بقلم : طلال ماضي
أنهكت الحرب التي تعرضت لها سوريا منذ ما يقارب 13 عاماً جميع شرائح المجتمع السوري، وكان للمتقاعدين نصيباً قاسياً من آثار الحرب الاقتصادية التي أخذت بخوانق سبل المعيشة، وجاء شحّ عوائد التأمينات وضعف الرواتب ليزيد الطين بلة!.
فالظلم الذي لحق بالمتقاعدين لا يوصف؛ كونهم هم من بنى سوريا الحديثة على مدى سنوات خدمتهم في الدولة، بمعاملها ومصانعها، وطرقها ومطاراتها، وكانوا العنصر الأساسي في نهضة سورية منذ عام 1980حتى عام 2010، وتم إحالتهم للتقاعد بعد الأزمة في سوريا.
ولمن لا يعلم فإن العامل في سوريا يدفع وفق القانون من راتبه للتأمينات شهرياً 7 بالمئة من راتبه المقطوع، ويتم تحصيل 17 بالمئة من رب العمل تقوم التأمينات بتحصيلها من خزينة الدولة، وبذلك يدفع الموظف للتأمينات الاجتماعية شهرياً أي ما يعادل 23 بالمئة من الراتب المقطوع.
المتقاعد هو الخاسر الأكبر!
ومثلاً إذا أخذنا راتب عام 2010 كمعيار للمدفوعات من قبل العامل للتأمينات الاجتماعية، حيث كان راتب الموظف وسطياً 10 آلاف ليرة سوريّة، أي ما يعادل 216 دولاراً، فقد كانت حصة التأمينات منها شهرياً 52 دولاراً.
وأما في عام 2009 قامت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالدخول كشريك من أموال الموظفين الذين هم في التقاعد اليوم مع بنك قطر الوطني بحصة 10.28% من قيمة رأس مال البنك المصرح عنها، والبالغة 25 مليار ليرة سورية.
وبعد الأزمة في سوريا فإن حديث المستثمرين يقول: إنه تم تحويل هذا المبلغ إلى عملات صعبة، وكان سعر السهم للبنك 100 ليرة، بينما سعره اليوم يتحاوز 7100 ليرة، وعدد الأسهم في البنك 217.800.000، وسعر هذه الأسهم في ازدياد يومي، وتتأثر بعدة عوامل سياسية وغيرها، فيما يتوقع ملاك الأسهم الكبار من خلال رؤيتهم الدقيقة؛ أن سعر السهم وفق قيمته الحقيقية من خلال المعطيات المالية للبنك يقدر لا أقل من 4 دولارات أمريكية.
جميع هذه المعطيات تقول إن أموال الموظفين التي تم استثمارها في البنك القطري، وغيره من مطارح استثمارية حافظت على قيمتها؛ بينما المتقاعد خسر من قيمة تأميناته، ولم يحصل على هذا العائد على الرغم من الحاجة الماسة له لهذا العائد أمام الارتفاع الجنوني في متطلبات الحياة، وخاصة الصحية التي يحتاجها المتقاعد، وأمام التباين الكبير بين راتبه بناء على سعر الصرف قبل الحرب وماهو عليه الآن في ظل المضاربات على الليرة السوريّة في السوق السوداء والحصار الاقتصادي الذي تتعرض له البلاد.
المتقاعد بين مطرقتين…
المتقاعد الذي يتفاخر بإنجازاته القديمة في بناء مؤسسات الدولة، اليوم يحس بالجوع ويدرك تماماً أنه سدد تأمينات تكفيه لآخرته على الأقل ثمن طبابة وخبز، ويدرك تماماً أن الأموال الذي كان يسددها كانت تذهب إلى الاستثمارات، وكانت بيدٍ أمينة، واليوم عائد هذه الاستثمارات سيكون كبيراً، لكن في المقابل أين حصة المتقاعد من هذا العائد؟.
فإذا كان لدينا في سوريا كرقم تقريبي 750 ألف متقاعد يستحقون الراتب التقاعدي، وكان هؤلاء يدفعون قبل الحرب كتلة ليست قليلة من الأموال تقارب 40 مليون دولار شهرياً، لو كان هناك من يفكر باستثمار هذه الأموال بشكل صحيح وللمنفعة العامة هل كان جاع المتقاعد؟ وهل كانت الحرب قادرة على طحن عظام المتقاعد الهشة لو كان هناك من يفكر بتأمين احتياجاته وجعلها أولوية ضمن برامجه؟
المتقاعد اليوم حتى قبل الزيادة الأخيرة يقبض فقط 13 دولاراً، ما يعني أن حصة العامل الذي دفعها لا يقبضها اليوم، كونه دفع حصته غير حصة رب العمل تعادل 16 دولاراً وبنى سوريا وتَعِب وكَدّ، ولا يستحق سوى الاحترام والراحة التامة في آخرته، لكن للأسف نجد أن المتقاعدين في أعمار كبيرة فوق 70 عاماً عادت إلى العمل حتى تستر نفسها من الجوع وسط ارتفاع جنوني في الأسعار ومعركة اقتصادية تلاحق لقمة عيشه دون أن ترحم.
ختاماً
فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، من سيخفف آثار الحرب عن المتقاعدين؟ ومن سينصفهم ويقدم لهم تأمينات ترقى إلى مستوى جهودهم وتضحياتهم؟ وفي حال قفزت أموالهم المستثمرة بعد إعادة تقييم الأصول للبنوك التي أموالهم موجودة فيها عن طريق التأمينات هل سيتم لحظهم بالأرباح؟ أم أن الظلم أصبح أمر واقع، وتعيشوا وتأكلوا غيرها؟؟!