أخبار حلب _ سوريا
خاص بأخبار حلب
بقلم: يزن العبودي
مرّ العالم بتحولات كبيرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا كانهيار الاتحاد السوفييتي ومعه تراجع دور النظام الشيوعي وقيام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وغيره من المؤسسات والدول ذات الطابع الرأسمالي، وقيام حركات انفصالية أو ظهور جماعات متطرفة كان لها دور كبير في كثير من الأحداث والتحولات الدولية والإقليمية، وللعقود الأخيرة النصيب الأكبر من هذه الأحداث وخاصة بعد زرع الكيان الصهيوني في قلب فلسطين، وما حدث ويحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط، ودور هذا الكيان ومشغليه من خلفه في استغلال الأزمات الداخلية لبعض الدول، بغية تغيير أنظمة أو تغيير سلوكيات، وتصرفات أنظمة أخرى، أو شن حروب همجية على شعوب المنطقة، وهذا ما شهدناه قد حصل فعلاً في بعض البلدان العربية وما كان يخطط لسورية ان يحصل، واستخدمت أساليب وأفكار سياسية متنوعة لتحقيق هذه الغايات أشدها خطورة كانت الحروب العقائدية متمثلة بالنازية الجديدة والليبرالية الحديثة والتطرف الديني.
الحروب العقائدية
هي حروب عاطفية حول “فكرة أو مبدأ أو انتماء” تجمع قلوب ومشاعر المريدين والاتباع عبر قصص يختلط فيها الحق بالباطل والماضي بالحاضر ثم تتحول المبادئ السامية إلى أفكار عدوانية، ثم إلى سلاح فتاك يحمله المتعاطفون والمؤمنون بهذه العقيدة، والأخطر عندما يتم استغلال العقيدة والأشخاص المؤمنين بها من أطراف خارجية لتحقيق مكاسب ومصالح لهم، وفي وقتنا الحالي يمكن أن نشاهدها من خلال عدة أمور:
أولاً: النازية الجديدة:
النازية بالأساس هي فكرة تقوم على اعتبار العالم مقسم إلى أجناس متنافسة أعلى وأدنى ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية واعتبرت أن أي عرق غير العرق الألماني “الآري” هو أدنى وأقل شأناً ويمكن الذهاب إلى تصفية العرق المغاير، وجوبهت هذه الأفكار من قبل دول العالم؛ لتعود وتظهر من جديد من خلال الممارسات الإسرائيلية في المنطقة عموماً وفلسطين خصوصاً وهنا نلاحظ أوجه الشبه بين النازية والصهيونية فالنازيين اتبعوا سياسة “الحل النهائي”؛ أي إقصاء الأطراف الأخرى نهائياً، وهذا ما يفعله الكيان الصهيوني في فلسطين ويتمادى في هذه التصرفات حيث يلجأ إلى تدمير المدن، ترحيل السكان، القتل المباشر لأي تجمع أو حتى فرد يتحرك، وتحويل غزة ورفح إلى معسكرات اعتقال، ومنعهم من الطعام والمياه والدواء والكهرباء، حصار خانق اشبه بالإبادة الجماعية.
هذا مالم تصل إليه النازية القديمة، ولكن أبدع الكيان الصهيوني بممارسته بكافة أشكاله على الفلسطينيين وما يزيد الأمر سوءاً هو الدعم الأمريكي والغربي لهذه الممارسات وازدراء الكيان لقرارات مجلس الأمن وتحقيره لمحكمة العدل الدولية وتحديه لكل نداءات شعوب العالم لوقف الحرب؛ نضيف إلى ذلك ضعف العالم العربي واختراقه من خلال التطبيع مع إسرائيل الذي سوغ لها الغلو في الاستعلاء والإفراط في الطموحات ومخططات التوسع.
ثانياً: الليبرالية الحديثة:
ظهرت الليبرالية بداية كفكر اقتصادي نادى بحرية الفرد الاقتصادية “حرية الملكية والمبادرة والعمل والتنقل” وكانت نواة لانسلاخ الفرد عن الجماعة وعن قيمها، ولعل أبرز تطور لليبرالية الحديثة هي العولمة التي دعت إلى انتفاء سيادة الدولة على حدودها ومواطنيها؛ لتأخذ بذلك الليبرالية الحديثة فكراً جديداً يهدف إلى فصل الإنسان عن أي مبادئ أو قيم أو انتماءات أو عقائد من أجل الوصول لأهدافها، وهذا ما شهدنا بعضاً من أشكاله في بعض المجتمعات الغربية مثل طرح فكرة “الزواج المثلي، والطفل لا يختار دينه بنفسه، وانتشار تجارة المخدرات على اعتبارها غير ضارة”، وغيرها الكثير من الأفكار التي تعتبر رغبة الفرد هي الأساس وليس الأسرة أو المجتمع؛ بذلك يصبح هدف الليبرالية الحديثة تحطيم سلطة الدولة، ومحاربة كل الأنظمة الوطنية، والعمل على نشر ثقافة الاستهلاك عالمياً وتسييد فكرة موت ونهاية كل شيء الفن الدين التاريخ وغيرها.
