بقلم: سمر محمد عكو
استيقظ العالم صبيحة 7 أكتوبر ليتفاجأ بمقاطع فيديو تغزو وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة توثق قيام مجاهدي المقاومة الفلسطينية باختراق غلاف غزة وتخطيهم للحاجز الحديدي الصهيوني وهم يرتدون المظلات الحربية ويحملون سلاحهم بيد والكاميرا باليد الأخرى ليخرجوا لنا بفيديوهات قصيرة ضاهت أفلام هوليود وتفوقت عليها.
من الكتابة على الجدران إلى توثيق “المسافة صفر” كيف تطور الإعلام الفلسطيني المقاوم منذ الانتفاضة الأولى إلى طوفان الأقصى؟
مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى حرص الكيان الصهيوني على قمع كل صوت للإعلام من اعتقالٍ للصحفيين وإغلاقٍ لأماكن عملهم وتشديد الرقابة عليهم فكانت الحاجة ملحة إلى إعلام يوثق جرائم الاحتلال فجاء أدب الشوارع بديلاً عن وسائل الإعلام في تلك الفترة والذي شجع على استمرار الانتفاضة.
ونجح الفلسطينيون في تحويل جدار الفصل العنصري الذي بدأ الكيان في بناءه عام 2002 بطول 708 كم لخنق المقاومة إلى منصة للتعبير عن الحرية والعدالة وإيصال أفكارهم المقاومة.
وتعد الصحافة الجدارية بداية الإعلام الفلسطيني المقاوم للنفاذ إلى الرأي العام واستخدمها الفلسطينيون كوكالة أنباء تسجل عليها بيانات المقاومة والشعارات المناهضة للاحتلال والتي لا تقل قوة عن الرصاص مثل “قاوم” و”الموت لإسرائيل” وغيرها الكثير، كما رسموا الكاريكاتيرات والأعلام الفلسطينية لتعكس جدران وأسوار المدن الفلسطينية وأزقات المخيمات ثقافة ساكنيها وتحكي قصص كفاحهم مع الاحتلال وتمردهم عليه ليستقبل الفلسطينيون صباحهم بالاطلاع على محتواها وكأنها جريدة يومية.
نتيجة لذلك اهتم الاحتلال بمحاربة هذه الوسيلة النضالية واعتبرها أداة فعالة للتحريض على النضال ضده ولم يستهن أبدا بمعاقبة من يكتب على الجدران.
الإعلام المقاوم .. الكاميرا قبل السلاح
أدرك الفلسطينيون أن معركتهم مع الاحتلال طويلة ولمسوا أهمية الإعلام الحربي ودوره في صنع النصر وانطلاقاً من أن الحروب لا تُحسم فقط في أرض المعركة عملوا على تطوير أساليب الإعلام المقاوم فنضج بشكلٍ متسارع أرهق الاحتلال الذي لم يحصد سوى الخيبات من أكاذيبه الإعلامية .
ومع انطلاق معركة طوفان الأقصى تفوقت فيديوهات المقاومة الفلسطينية على فبركات الاحتلال حيث نجحت فيديوهات المقاومة بجعلنا ننتظر أمام الشاشات كل بيان للناطق العسكري وكل فيديو توثيقي يعرض بدقة المواجهات الميدانية حيث حرصوا على إظهار مواقع كل من المقاومين والأعداء وإظهار أسلحة الطرفين مما لا يدع مجالاً للشك ثم يوثقون الاستهداف والنتيجة والتعبيرات العفوية بتصويب الهدف فنرى ما يحدث بأم أعيننا وكأننا في قلب غزة، ليخرج إعلام العدو في اليوم التالي مؤكداً الخبر بعد أن فضحه عويل جيشه ونحيبه.
كما لعب الإعلام المقاوم على حرب الصورة فأظهر لنا المقاتلين وهم يرتدون بدلاتٍ رياضة و أحذية بسيطة وهم في قلب المعركة في رسائل متعمدة تظهر بأن المقاومين يستطيعون التكيف مع ظروفهم القاهرة وأنهم على أهبّة الاستعداد مع انعدام أبسط مقومات القتال.
وعلى توقيت تاسعة البهاء تخفق قلوب الأحرار شوقاً للخبر الذي يثلج صدور المكلومين لتعلن المقاومة الفلسطينية بيانها الذي يحمل تباشير الانتصار على العدو، حيث صرح “أبو حمزة” الناطق العسكري باسم سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي مهدداً الاحتلال بأن تاسعة البهاء ستكون حاضرة في طوفان الأقصى “نذكر أبناء شعبنا البطل حاضنة المقاومة وجمهورها الوفي لدماء أبناءه الشهداء أن تاسعة البهاء ستكون حاضرة في معركة طوفان الأقصى”، لتندرج تاسعة البهاء ضمن أسلحة الإعلام الحربي في معركة طوفان الأقصى.
