هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، فما ضجّت أصداء العاصمة دمشق من فراغ كبعض الرسائل التهديدية التي كانت توجهها إسرائيل لإيران وسوريا عبر الاعتداءات المتكررة العشوائية، فهذه المرة ليست مزحة سمجة بل ضربة مؤلمة أنهت حياة الجنرال رضي الموسوي، مسؤول الدعم اللوجستي لجبهة المقاومة في سوريا.
قراءة في ما وراء الحدث والتوقيت
ختم الجنرال رضي الموسوي ثلاثون عاماً في جبهة المقاومة قدم من خلالها عملاً نوعياً في الشراكة السورية الإيرانية في المجال العسكري، ولو كان استهدافه هو غاية بحد ذاته لكان من الأفضل لإسرائيل فعل ذلك في سنوات الحرب السورية.
لكن الذي حصل، أنه وبعد معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول وإلى الآن اكتشفت إسرائيل أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقدم الدعم الكامل لغزة واليمن ولبنان وسوريا في هذه الحرب على الرغم من عدم علمها بنية المقاومة في غزة بالهجوم المباغت على مستوطنات غلاف غزة كما أوضح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
ورغم الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل إلى أن أهداف إسرائيل من تلك المعركة لم تبصر النور بعد ومازالت حرب الاستنزاف قائمة دون جدوى، ولكن في المقابل تخسر إسرائيل كل يوم نخبة من ضباط وجنرالات الجيش الإسرائيلي في شمال غزة بعد عملية الاجتياح الفاشلة.
ففي إحصائية لوسائل الإعلام الإسرائيلية بتاريخ 20 كانون الأول توزعت خسائر النخب في جيش الاحتلال الإسرائيلي على الشكل التالي:
5 عقداء.
8 برتبة مقدم.
43 رائداً.
41 نقيباً.
11 ملازماً.
كذلك، اعترف الناطق الرسمي باسم “الجيش” الإسرائيلي، أمس الإثنين، بمقتل ضابطين إسرائيليين في شمالي قطاع غزّة، موضحاً أنّ الضابطين المقتولين، هما: الرقيب أول دفير برزاني، الكتيبة 890 من لواء المظليين، والرقيب ينون تامير، الكتيبة 890 من لواء المظليين.
وأيضاً، صرحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أن أعداد القتلى الإسرائيليين منذ السابع من تشرين الأول بلغت حوالى 850 جثة لإسرائيليين وأجانب، و348 قتيلاً من “الجيش” الإسرائيلي وأيضاً 240 أسيراً.
وبالرغم من كل تلك الخسائر إلا أنّ الخسارة الأكبر لإسرائيل هي تدمير لواء “غولاني” الذي يعد في مقدمة الألوية والنخب وواجهة الرعب في جيش الاحتلال حيث ينعت جنود هذا اللواء أنفسهم بالجيش “الأشد قوة” إلا أنهم تعرضوا لهزائم متلاحقة خاصة في حي الشجاعية في غزة وكان آخرها كمين محكم للمقاومة الفلسطينية أوداهم جثثاً هامدة.
كل تلك الخسائر العسكرية البحتة علاوة على الخسائر الاقتصادية التي لا يستهان بها أيضاً جعلت إسرائيل أن تختار هدفاً عسكرياً بحتاً وهو الجنرال رضي الموسوي من إجل جرّ إيران إلى صراع عسكري مع أمريكا يصرفها كلياً عن تقديم الدعم لغزة واليمن ولبنان وسوريا.
“الداعم في الظل” تعرفه إسرائيل جيداً!
تعلم إسرائيل جيداً أنه لو تركت غزة لوحدها في هذه الحرب لكانت عملية الاجتياح الأولى كافية للقضاء على وجود المقاومة في غزة وتهجير أهلها إلى الأبد، لكن الدعم اللوجستي والعسكري الإيراني والحاضنة السورية ودخول المقاومة اليمنية والعراقية المعركة مع غزة والتنسيق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتفعيل كلّ أشكال الدعم من خلال المعلومات الاستخباراتية وأجهزة الرادارات وغيرها كل ذلك حال دون تحقيق إسرائيل أيّاً من أهداف المعركة ضد غزة.
كذلك دخول المقاومة اللبنانية المعركة عبر الحدود الشمالية لفسلطين المحتلة وإحداث الإرباك الشديد لجيش الاحتلال الإسرائيلي على تلك الحدود حيث نجحت المقاومة اللبنانية في تفريغ المستوطنات من تلك المنطقة وتشتيت تركيز العدو بين الجبهات المتعددة في غزة والجولان وجنوب لبنان الأمر الذي ساعد المقاومة في غزة تحويل الاستنزاف إلى جبهة العدو.