ثالثاً: التطرف الديني:
من حيث المبدأ هو تعصب الفرد أو الجماعة لدين أو مذهب أو طائفة وقد عرفت الأديان السماوية أو الوضعية على اختلافها نوعاً من أنواع التطرف دون أن يكون ذاك التطرف عائداً بالضرورة إلى نصوص أو تعاليم فيها، وأول ظهور للتطرف كان في الفكر الغربي القديم، كالجماعات اليهودية المتطرفة والتي أول ظهور لها كان قبل الميلاد مثل طائفة “الزيلوت” المتشددة ومارست عمليات القتل والاغتيال التي طالت موظفي الحكومة الرومانية وأطلق على أعضائها اسم :سيكاري”، وفي العصر الحديث عصابات “الهاغانا، الأرغون، شتيرن، ليحي”؛ التي قامت بالكثير من المجازر في عام 1948 مثل مجزرة دير ياسين ومجزرة الاقصى الأولى عام 1990 وغيرها الكثير، وتستمر المجازر حتى هذا التاريخ من خلال العمليات التي يقوم بها جيش كيان الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة ورفح.
بينما الجماعات المسيحية المتطرفة كجماعة “فرسان الهيكل” والتي مارست أعمالاً إجرامية تحت شعار “حماية المسيحية” ولا ننسى الحملات الصليبية التي كانت ترسل إلى المنطقة العربية.
وأما الجماعات الإسلامية المتطرفة تذخر المنطقة العربية بكثير من الأمثلة عن الجماعات المتشددة والتي تلقت دعماً كبيراً من الجهات الغربية حيث تم توجيههم وتسييرهم بما يخدم قضاياهم الاستعمارية ومصالحهم الاقتصادية، وما ظهر في سوريا في السنوات العشر الماضية من نماذج وجماعات كان خير مثال عن التطرف الديني والتي ارتكبت أشنع الجرائم عبر التاريخ وعلى سبيل المثال لا الحصر “جبهة النصرة، داعش”، وغيرها الكثير ممن كان يتلقى الدعم الأمريكي والأوروبي على حد سواء مالياً وعسكرياً وحتى تقديم الخبرات الكافية لها من حيث البنية والتنظيم بغية فرض سيطرتها على مناطق واسعة من البلدين وبالتأكيد لم تكن الغاية نشر الحرية أو المساواة أو تحرير فلسطين، بل توضحت الغاية من سرقة آبار النفط، وتهريب الآثار، و تعميق فكرة الانقسام الديني، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بقوات البلدين بما يخدم مصالح مشغليهم.
ختاماً
لمواجهة هذه الانتماءات العقائدية لابد من تنظيمات حزبية تتمتع بالمرونة الكافية على مواكبة التغييرات الداخلية والخارجية وأن تكون شعبية أي أن تمس حاجات ورغبات الشعوب في المنطقة وتعمل لصالحها ويكون لها عقيدة وفكر واضح، وهنا طرحت فكرة الأحزاب العقائدية من جديد كحل لمواجهة الأيدولوجيات العالمية فالأحزاب العقائدية تميل إلى فكرة التنظيم والتعبئة وتتميز بتمسكها بأفكار ومبادئ محددة وثابتة وشهدت تطوراً في منتصف القرن الماضي واكتسبت مرونة أكبر في التعامل مع متطلبات ومتغيرات المنطقة بواقعية وحكمة أكبر، وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس “بشار الأسد” بقوله: “في ظل هذه الظروف وأنا لا أقصد تحديداً ظروف سوريا، وإنما الظروف العالمية التي يشهد كل العالم فيها حروباً ذات طابع ثقافي وعقائدي؛ تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية بكثير من قبل، وليس كما كان يسوق منذ ثلاثة عقود بأن عصر الأيدولوجيات قد انتهى، وأن عصر الأحزاب السياسية قد انتهى؛ نحن نعيش أعلى مرحلة أيدولوجية على مستوى العالم لأن التطرف عقيدة والليبرالية الحديثة عقيدة والخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة”.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News