلمته التي نقلها موقع الأمم المتحدة أن “المسلمين يواجهون في كثير من الأحيان تعصباً وتحيزاً لا لسبب سوى عقيدتهم”.
كما أكد المسؤول الأممي أن رهاب الإسلام “ليس حدثاً منعزلاً، بل جزء أصيل من عودة القومية الإثنية للظهور وأيديولوجيات النازيين الجدد الذين يتشدّقون بتفوق العرق الأبيض”.
هل اليوم الواحد لمحاربة التطرف كافياً؟
إن ما افتعلته الإدارة الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول عمق حجم المشكلة إلى درجة التقيح وذلك حين حاربت التطرف بالتطرف، وبناء على ممارساتها في المنطقة لا يصح نسب مصطلح محاربة التطرف لها بل عملت كل تلك السنوات على توظيف التطرف وبتطرف، لذلك اليوم لا ينفع معالجة هذه الأزمة المتفاقمة بجهود فردية ولا بيوم عالمي واحد بل يحتاج إلى جهد عالمي جمعي يتمثل ب:
أولاً: معالجة النصوص المتوحشة المدسوسة في الموروثات الدينية والتي تدعو للتكفير والعنف بجهد علمي وأخلاقي.
ثانياً: محاسبة القنوات والمواقع والمنصات التي تحرض على العنف والكراهية.
ثالثاً: محاسبة الدول والكيانات والجماعات والفصائل التي تحرض وتمارس العنف والتطرف، وهذا الأمر يتطلب جرأة على السلطة العالمية المتفردة بها أمريكا عرابة العنف والتطرف، وكذلك وضع حد لغطرسة الكيان الإسرائيلي في المنطقة واستباحته مقدسات المسلمين وأراضيهم.
رابعاً: تفعيل الحوار وتبادل الثقافات بين شعوب وأديان العالم شريطة نزع غشاء الهيمنة الفكرية والثقافية والأيديولوجية التي تمارسها الليبرالية الحديثة وأن يكون أي حوار مشفوعاً باحترام السيادة والاستقلالية.
خامساً: نبذ سياسة التعميم على أي تصرفات فردية لبعض الجماعات التي لا تمثل إلا نفسها والتعامل مع تصرفاتها على هذا الأساس.
الخلاصة
إذا أرادت الأمم المتحدة أن تكلل جهودها بالنجاح ويتحول اليوم العالمي لمحاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا من يوم التحدي الأكبر إلى يوم الاحتفاء الأكبر بتحقيق السلام العالمي؛ فعليها أن تواجه سياسة السلطة العالمية المتمثلة بأمريكا والتي تأجج العنف وتوظفه وتدعمه حين تتطلب مصالحها دعمه وتجمده دون القضاء عليه في بعض الأحيان لكي ترسم له الدور المطلوب في الوقت المطلوب وهذا ما نلحظه في مخيم الهول ومخيم الركبان اللذان يضمان بقايا “داعش” وهما تحت سيطرة فصائل إرهابية مدعومة أمريكياً.
إن ما صنعته أمريكا في مختبراتها بالعراق بعد تدميره هو فأر “داعش” الذي ترميه من قفصه وسط حقول القمح الشاسعة في منطقتنا، ثم تدمر الحقول بحجة محاولة اصطياده، كما فعلت وتفعل اليوم في سوريا وهذا الفأر تجعل منه الحرب النفسية والناعمة الامريكية غولاً متى شاءت وتعيده فأراً صغيراً بقبضة مصيدتها متى شاءت بحسب مصالحها.