من جهته أَسر الناطق العسكري لكتائب القسام “أبو عبيدة” قلوب الملايين من خلال لغته العربية الفصحى وذكاء انتقائه للألفاظ كان أبرزها “المسافة صفر” كما استبدل كلمة “مستوطنة” بمغتصبة ليصبح المثل الأعلى للصغار والكبار ونموذجاً خلاّقاً للأجيال العربية الناشئة، فقد تمكن من حشد النشء العربي أمام الشاشات لسماعه وهو يتلو بيانات البطولة والفخر ، ليضع الكثير من إشارات الاستفهام لدى العدو حول سِر سردية بيان المواجهة الذي أظهر هذه الوقفة المتناغمة للشباب العربي وسلب عقول الملايين وهو الذي عمل على مدى عقود على تصدير ثقافة رخوة وناعمة في هيمنة معرفية على العقول مما جعله يتوهم بنجاحه في إنشاء جيل عربي رخو مذاب في تصوراته عن الحياة ومنساق معها بما يطمئنه أنه أمام جيل لا يمثل أي تهديد مستقبلي لحضارته المنحلة.
لكن بيان “الملثم” نسَف تطلعات الغرب ومفاهيمها المائعة وأعاد تصويب مسار الحياة وجعل الشباب العربي يصطف أمامه والدم يتدفق في عروقه لتظهر الأنفة العربية وتعلو الهتافات تأييداً للملحمة المنجزة في نجاح يسجل لإعلام المقاومة في إمالة الكفة لصالح سرديته.
التضليل الإعلامي الغربي واغتيال الحقيقة
الغرب الذي ينظر للعرب على أنهم أقوام بدائية والذي عوّل كثيراً على تضليله الإعلامي وجد نفسه في موقف صعب أمام تفوق سردية المقاومة على أكاذيبه، وهو الذي أسس لدعائم التضليل الإعلامي معتمداً استراتيجية اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون.
حيث تُسجل لقوى الاستكبار العالمي طريق طويلة من الكذب والتضليل وقلب الحقائق لتسويق حروبها القذرة ولإقناع المتابعين بالتعاطف مع الجلاد لقلب الرأي العالمي لصالح أفكارها الاستعمارية فقد سبق لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق “كولن باول” أن عرض شريطاً وتسجيلاً صوتياً مفبركاً أمام مجلس الأمن يؤكد امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ليبرر غزو بلاده للعراق ويعترف لاحقاً بأنه كان يكذب وأن شريطه لم يكن له علاقة بالحقيقة .
وفي سياق حملة الإعلام المضلل كشف الصحفي الأمريكي “سيمون هرش” بأن إدارة “بايدن” كانت تعلم أن عناصر جبهة النصرة الإرهابية استطاعت تحضير غاز السارين كي تتهم الدولة السورية باستخدامه حيث عمدت أمريكا إلى اتهام سوريا باستخدام الأسلحة الكيميائية وبجرائم أخرى بناء على فيديوهات تعلم أنها مفبركة وملفقة صورتها المجموعات الإرهابية لتبرير الاعتداءات الأمريكية والغربية على مطارات ومواقع عسكرية بأمر من النظام الأمريكي.
مسلسل التضليل الإعلامي لم يتوقف مع اندلاع طوفان الأقصى حيث صدّر الاستكبار العالمي للعالم فكرة أن المقاومة الفلسطينية تحمل الفكر الداعشي في فيديوهات لا تقل فظاعة عن الجرائم الإلكترونية حيث فبرك فيديوهات لقتل أطفال صهاينة وقطع رؤوسهم على يد مقاتلي حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، ونشروا أكاذيب تفيد بوجود مقرات لحماس داخل المستشفيات كتبرير لاستهدافها وألقوا المنشورات التي تحرض سكان غزة على المقاومين، ولضمان تدفق أخبارهم التي تتماشى مع مصالحهم تم فرض عقوبات على وسائل الإعلام العربية والغربية التي تحاول إيصال الحقيقة إلى الرأي العام إلى حد وصل لتنفيذ عمليات الاغتيال للكوادر الصحفية.
وفي آخر نهفات التضليل الإعلامي الذي تقوده أمريكا نقل الإعلام المسيّس قاعدة التنف من سوريا إلى الأردن! بعد قيام طائرة مسيّرة باستهداف القاعدة الأمريكية اللاشرعية في سوريا والتي أسفرت عن 3 قتلى وأكثر من 34 مصاب ليغطي الإعلام الأمريكي على تلك الفضيحة مدّعياً بأن الاستهداف تم في الأردن وليس في سوريا تماشياً مع مصالحه السياسية كي لا يحرض الرأي العام الداخلي بسبب خسارة جنوده ضمن وجود غير شرعي.
الغريب في الموضوع نفي الحكومة الأردنية للخبر على غير عادتها بأن لا هجوم وقع على أراضيها لتدرك بعدها أن التصريح لم يصب في صالح شقيقتها أمريكا فخرجت تدين الاعتداء الذي وصفته “بالإرهابي” علّها تصلح الضرر الذي تسببت به وتنال الرضا الأمريكي.
ختاماً ..
بفضل ذكاء المقاومة في إدارة المعركة الإعلامية سقطت الماكينة الإعلامية للاستكبار العالمي رغم كل ما تمتلكه من أدوات ودعم وفشلت في مجاراة الإعلام الميداني المقاوم رغم قطعها للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في غزة ولعب دور الضحية عبر استغلالها “الهولوكوست” لتكتسب المقاومة تعاطف واحترام فئة كبيرة من الجمهور وتغير الرأي العام الغربي تجاه قضيتها لتكون اليد العليا في الإعلام للمقاومة ويعلو صوتها كل أنحاء العالم بأن فلسطين من حق الشعب الفلسطيني وحده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.