بقلم: زهراء مهنا
لم يكن قرار الهجوم العظيم في 7 تشرين الأول الماضي قراراً مشتركاً، بل ارتأت المقاومة الفلسطينية في غزة أن تخطط له بسرية تامة حتى عن أطراف محور المقاومة.
وهذا ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد “حسن نصرالله” في خطابه الأول بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي.
كيف حوّل محور المقاومة التهديدات إلى فرص؟
ربما سبب هذا القرار الفردي نوعاً من الحرج في بداية الأمر لباقي أطراف محور المقاومة فاليمن كان على خطى تسيير تسوية لأزمته مع السعودية، وإيران كانت على خطى تسيير الاتفاق النووي مع أمريكا، وسوريا كانت على خطى تسيير الانفتاح العربي وتقويض الدعم العربي للعصابات المسلحة في إدلب لتتفرغ لمعركة الشرق مع الاحتلال الأمريكي.
لكن لم تكن كل تلك الحسابات لدى دول المحور لها أي تأثير أمام الوقوف مع المقاومة في غزة وربما هذا الأمر ساعد في عنصر المباغتة لتتلقى إسرائيل الصفعة الأكبر إذ غاب عن توقعاتها أن تفتح غزة معركة بحجم الطوفان وتورط معها باقي دول المحور في الوقت الذي تحتاج فيه تلك الدول إلى نوع من التهدئة في المنطقة.
واليوم وبعد مرور 100 يوم على الطوفان، تبين أن خيار التهدئة المتوفى وإن كان خياراً جيداً إلا أن صفعة الطوفان وتداعياتها ستحيي في مراحلها المتقدمة خياراً أكثر وزناً لتهدئة متينة مبنية على انتصار كبير في الميدان وتثبيت معادلات ردع أكثر قوة لكل دول المحور ومن بينها اليمن.
فقد برز اليمن كمؤثر لا يُستهان به في المنطقة بعد إعلان أنصار الله دخول الحرب مع غزة في 18 تشرين الأول، من خلال تفعيل مسار جديد للطوفان يمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب لينذر بمعركة المضائق التي كانت تحسب لها الولايات المتحدة ألف حساب.
هل خرج العملاق اليمني من أنقاض الدمار ورماد الحرب أقوى؟
“اليمن قاتلَ وتحمّل لعقودٍ حروباً عديدة رعتها الإدارات الأميركية علناً، وذلك من أجل أن يصل إلى هذه اللحظة، اللحظة “التي نمتلك فيها ما نملكه من قوّة لنساند إخوتنا الفلسطينيين، وكلّ مظلوم” هذا ما كشفه عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله “محمد الفرح” في مقابلة له على قناة الميادين، مضيفاً “لقد باتت بحوزة الشعب اليمني أوراق ضاغطة وأوراق مؤثّرة على الأمريكي والإسرائيلي”، ليعلن بذلك مرحلة جديدة في حياة اليمن والمقاومة اليمنية مختلفة تماماً عن المراحل السابقة وليبين أيضاً أن مستقبل اليمن والمنطقة ككل ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله.
اعترفت وكالة “أسوشييتد برس”، على لسان خبراء الأسلحة، بحجم الترسانة العسكرية التي بنتها القوات المسلّحة اليمنية على مدار السنوات الفائتة، حيث ذكرت أنها “تمتلك صواريخ باليستية طويلة المدى، وصواريخ كروز أصغر حجماً، وطائرات انقضاضية من دون طيار، وكلها قادرة على الوصول إلى جنوبيّ إسرائيل” بحسب الوكالة.
رسائل اليمن الثلاث في معركة الطوفان
استثمرت اليمن معركة طوفان الأقصى لإيصال رسائلها النارية في البر والجو والبحر لتثبت جدارتها باستحقاق النصر الذي كسبته في معركتها مع عدوان التحالف الذي استمر في سفك دماء اليمنيين لسنوات دون تحقيق أهدافه في لوي ذراع اليمنيين ومنعهم من بناء مسار قوتهم واقتدارهم واستقلالية قرارهم.
أهم تلك الرسائل هي:
أولاً : أن اليمن قادر تجاوزه البعد الجغرافي وفتح جبهة بمفرده من خلال استهداف إيلات بوابل من الصواريخ فيكون بذلك أصبعاً جديداً في منظومة وحدة الساحات قادراً على شرذمة جهود العدو تماماً كجبة غزة ولبنان وسوريا.
ثانياً : أن الخنجر اليمني قادر على شلّ الاقتصاد الإسرائيلي وضربه في العمق وعزل إسرائيل عبر إغلاق مضيق باب المندب على السفن المتجهة إلى الكيان وضرب أي سفينة لها صلة بإسرائيل تمرّ عبر البحر الأحمر وهذا الأمر كان أكبر عامل مساعد على كسر موازين القوى وكسب معركة الطوفان لصالح المقاومة.
