أخبار حلب _ سوريا
منذ أكثر من 13 عاماً، ونتيجةً للحرب الكونية على سوريا؛ غابت عن المحافظات السوريّة عادات وتقاليد شهيرة في شهر رمضان؛ أبرزها “المدفع والمسحر والحكواتي” والتي تميزت بها الأحياء الشعبية، فقبل الحرب كان مدفع رمضان يشكّل علامة من علامات شهر رمضان في سوريا، إذ كان محفوظاً في ذاكرة السوريين كثوابت أصيلة، إضافةً إلى “المسحر ” الذي كان أحد أهم رموز الشهر المبارك، ناهيك عن ظاهرة “الحكواتي” المنتشرة في معظم الأحياء القديمة، بدلاً من السينما والمنصات الدرامية.
مدفع الإفطار يبهج الصغار والكبار
عُرف مدفع رمضان بالمحافظات السوريّة، بأنه وسيلة للإعلان عن موعد الإفطار قبل آذان المغرب بدقائق معدودة، حيث كان ينزل أحد موظفي البلدية لضرب المدفع آنذاك، معلناً عن موعد الإفطار، كما كانت إذاعة دمشق والتلفزيون السوري بانتظار سماع صوته للإعلان عن دخول وقت الإفطار.
ولكن مع الحرب، تبدل مدفع الإفطار بمدفع الأضرار، فقد توقف صوت المدفع قبل ثلاثة عشر عاماً، واستُبدل بمدافع لا تعرف سوى الحقد والغدر والتدمير، بمدافع لا تُدخل البهجة والسرور إلى نفوس السوريين، بمدافع جعلتهم يكرهون صوت المدفع إلى أبد الآبدين، فأين نحن من مدفع الرحمة والسلام أمام مدافع الغدر والظلام؟
المسحر ” موروث شعبي راسخ في الذاكرة
وإضافةً إلى المدفع الذي كان ينبه الناس على وقت الأذان، كان هناك المسحراتي الذي وُجد منذ سنوات طويلة لإيقاظ الناس على السحور، وهو عادة رمضانية جميلة تتوارثها الأجيال بالرغم من تطور وسائل الاتصال، حيث يبدأ “المسحّر” عمله ماشياً في ليالي رمضان، بطبلته الرنانة وعباراته البسيطة “قوموا على سحوركم قوموا” و “يا نايم وحّد الدايم”، ومضت الأيام وظهرت الإذاعة والتلفاز وتطورت وسائل التواصل وأصبحت بمتناول الجميع؛ فلم يعد يجد عمله سهلاً كما كان في السابق، ولم يعد يجد استحساناً من الجميع مثل ذي قبل، ومع ذلك فإن هذه العادة راسخة في عقول معظم الناس.
من هو “الحكواتي” وماهي حكايته؟
وفي الحديث عن العادات المتوارثة، عُرف الحكواتي وهو الرجل الذي يجلس في مكان مرتفع ومعه كتاب؛ ليروي للناس الذين يجتمعون حوله العديد من الحكايات المتنوعة التي يتخللها بعض من الحكم والطرائف، والقصص الكوميدية وغيرها من الأحاديث المسلّية، حيث كان يلبس الشروال والصدرية والقنباز، وكان يبدأ سرد الرواية أو الحكاية مستعيناً بذاكرته أو قدرته على التأليف، وغالباً ما تكون عن شخصية تاريخية تلعب دور البطولة وتتحلى بالشجاعة والشرف والمروءة ونصرة المظلوم.
ولكن، الحكواتي أصبح فكرة قديمة اتجهت للاندثار، فلم يعد للحكواتي أية أهمية؛ ما إنْ ظهر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، وبات الناس يفضلون “العزلة” أكثر من “اللمة” كما يسمى، وهذا ما غيّب دور الحكواتي بين الناس، حيث اتجهوا نحو التلفاز والمسلسلات الرمضانية التي باتت تشبه المهرجان واليوتيوب الذي سهل على الناس البحث عن مسلسلاتهم المفضلة ويلبي أذواقهم ورغباتهم.
رمضان بين العادات والرغبات
وفي النهاية، فإن هذه العادات المتوارثة لم تبقى مجرد عادة تسير عليها الأجيال، بل أصبحت رغبة يتمنى عودتها الجميع، لتعود معها البساطة والفرحة، وتعود لهفة الناس على بعضها البعض، فمدفع رمضان قبل الحرب السورية، أصبح مدفع حرب لا تعرف جهاته ولا إحداثياته، وصار يعلن ارتقاء الضحايا بدل رفع الآذان، والمسحراتي الذي كان يوقظ الناس على سحور رمضان، مات مقنوصاً بسلاح الإرهابيين وحلّ محلّه الموبايل، أما الحكواتي فقد اندثر ذكره هنا وصارت حكايا الحرب هي التي تحكى للأطفال في سهرات رمضان.
تابعنا عبر منصاتنا :