بقلم طلال ماضي
جمعت سيدة ستينية سوريّة ما تقدر عليه من أموال خلال الحرب في سوريا، وذلك لتحقيق حلمها والحج إلى بيت الله الحرام.
وكون الحج إلى بيت الله لم يكن متاحاً في الأعوام الماضية وغير ممكن للسوريين، والسيدة العجوز تشتاق إلى أحفادها وأولادها خارج سوريا، والغير قادرين للعودة لأسباب مختلفة باتت معروفة للجميع، فقررت أن تذهب لترى أحفادها في إحدى الدول الأوروبية، وأن تصرف تحويشة عمرها مقابل أن تكحّل عينيها برؤيتهم قبل وفاتها، كونه البعض منهم أصبح يافعاً ولم تراه منذ ولادته، وهذا الحنين والاشتياق لا يقدره إلا كل من يلتوي قلبه لرؤية أولاده، ويخاف أن يموت قبل رؤيتهم.
الأموال ضاعت على باب السفارة
ومن خلال المساعدة التي قُدمت للسيدة الستينية عبر أقاربها في الخارج، تم حجز موعد لها، ودفعت ما يقارب 300 دولار أمريكي للوصول إلى السفارة، وبعد الوصول أخبرها الموظف ضرورة المراجعة بعد أسبوع وبين الأخذ والرد اضطر ابنها القدوم من النرويج إلى الأردن حتى يقوم بتسيير أمور والدته والعودة.
وبعد أن قضت العجوز أسبوعاً في الأردن عادت إلى سوريا خائبة، ولم تحصل على فيزا زيارة لفترة محددة ولم تنفع جميع الحجج والأدلة والوثائق والترجي والواسطات من الحصول على هذه الموافقة، وعادت إلى سوريا ودفعت 300 دولار للعودة، هذا غير المصاريف التي تكبدتها في الأردن لمدة أسبوع، والتي تقارب 500 دولار أمريكي والمصاريف التي دفعها ابنها والتي تقدر 700 دولار.
ولكن هنا يكمن السؤال يا سادة يا كرام…
هل هناك من يستفيد من هذا الدرس؟ ولماذا نخسر عملاتنا على أبواب السفارات؟ ولماذا أبواب سوريا لا تشرّع بشكل أيسر لعودتهم إلى البلد؟ ومهما كان ذنبهم، سواء الخوف من الحرب، أو تعرضهم للتقارير الكيدية، أو الجريمة المعلوماتية، أو عدم الالتزام بتأدية الخدمة المفروضة عليهم في الجامعات، فقد حان الوقت لإيجاد حل هؤلاء يطمئنهم من أجل العودة إلى بلدهم طالما أن الدولة السوريّة اتخذت سياسة العفو والتسويات حتى مع الإرهابيين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء.
فماذا ينتظر القائمون على هذا الأمر؟ هل جميع هذه الجرائم تحتاج إلى الوقوف والاعتراف بالذنب “أنا ندمان ياسيدي”؟
ولماذا لم يفكر القائمون على هذا الأمر بأن هذه المصاريف التي صرفتها العجوز لو وفّرتهم الدولة، وبالمقابل جاء من يصرف أضعاف هذه المبالغ المصروفة في سوريا؟
فلماذا نغلق الأبواب في وجه أولادنا المغتربين؟ وأين مشكلة المسؤولين؟ وفي حال تم إنشاء تطبيق وأتيح للناس معرفة أوضاعهم، والمطالب المتوجب دفعها عليهم وتسهيل حركة دخولهم إلى البلد كم من الأموال تتوقع الحكومة سيتدخل إلى خزينتها؟
ولكن الأمر الآخر هو هل يعقل أن يقوم السوري بالسياحة الطبية في تركيا والأردن والإمارات ولا يأتي إلى بلده لأسباب غير مفهومة؟! أو التزامات مالية بسبب عدم الالتزام بالعمل؟!
آلام السوريين واحدة.
حال هذه العجوز هو حال الآلاف في سوريا يتكبدون يومياً أموالا طائلة، ويضعون تحويشة عمرهم من أجل لقاء أحفادهم، والنتيجة تكون سلبية كون الدول الأوربية ترى أن سوريا بلد الحرب، متناسيةً أنها من شاركت في تأجيج هذه الحرب، ومازالت تملك قرار إيقاف هذه الحرب لكنها لم تفعل، وبالمقابل لا يمكن قبول زيارة الأفراد، ولا يمكن إجبارهم على العودة، لا يمكن إجبار الناس على الذهاب إلى المناطق المشتعلة.
الحل بسيط؛ وهو سوريّ بامتياز، فكما فعلتم مع رجال الأعمال سابقاً ممن أخذ القروض بمئات الملايين وكان عليه منع سفر قبل الأزمة وسمحتم له بالسفر، اسمحوا للسوريين الطيبين (ومفهوم الطيبين معروف للجميع من لم يحمل السلاح) في الخارج، الذين ظلموا لأسباب مختلفة من العودة، وتسوية أوضاعهم في خدمة البلد؛ كونهم أصبحوا أصحاب أعمال وقامات علمية ليست قليلة في الخارج، بينما في بلدهم بحقهم دعاوى قضائية من وزارة التعليم العالي ومن غيرها من المشاكل التي يمكن أن نجد لها حلاً طالما أن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك.