على عكس ظواهر الهدف من إنشاء مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت معروفة بصلة وصل تجمع بين أقطاب العالم، وتمنح روادها فرصة لإيصال أصواتهم وبثّ همومهم ومشاركة قضاياهم والتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم ومشاريعهم، إلا أن تلك المواقع باتت اليوم معروفة بأداة لكم الأفواه وكبح انفعالات وتفاعلات الجمهور مع القضايا الكبرى الحساسة التي تمسّ بسياسات السلطة العالمية.
معايير مجتمع تتحكم بالجميع دون أن يفهمها أحد!
تحت مسمى انتهاك معايير المجتمع تغلق الكثير من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والانستغرام مثلاً، دون أن تحدد إدارة تلك المنصات المعايير الواضحة التي تتحكم على أساسها بالمحتوى المطروح على منصاتها.
تتصدر القضية الفلسطينية قائمة الاستهداف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعرضت آلاف الحسابات للإغلاق أو التقييد بسبب دعم أصحاب تلك الحسابات للقضية الفلسطينية وإظهار تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني المناضل ضد الكيان الإسرائيلي.
وقد استهدفت شركة ميتا مؤخراً حسابات المرشد الإيراني “علي الخامنئي” على الفايسبوك والانستغرام وأعلنت حذفها جميعاً.
والسبب كما أعلن عنه المتحدث باسم “ميتا” هو أنها خرقت بشكل متكرر السياسات المتعلقة بالمنظمات والأفراد الخطرين”، وبالرغم من عدم وجود سبب واضح لإغلاق حسابات المرشد الإيراني “علي الخامنئي” والتي كانت تحصد على انستغرام فقط 5 ملايين متابع، إلا أن سياسة تلك المواقع أصبحت أكثر تسلطاً على حرية التعبير والتأييد، حيث تقيد تلك السياسات عمل ونشاط المنظمات أو الأفراد التي تزعم أن لديهم مهمة تتسم بالعنف أو يشاركون في العنف، وهذا يشمل أولئك الذين يُمجدون أو يدعمون أو يمثلون منظمات مصنفة “إرهابية” من قبل الإدارة الأمريكية.
وقد اتهمت أمريكا إيران منذ فترة طويلة بتسليح حماس، التي صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، وفي عام 2021، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن المجموعة تتلقى تمويلاً وأسلحة وتدريباً من إيران، كما تتهمُ إيران أيضًا بتسليح وتدريب الحوثيين في اليمن، الذين أعاد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تصنيفهم كمنظمة إرهابية الشهر الماضي.
فبناء على ذلك تشدد إدارة مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للسياسة الأمريكية على إزالة الحسابات التي تدعو إلى مخالفة سياسة أمريكا أو رفضها وخصوصاً تلك التي تمسّ بالكيان الإسرائيلي.
حرب المصطلحات على مواقع التواصل الاجتماعي
“التحريض على العنف” أو “الإرهاب” مصطلحات تتعذرع بها إدارة مواقع التواصل الاجتماعي لتحويله من منبر ديمقراطي يضمن حرية التعبير عن الرأي إلى منبر ديكتاتوري لا يقبل بأن تفضح فيه الممارسات الأمريكية والإسرائيلية على مرأى ومسمع من العالم، وتغلق بهذه الذريعة كل حساب يخالف شروطاً غير واضحة ولا معروفة ولا مفهومة.
بينما تسمح إدارة تلك المواقع بالكثير من مشاهد العنف والإرهاب التي تنتشر عبر منصاتها مادامت إما لا تمس السياسة الأمريكية والإسرائيلية أو تدعمهما.
فمثلاً تعتبر إدارة الفايسبوك حسابات المرشد الإيراني علي الخامنئي تخالف سياسات المجتمع بينما تسمح لكثير من رجال الدين السعوديين والخليجيين بإنشاء حسابات تحرض على التفرقة الطائفية والمذهبية.
فقد انتشر مقطع مصور لمفتي السعودية الشيخ “عبدالعزيز آل الشيخ” يرد على سؤال أحد المتصلين بأن عليه أن يستغفر الله ويعلن توبته لأنه كان يقاتل في صفوف المقاومة اللبنانية في حرب تموز ضد الاحتلال الإسرائيلي!
وقال الشيخ للمتصل: “عليك أن تتوب إلى الله لأنك كنت تقاتل مع الرافضة ضد المسلمين” فهل كان يعتبر مفتي السعودية جنود الاحتلال الإسرائيلي من اليهود مسلمين؟!
وعلى هذا المنوال تقاس بقية الحسابات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي لعلماء مسلمين يثسمون إلى قسمين:
الأول: حسابات سطحية لا تهتم بأمور المسلمين ولا تواكب قضاياهم ولا تفكر بشؤونهم أو شجونهم، تغرد خارج السرب كأنها منفصلة عن الواقع وأشهرها حساب الشيخ “عبدالرحمن السديس” رئيس الشؤون الدينية للمسجد الحرام، فلم يراعِ “السديس” مكانة المسجد الحرام كجامع أمر المسلمين فيدعو إلى الوحدة الإسلامية ونبذ التفرقة انطلاقاً من الواجب الديني في القرآن الكريم “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا”
ولم يراعِ أيضاً الشؤون الدينية التي نصّب راعياً لها فيدعو المسلمين لنصرة أخوانهم في فلسطين انطلاقاً من واجبه الديني في القرآن الكريم “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.
الثاني: حسابات تحرض على تشرذم المسلمين وعلى تكفيرهم كتلك التي تدعو إلى” الوهابية” وإلى القتل باسم الدين والتي كان لها دور بارز في تفجير الأزمات وتفشي التشدد والتطرف الذي أدى إلى نشوء داعش الحركة المتطرفة المسؤولة عن إراقة دماء المسلمين في كثير من دول المنطقة المخالفة للإدارة الأمريكية كسوريا والعراق وإيران.
استهداف القاموس المقاوم وحيل التنصل من العقاب على مواقع التواصل الاجتماعي
وفي هذا السياق، مازالت إدارة مواقع التواصل الاجتماعي إلى اليوم تطلق العنان لكل ما هو سطحي جامد بلا معنى ولا روح من المحتوى الديني أو يحرض على الطائفية في سبيل تعزيز القبضة الأمريكية على العالم الإسلامي، بينما تترصد وتترقب تلك المواقع كل حساب أو محتوى يشمل نصاً أو اسماً أو صورةً أو مقطعاً مصوراً يناهض الديكتاتورية الأمريكية وتسلطها على العالم أو يعبر عن تضامنه مع الدم الفلسطيني الذي تنهش فيه إسرائيل بلا رقيب أو حسيب.
ومن هنا، أصبحت معركة الإنسان المقاوم على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر ضراوةً خصوصاً بعد معركة “سيف القدس” حيث وضع تفاعل الجمهور العالمي الواسع مع غزة الكيان الإسرائيلي في مأزق محرج وبات عارياً بالمطلق أمام الرأي العام العالمي، فكان لابد من خوارزمية شاملة تنقذ الموقف وتتصيد الحسابات وشملت تلك الخوارزمية كل قاموس الكلمات والمعاني التي هي من لوازم المحتوى المقاوم.
الأمر الذي جعل الجمهور يلجأ إلى تقطيع الحروف ودمجها بين اللغتين العربية والإنكليزية ومعالجة الصور والكثير من الحيل للإفلات من قبضة إدارة “ميتا” التابعة للسلطة الأمريكية.
الخلاصة
بناء على ذلك فأنت كأحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي سواء كنت شخصية رسمية أو غير رسمية وسواء جمع حسابك ملايين المتابعين أو لم يجمع فإنك إما أن تبتعد بمحتواك عن الهمّ العام والقضية الجامعة وتنفصل عن الواقع فتفلت من عقاب “ميتا” أو أن تكون مضحياً في الميدان الافتراضي أذا ما أردت أن تحمل صوت المظلومين في غزة لتوصله إلى كل شخص في العالم.