ويأتي كل هذا الضغط على إيران عبر الاستهداف الأخير الذي أدى لارتقاء الجنرال رضي الموسوي وعلى سوريا من خلال الاعتداءات المتكررة وكذلك الاعتداءات التي طالت الحشد الشعبي العراقي هو في إطار محاولة إسرائيل نقل المعركة إلى خارج الخناق الضيق ضمن حدود فلسطين المحتلة لتخفيف الخسائر المباشرة التي طالت جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وهذا الاستهداف هو محاولة للرد على الضربات الموجعة لإسرائيل والتي تلقتها بعد محاولة الاجتياح البري لغزة من قبل كل أطراف محور المقاومة وخاصة إيران.
أطراف المحور… كلّ في فلكٍ يسبحون
أجادت أطراف المحور من فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وإيران واليمن لعبة توزيع الأدوار والوظائف جيداً كما أجاد كل طرف المحافظة على استقلالية قراره ومنح نفس المساحة من الاستقلالية والأريحية لباقي الأطراف مع ضمان الدعم الكامل بما يصبّ مصلحة القضية الكبرى الجامعة وهي قضية فلسطين.
فمثلاً لا يمكن لأمريكا ودول الخليج إثبات أي تدخل إيراني في شؤون اليمن أو سوريا أو غزة من خلال سياسة إيرانية غير قائمة على الدعم المشروط بالهيمنة كحال علاقة أمريكا بحلفائها في الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تدعم فيه إيران وباقي أطراف المحور أنصار الله في اليمن ترفض الجمهورية الإسلامية الإيرانية أي شكل من التفاوض على قضية اليمن مع السعودية وتوكل أمر هذا التفاوض لليمنيين أنفسهم وهذا ما حصل موخراً أثناء التقارب السعودي الإيراني.
كذلك في علاقة إيران مع محور المقاومة أوضح رئيس حركة حماس “اسماعيل هنية” أن إيران لا تمارس أي تدخل في قرارات المقاومة الفلسطينية إنما هي جهة داعمة لخيارات الفلسطينيين بمواجهة الاحتلال وتحرير الأرض كسائر دول محور المقاومة.
وأيضاً حين أخطأت حماس في مقارباتها السياسية وقررت الانسحاب من سورية إبان الحرب السورية والتمركز في قطر لم تفرض الجمهورية الإسلاميةالإيرانية على حركة حماس في ذلك الوقت البقاء في دمشق ولم تملِ عليها إملاءاتها أو وجهة نظرها المختلفة، بل ظلّ القرار الحمساوي على حاله حتى تكشفت الحقائق لدى الحركة بأن لا جدوى من استجداء الدعم القطري أو التركي لأن كلا الدولتين مرهونتين للقرار الأمريكي، وحينما قررت حماس العودة إلى سوريا بكامل حريتها ومطلق إرادتها كانت كل أطراف المحور وخاصة إيران وحزب الله الداعم والحاضن لهذا التلاحم والترابط الذي يجسد وحدة الساحات.
إن هذا النوع من الدعم والحماية الغير مشروطين بالسيطرة لم تعهده المنطقة من قبل، فقد أفرزت سيطرة أمريكا على المنطقة وتغليب مصالحها على مصالح شعوب المنطقة آثاراً مدمرةً وفقراً مدقعاً مازالت الشعوب تعاني منها حتى اليوم.
وحتى الدعم الأمريكي والكامل لإسرائيل والحماية المطلقة مشروطان بالسيطرة والتنسيق الكامل فالقرار الإسرائيلي أمريكي بحت، وهذا ما انعكست آثاره سلباً على الإدارة الأمريكية من خلال غضب الشارع الأمريكي والأوربي على السياسة الأمريكية في فلسطين والدعم الكامل لجرائم إسرائيل.
الخلاصة
ليس في وسع الاحتلال الإسرائيلي أن يخرج من عنق الزجاجة التي حشر نفسه فيها بعد غوصه في مستنقع غزة إلا في حالة الاستسلام للأمر الواقع وإنهاء الحرب، أما الاستمرار في الاعتداء على المدنيين فلا يجلب كسباً لها في المعركة، فلم يحقق يوماً على مدى التاريخ استهداف الأطفال والنساء والمرضى لأي متغطرس أيّ نصرٍ أو ظفر، بل على العكس سارع ذلك في طوفان الغضب الشعبي ضده وتعجيل نهايته وزواله.
أما اغتيال الجنرال “رضي الموسوي” فنتجيته تماماً كنتيجة اغتيال الجنرال “قاسم سليماني” فكما كان الشهيد قاسم سليماني أخطر على أمريكا من القائد قاسم سليماني، كذلك سيكون الشهيد “رضي الموسوي” أخطر وأشد فتكاً بإسرائيل من القائد “رضي الموسوي”.