ثالثاً : أن اليمن مستمر في بناء قدراته العسكرية ليس بهدف حماية الأراضي اليمنية والشعب اليمني فحسب، بل بهدف ردع اليد الأمريكية العابثة في منطقتنا وتحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الهدف كشفته بقوة المناورات اليمنية التي انطلقت في محافظة صعدة شمال البلاد بالتزامن مع معركة طوفان الأقصى والتي كانت تحاكي اقتحام المستوطنات الصهيونية
وعلاوةً على التوقيت الحساس لتلك المناورة، عكست أيضاً المستوى العالي من التخطيط والتنسيق والتكامل بين الوحدات المشاركة التي ضمّت سلاح الجو المسير ووحدات ضد الدروع والقناصة والهندسة والمدفعية وسلاح المدرعات وقوات المشاة والاتصالات العسكرية ووحدة المهام النوعية.
وقد شملت المناورة محاكاة الهجوم على مستوطنة “إسرائيلية” والسيطرة عليها وأسر من تبقى من جنود العدو قبل تفجيرها، كما أظهرت جانباً من مهارات الوحدات المشاركة وقدراتها المكتسبة من الخبرات الميدانية والدورات العسكرية الخاصة.
واللافت في تلك المناورة الرسائل التي أوصلها المشاركون والتي أكدت على التزامهم الكامل دينياً وأخلاقياً وإنسانياً بالوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة والجهاد في المعركة المقدسة لتحرير كامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني، مشددين على إعدادهم للعدو الأمريكي والصهيوني العدة والعتاد المناسبَين للمواجهة.
هل يستطيع العدوان الأمريكي أن ينزع الخنجر اليمني من خاصرة الاقتصاد الإسرائيلي في البحر؟
جعل تدحرج القوة اليمنية عين الإدارة الغربية مفتوحة على اليمن أكثر من السابق، ليس فقط بسبب تأثيره الضاغط على مسار الطوفان والذي شدد الخناق على الكيان الإسرائيلي، بل أيضاً بسبب ظهوره اللافت كقوة مستقبلية لها وزنها في البحر وستجبر تلك القوة مستقبلاً أمريكا على الانصات لما سيقوله اليمن أو ما سيفعله، وبالتالي ليس أمام أمريكا إلا الانصياع للإرادة اليمنية المستقلة أو تحمل تبعات غضب اليمن الذي سيؤثر بشكل مباشر على مصالحها في المنطقة.
هذا المكسب اليمني الكبير الذي جنى ثماره اليمن من الطوفان المبارك جعل الأنظار الإعلامية ترنو نحوه سواء إعلام العدو أو الإعلام الصديق.
فقد اكتسح مواقع التواصل الاجتماعي وأثار تفاعل الشعوب توبيخ عضو المجلس السياسي الأعلى لحركة أنصار الله الیمنیة، “محمد علي الحوثي”، لمذيعة هيئة الإذاعة البريطانية، بعد تهكّمها على ما يقومون به في البحر الأحمر لدعم غزة ووصفه ب “جعجعة بلا طحين”!.
حيث ردّ الحوثي بالقول: “إذا لم يؤثر عليهم، إذن لماذا شكلوا تحالفاً دولياً؟”، ويصفعها بعبارته التي اشتهرت بشكل متسارع قائلاً: “على أي أساس تستندين بمعلوماتك؟ يوجد شلل تام للموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، أنت التي تجعجعين بأسئلتك التي بلا طحين”!.
وحين طرحت المذيعة عليه السؤال الذي يغلي في عقول بايدن ونتنياهو ويبلغ منهم الغيظ مبلغاً بشأن ما علاقة الحوثيين وهم يبعدون أميالاً عما يجري في قطاع غزة، رد عليها بالقول: “يعني بايدن ونتنياهو يسكنون في شقة واحدة؟ والرئيس الفرنسي يسكن في نفس الطابق؟ ورئيس الوزراء يسكن في نفس العمارة ؟ أم أن بينهم وبين إسرائيل آلاف الأميال؟”.
بعد أن شنت الولايات المتحدة الأمريكية عدواناً على اليمن يوم أمس بمشاركة “المملكة المتحدة وأستراليا وهولندا والبحرين وكندا” يثبت للجميع أن ما يقوم به اليمن من تأثير فاعل وضاغط على مسار الطوفان ودعم غزة ليس جعجعة بلا طحين بل هو ضربات مؤلمة استدعت استنفار تلك الدول لتنفيذ عدوانها على اليمن علّها تخفف الضغط عن إسرائيل.
ولكن السؤال الذي يطرح حقيقة في هذا المضمار، هل سيؤثر هذا العدوان على دعم اليمن لغزة؟ وهل سيرفع الخنجر اليمني عن خاصرة الاقتصاد الإسرائيلي في البحر؟ وهل سيغير من مجريات المعركة لصالح إسرائيل؟
أجاب سريعاً عن هذا السؤال عقب العدوان، القيادي في “أنصار الله” اليمنية “علي القحوم” قائلاً: نرد الآن بقوة على البوارج الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، وستجيب عنه أيضاً بشكل واضح مجريات الأحداث القادمة وتطورات المعركة التي ربما تحمل مفاجآت كبرى في الساعات والأيام القادمة.